مع رحيل فيدل كاسترو، أُعيد الحديث عن كنه الصداقة الطويلة التي جمعت بين الجنرال الكوبي والروائي المعروف غابرييل ماركيز؛ حتى ارتبط اسما الرجلين النجمين ارتباطًا وثيقًا، إذ افتتن ماركيز بـ ” عبقريّة فيدل كاسترو، وظرفه الساحر للعقول”، كما عبَّر كاسترو عن رغبته في أن يكون روائيًّا، على غرار ماركيز بالذات؛ وبذا أضحى “للجنرال مَنْ يُؤانِسه”.
وإذا كان ثمة مَنْ تساءل عن كيفيّة النظر لكاسترو، وموقعه بين الحكَّام؛ فإنَّ ثمَّة مَنْ حَيَّرَه ولعُ وافتتان ماركيز بحاكمٍ استأثر بمنصبه لنصف قرن، ثمَّ أورثه لأخيه!
أيًّا كان الجواب، فإنَّ ذلك يستدعي إلى الأذهان حكّامًا آخرين تمترسوا في كرسي الرئاسة حتى قضوا، بعد أن قاموا بتوريث المنصب لمن يتابع نهجهم، وعلى الرغم من ذلك تلقّوا مدائح كتَّاب وفنَّانين في بلدانهم، كما من بلدان أخرى.
حافظ أسد مثلًا. فعلى الرغم من استبداده وتوريثه للحكم، ثمَّة كتَّاب وفنَّانون كبار -وليسوا صغارًا من المتسلّقين- داخل البلد، كالوا من المدائح له، وعبَّروا عن إعجابهم به في غير مناسبة.
أكثر من ذلك، هناك كتَّاب وفنّاَنون وسياسيّون من بلدان عربيّة عدَّة مجاورة وغير مجاورة، جفَّفوا حلوق السوريين المعارضين من جرّاء الفشل في محاولة إقناعهم باستبداد حافظ وتسلّطه، وفساد زبانية سلطته وانحطاطهم، واستفراد مخابراته بالناس كالذئاب…إلخ.
بل -إيغالًا بالمفارقة- وبين أولئك المثقَّفين العرب مَنْ كان مُعتقلًا في بلده؛ بسبب معارضته للطغيان؛ وعلى الرغم من ذلك لم يتخلوا عن عنادهم -ماضيًا وحاضرًا- في النظر إلى الأسد الأب، وولده، كبطلين من أبطال المقاومة والممانعة، والتَّصدّي للإمبريالية والصهيونية والرجعية العربيّة، بحسب حرفيّة تعبيرهم.
إذن، لا غرابة في مدائح ماركيز وافتتانه بكاسترو، أو في مدائح غيره -سواء كانوا سوريين أو من العرب- وافتتانهم بالأسدين؛ لأنّ الإبداع لدى هؤلاء المدَّاحين المُفتونين هو -كما يبدو- مهنة، كأيّ مهنة أو صَنْعَة، لا رابط بينها وبين آرائهم ومواقفهم ومواقعهم السياسية.
وعلى الرغم من كلّ ذلك، فمن نِعَمِ الله أن الناس لا يأبهون إلاّ بما عاشوه وخبروه وعانوا منه وكابدوا آلامه، بحيث لا يأخذون بآراء هؤلاء المثقَّفين، ولا يبالون، هذا إن كانوا قد سمعوا بها أساسًا.