كُشف قبل أيام عن وثيقة يعمل عليها الاتحاد الأوروبي، فيها تصوّر لحل القضية السورية، تتحدث عن تفاصيل كثيرة تتعلق بهذا الشأن، وتتعرض للدستور الحالي الذي يمنح الرئيس صلاحيات لا يقبلها عقل، ودستور الـ 50 الذي اعتُمِد في مرحلة الاستقلال، وضرورة بناء نظام سياسي يخضع للمساءلة، ويراقب السلطة التنفيذية، وتتعرض للنظام البرلماني، وللنظام متعدد الأحزاب، وغير ذلك من تفاصيل.
قراءة سريعة للوثيقة تؤكد أن فيها خوف من تسمية الأمور بمسمياتها، وتسطيح وخلط للأولويات، واستسهال في الطرح، لكن هذا لا يعني رفضها، على الرغم من أنها لا ترتقي إلى نصف ما يطلبه أصحاب الثورة السورية؛ إذ طالما أن فيها إشارة إلى ضرورة تنفيذ انتقال سياسي، فإن ذلك مفيد، لأن أي تغيير في النظام السياسي سيؤدي حُكمًا إلى انهيار تركيبة النظام الحالي، ولو تدرّجًا.
اللافت أن الوثيقة الأوروبية لم تجرؤ على تسمية الأمور بمسمياتها، ولم تضع الإصبع على الجرح، فتعرضت -مثلًا- لوحدة سورية واللامركزية الإدارية، لكنها لم تجرؤ على ذكر أن النظام السوري هو الذي يقسم سورية إلى مفيدة وغير مفيدة، وأن بعض القوى الكردية هي التي تُطالب بمركزية سياسية، وبعضها يُطالب بالانفصال.
كما ناقشت المصالحة ودور المجالس المحلية والمجتمع المدني، ولم تجرؤ على ذكر أن النظام السوري هو الذي يستغل المصالحات للتغيير الديموغرافي، ويستهدف كل المجالس المحلية وجماعات المجتمع المدني كعدو أول له.
كما تناولت إعادة الإعمار بمجرد بدء تنفيذ الانتقال السياسي، ولم تجرؤ على الإشارة إلى أن النظام السوري باع سورية، وانتهى، لإيران وروسيا، ونهب رجاله كل ما يمكن أن يعيد إعمار سورية.
وتعرضت -أيضًا- لإمكانية أن تكون هناك محاصصة؛ لضمانة تمثيل النساء والأقليات، وقزّمت مشكلة السوريين التي كلّفتهم نصف مليون قتيل بمطالب ضمان تمثيل المرأة والأقليات، ولم تجرؤ على الإشارة إلى أن النظام السوري دمّر الأكثرية وانتهك حقوقها، وأذل المرأة والرجل على حد سواء.
في واقع الأمر، ليست المشكلة في تفاصيل هذه الوثيقة، وإنما في من سيقبلها، وكيف ستُقدّم، وما الآليات التي ستُفرض من خلالها، وكيف سيُتفادى رفض النظام وروسيا وإيران لها، وكيف يمكن الحصول على رعاية أميركية وغطاء أممي لها.
لابد من الاعتراف، بأن موقع أوروبا من الملف السوري هو موقع ضعيف، فلا هي مؤثرة تأثيرًا جذريًا وفاعلًا، ولا هي قادرة على فرض رؤاها على موسكو وواشنطن وغيرهما.
وكخلاصة، لابد من التذكير بأن حل الملف السوري ليس في أوروبا، بل هناك في واشنطن، حيث قواعد اللعبة ومخططاتها، وحيث بيضة القبان الدائمة، وبالتالي؛ فإن كل حل لا يصدر بقرار أميركي واضح ومُصدّق ومختوم، لا يجب التوقف عنده، وكل ما عداه هو لعب الضعيف مع الضعيف.