تحقيقات وتقارير سياسية

الاعتقال التعسفي في سورية ومخالفة معايير المحاكمات

بعد اندلاع الثورة السورية، ارتفعت حالات الاعتقال التي ينفذها النظام السوري، وكذلك عند بعض فصائل المعارضة المسلحة، والتنظيمات الإسلامية، ليكون المواطن السوري هو الضحية الوحيدة، ولكن يبقى الاعتقال الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للنظام هو الأكبر والأوسع نطاقًا، والأكثر إجرامًا.

فقد وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الانسان” أن النظام السوري يعتقل ما نسبته 92.9 بالمئة من إجمالي المعتقلين الذين تقدر الشبكة عددهم بنحو 203 آلاف معتقل، منذ بدء الثورة السورية، وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. تتقاسم النسبة الباقية القوات الروسية، إذ لديها 3558 معتقلًا، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) 2998 معتقلًا.

الاعتقال التعسفي -تعريفًا- اعتقال يُخالف أحكام حقوق الإنسان التي تنص عليها الوثائق المكتوبة الكبرى لحقوق الإنسان، وله ثلاثة أنماط:

الأول: عندما لا يوجد أساس قانوني للحرمان من الحرية، “كأن يبقى شخص ما قيد الاحتجاز بعد انتهاء عقوبة سجنه”.

الثاني: عندما يُحرم شخص ما من حريته، نتيجة ممارسته حقوقه وحرياته التي يضمنها له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

الثالث: عندما يُحرم شخص من حريته، نتيجة محاكمة تتعارض مع المعايير المقررة للمحاكمة العادلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو أي أداة دولية معينة أخرى.

في سورية يمكن إطلاق مصطلح الاعتقال التعسفي، على احتجاز أصحاب الرأي أو السياسيين، أو سجن أحد الأشخاص دون وجه حق؛ حيث “لا جريمة دون نص قانوني” وفق المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و”لا يجوز القبض على إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا”، كما هو الحال في سورية.

والتعسف، هو المبالغة في استعمال الحق الذي تمنحه سلطة ما لأحد القائمين على التنفيذ، أي السلطة التي تمنحها السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية؛ فتستغلها الأخيرة بطريقة مبالغ فيها، تصل حدَّ الإجحاف غير المبرّر.

وفق تقارير عديدة صادرة عن منظمات حقوقية، مثل “الشبكة السورية لحقوق الانسان”؛ فقد نفّذت القوات التابعة للنظام السوري اعتقالات تعسفية في أثناء العمليات الميدانية البرية، أو بعدها مباشرة، وتشمل عمليات الاحتجاز الأطفال والنساء والمُسنّين أيضًا، إضافة إلى احتجاز أفراد أُسَر المشتبه بانتمائهم إلى المعارضة، بمن فيهم أفراد أُسَر القتلى من المقاتلين؛ بغرض الحصول على معلومات منهم أو عقابًا لهم.

يُحتجز دون سند قانوني، ودون أن تكون هناك أسباب يجيزها القانون تبرر احتجازهم، مع عدم منحهم الحق في أن يعاد النظر في أسباب احتجازهم ومدى قانونيته.

اختطاف من أجل الكسب

يعمد النظام السوري والميليشيات التابعة والمتحالفة معه، إلى أسلوب اختطاف الأشخاص واتخاذهم رهائن، ويعد ذلك انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي، كما انتشرت ظاهرة الخطف من أطراف أخرى؛ بدافع الكسب المالي، وتبادل الأسرى.

تتنافى المحاكمات التي يقيمها النظام السوري، وبعض الفصائل المقاتلة في سورية، خصوصًا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مع أبسط المعايير المتبعة في المحاكمات، وفق القوانين والمواثيق الدولية، وهي في الحقيقة محاكمات صُورية، غالبًا ما تنتهي بتنفيذ أحكام الإعدام، دون وجود جريمة في الأصل، حيث أن للمحاكمة العادلة شروطًا حدّدتها المواثيق الدولية، من الضروري تطبيقها حتى في القوانين الوطنية، وهي:

1- ضمانات إلقاء القبض.

2- ضمانات الاستماع والاستنطاق (التحقيق).

3- ضمانات الحجز والتفتيش.

4- مدة الحراسة النظرية والتدابير الاحترازية.

5- أن تكون المحكمة مختصة، وغير استثنائية، وأن تكون مستقلة ومحايدة.

6- علنية المحاكمات، وشفوية المرافعات.

7- الأصل هو البراءة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.

8- أن تكون هناك آجال ومُدد مُحددة للبت في القضايا.

9- أن يكون هناك محامون للدفاع عن المتهمين، وهي أبسط الحقوق.

10- وجود عدة درجات للتقاضي، بحيث لا يصدر القرار من محكمة واحدة صدورًا مبرمًا، إضافة إلى اتباع مبدأ عدم رجعية القوانين في المحاكمات.

إن المحتجزين من أجهزة النظام، والميليشيات التي تقاتل معه، وبعض الفصائل الأخرى، هم في غالبيتهم من المعارضين السلميين والناشطين، وأصحاب الرأي؛ ما يزيد التعسف في اعتقالهم، وزيادة معاناتهم.

يُبدي النظام السوري، تجاهلًا صريحًا لحقوق الإنسان الأساسية للأشخاص الخاضعين لسيطرته، والمحتجزين لديه، ما يُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في استراتيجية أمنية، تقوم على أن الحديث، وإن بكلمة، ضد أحد هذه الأطراف بات يُعرّض قائلها للاعتقال، وربما القتل أحيانًا.

دعوات كثيرة وُجّهت من الأمم المتحدة، ومنظمات حقوقية وإنسانية، إلى الأطراف المتحاربة في سورية، وخصوصًا النظام؛ من أجل حماية المدنيين، وعدم الإقدام على تنفيذ عمليات الإعتقال التعسفي، في كل أنماطه، دون وجود مبرر قانوني، ومعاملة جميع المحتجزين معاملة إنسانية، بحسب مبادئ القانون الدولي الإنساني، والكشف عن مصير الأشخاص المعتقلين تعسفيًا، لمعرفة مصيرهم.

يبقى ملف الاعتقال والمعتقلين في سورية، هو الأكثر تعقيدًا من بين الملفات الحقوقية والقانونية، لإرتباطه المباشر بما يجري على الساحتين: العسكرية والسياسية، إذ لم تنجح -حتى الآن- كل الوساطات من المبعوثين الدولين المتعاقبين، وكل النداءات من المنظمات المختلفة، التي وُجّهت إلى النظام بالدرجة الأولى، لإيجاد حل لهذا الملف، فهناك عدد من الدلائل يشير إلى أن ملف الاعتقال من أوراق المساومة التي يحتفظ النظام بها، ليبقى المعتقلون هم الضحية الأكبر في الثورة السورية، لما يعانون من أنواع شتى من الانتهاكات المرعبة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق