قضايا المجتمع

اليوم العالمي لحقوق الإنسان… رزان الحاضرة أبدًا

في سورية، وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وبغياب رزان وسميرة ووائل وناظم، ومئات آلاف السوريين، نبحث في جعبة الأرض عن بذرة خبّأتها يد حمزة الخطيب، وثامر الشرعي، حين حملتا أرغفة الخبز، أو وردة غياث مطر، فلا نجد إلا صورة سفراء دول كبرى، تزور داريا، فيحيلها الأسد إلى ما يشبه مجلس الأمن بدوله، هكذا أرادها الراهب والشيخ والجنتل ورجل البزنس، وأرادها الحاخام الأكبر، أو المرشد الأعلى، وعلى وقع قطرات الماء “المبارك” لراسبوتين الجديد، يعيش السوريون ذكرى نحر ملايين الأفئدة، حين هتفت للحقوق والعدل والحياة.

في مثل هذا اليوم من عام 2013، اختُطفت الناشطة الحقوقية، رزان زيتونة، من مدينة دوما في الغوطة الشرقية لدمشق، مع ثلاثة ناشطين آخرين، هم زوجها، وائل حمادة، وسميرة الخليل، وناظم الحمادي، من “مركز توثيق الانتهاكات في سورية”، هذا المركز الذي عملت عليه رزان ورفاقها، لحماية أو حفظ حقوق السوريين من الضياع، بصفتهم مواطنين وبشرًا، تضمن لهم المواثيق الدولية حقوقهم الطبيعية في الحياة الكريمة، التي عمل النظام السوري لاستباحتها والاستهتار بها على مدى عقود، فكانت الثورة، وكانت معها إرادة السوريين بألا يسمحوا لأحد ان يُعاود استباحة كرامتهم وحقوقهم بحياة كريمة.

كانت رزان ورفاقها في مشروعهم السوري، يعملون على تكريس مسيرة الدفاع عن كرامة السوريين، أفرادًا وجماعات، لتختفي هذه المجموعة -بأفرادها- في ملابسات تكاتف كثيرون فيها كي تبقى غامضة، وتبقى عُرضة للقيل والقال والتكهنات، وما إلى ذلك، بغية تمييع القضية وحرْفها عن الحالة القِيمية التي تُعبّر عن الهدف السامي لعمل المجموعة والمركز، وتغييب ما تعنيه هذ الأسماء، بوصفها هوية رمزية، أمام جبروت نظام استبدادي، وقادة فصائل ابتدؤوا يأخذون دور الأب القائد، أو المرشد الأعلى، ويُمهّدون -بطريقة استباقية- لاغتيال فكرة الدولة، التي أرادها السوريون حافظة لكرامتهم، بقوانينها وقضائها ودستورها ومؤسساتها.

رزان زيتونة تشبه دوالي العنب المبتسمة، وسميرة الخليل كما نضارة البرتقال السوري، حين يلمع مع قطرات الندى، وناظم ووائل قد يشبهون البحر والصحراء في آن، وقد يشبهون السهل والجبل، وهؤلاء كلهم، كما من هتف هناك قرب كبد العاصمة: “الشعب السوري ما بينذل”، أو كلهم كبائع البقدونس، أبي صبحي الدرة، حين قال: “يا فتية الشام للعلياء منزلكم”، أو كمن دمعت عيناه مع سماع أول هتاف في هذا الجدار الأصم.

هم في الساحات كانوا أحفاد السوري الذي أحاطته الأسطورة السورية حين قالت: “حطّم سيفك وتناول معولك واتبعني، لنزرع السلام والمحبة في كبد الأرض”، فكانت الثورة الأسطورة، حيث كل بقعة من هذه الأرض نسَجت أسطورتها، من أمام الجامع العمري في درعا، إلى الساحة بانياس، ومن شوارع دير الزور إلى الساحة الحمصية، على وقع هتاف مدينة أبي الفداء حماة.

ذاكرة التفاصيل

سورية تُسجّل بذاكرتها الحيّة كما أرادت رزان ورفاقها، ملامح ممثلي دول وهيئات وتفاصيل أوراق ومستندات مجلس الأمن، التي ازدردت حقوق السوريين.

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لا يهم أن نورد البنود التي كفلها الإعلان، بداية من مادته التي تقول: “لكل إنسان حق التمتّع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع”، مرورًا بمادته التي تقول: “لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه”؛ وصولًا إلى المادة الأخيرة التي تكفل أنه “ليس في هذا الإعلان أي نصّ يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أي دولة أو جماعة، أو أي فرد، أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل، يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه”، لا يهم أن نُشهر البنود بوجه من اختطف رزان ورفاقها، ولا أن نشرح لهم ماذا كانت تفعل، وإلى ماذا تهدف، ولا أن نذكّرهم بالمقولة الشعبية السورية البسيطة أمام الغلط، وهي “عيب”.

ضمن حدود ربط بين ثلاث قارات، وفي جغرافيا، بقدر ما هي نعمة كانت نقمة، شاء الوضع التاريخي أن يدخل السوريون إلى رحب استقلالهم منتصف القرن الماضي؛ لتثبيت دستورهم وقوانينهم ودولتهم، وما هي إلا سنوات بسيطة؛ حتى سال لعاب العسكر على السلطة، وساعدتهم أحوال إنشاء دولة “إسرائيل”؛ لتجد في سلوكهم ما يُعين تمييزها عن جيرانها، كدول استبدادية مقابل دولة “ديموقراطية”، تأخذ قيم الغرب ودساتيره، في وجه أنظمة متخلفة في القانون والممارسة والخطاب، فجاء حافظ الأسد في هذا السياق، وقدّم أوراق اعتمادٍ قد تفاجئنا الأيام بما لا يخطر على بال من أسرار، نتلمّس نتائجها وفعلها اليوم، بوصفنا بشرًا في هذه الجغرافيا، حيث السوريون هتفوا بما أراد إعلان حقوق الإنسان الأممي لهم، فتكاتف الأنيقون “الجنتل”، مع “أبي لهب” و”القعقاع”، مع الراهب “راسبوتين” و”جنكيز خان”، واستعانوا بتقنيات العصر كلها؛ ليخترعو “دراكولا” من لحمٍ ودم، يمصّ دم السوريين من أطفالِ الأجنّة، إلى سماحة التجاعيد على وجه فلاحٍ سوري، يقطف عنقود عنب دوماني، يقدّمهُ لضيفٍ بإشراقة صباح، وهو يقول تذوّق العسل.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق