ترجمات

كلنا شركاء في ذبح حلب

 

00

“إن لم تغادروا تلك المناطق على وجه السرعة، فستُبادون، أنتم تعرفون أنَّ الجميع قد تخلوا عنكم، وتركوكم وحيدين في مواجهة قدركم، لا أحد سيقدم لكم مساعدة”

تلك الكلمات المرعبة التي تقشعر لها الأبدان، ترميها الطائرات السورية والروسية في منشوراتٍ فوق المنطقة المحاصرة من حلب، قبل الهجوم الدموي النهائي على المدينة، وخلال الأيّام القليلة الماضية، فقد أظهروا جديّة أكبر من أن يتجرأ أي شخص على تخيلها في حلب، أو في أيّ مكان آخر. لكن التحذيرات كانت هناك، وليس على شكل منشوراتٍ فحسب، فبعد خمس سنوات من الحرب، لا يستطيع العالم أن يدعي أنه يفتقر إلى المعلومات حول حاجة السوريين الماسة واليائسة، إلى فرصٍ للرد.

 

شرقي حلب الآن بؤرة الصراع السوري، مجبرة على تحمل موجةٍ إثر موجة من القصف العنيف، الذي يهدد بتحويلها إلى كومة من الغبار وبقايا من البيتون (الإسمنت) المحطم، فمع آخر هجومٍ للقوات الموالية للحكومة للسيطرة على المنطقة، اكتسب الصراع شكلًا أكثر مرارة ودموية، من أي وقتٍ مضى، ففي غضون أيام، سيطرت قوات الحكومة السورية المتقدمة في مناطق شرقي حلب، على مناطق جديدة، كانت تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة، ومنها، مناطق جبل بدرو ومساكن هنانو، حيث تعيش هناك مئة عائلةٍ على الأقل، حيث أفاد مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 25،000 شخصًا فروا من المنطقة المحاصرة، منذ  25 تشرين الثاني/ نوفمبر.

 

لقد تخلى بعض السكان المحاصرين في المنطقة عن أيّ أملٍ في العمل الدولي لوقف معاناتهم. “لا يوجد مكان لتعيش أو تختبئ فيه،” قال نزار، وهو أحد السكان هناك، قبل الهجوم الأخير، وتحسبًا من قصفٍ متجدد، قالت أم محمد، وهي مقيمةٌ أخرى، شعرتُ أنها كانت مسألة وقت فحسب “قبل أن تفتح جهنم أبوابها ثانية”. مستخفةً بأرواح المدنيين والقانون الإنساني الدولي، استخدمت القوات الحكومية السورية وحلفاؤها الروس، القوة النارية الهائلة لإلحاق المعاناة الإنسانية القصوى، وتدمير البنية التحتية المدنية، وفرض حصار تجويعٍ خانق على المنطقة.

 

المباني السكنية والمستشفيات والعيادات الطبية، والمدارس استهدِفت مرارًا وتكرارًا في الهجمات المحظورة، فقد استخدمت القوات المهاجمة البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية المحظورة دوليًا، وتصل في كثير من الحالات إلى جرائم حرب، والتهديد بهجمات جوية هو تهديدٌ قوي وشديد؛ حيث أجبر سكان حلب على أن يحتالوا للعيش، وذلك بالبقاء في دهاليز البيوت الآمنة تحت الأرض. لقد اُستُهدِفت عشرات المستشفيات في حلب خلال العام الماضي، وكان آخرها مستشفى للأطفال في حي الشعار في الأسبوع الماضي، حيث وثّقت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، في آذار/ مارس، كيف تم استهداف المرافق الطبية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة حول حلب، في جزءٍ من إستراتيجيةٍ عسكرية لإفراغ المناطق من السكان من أجل تسهيل غزوٍ بريّ.

بسبب تدفق آلاف المدنيين من شرق حلب، وكثير ممن نزحوا، يعيش في حالة خوفٍ من الاعتقال التعسفي والتعذيب، أو الاختفاء القسري من جانب القوات الحكومية، فقد نزح نحو 8000 شخصٍ إلى منطقة الشيخ مقصود التي يسيطرُ عليها الأكراد، لأنهم خائفون جدًا من النزوح إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

 

في مواجهة الدمار والمعاناة على هذا النطاق الواسع، كان لدى العالم الوقت، ولكنه فشل مرةً أخرى في مساعدة المدنيين في شرق حلب، وهذا هو رمزٌ لعجز المجتمع الدولي، الذي فشل مرارًا وتكرارًا في أن يفعل أيَّ شيءٍ لوقف الاعتداءات والإهانات العشوائية، وانتهاكات القانون الدوليّ، بينما تتفاقم الكارِثة السورية على مدى السنوات الخمس الماضية.

 

لقد أصبح مجلس الأمن رهينةً بيد روسيا، التي استخدمت مرارًا حق النقض لحماية الحكومة السورية، وخلال السنوات الخمس الماضية، اعترضت موسكو على خمسة قرارات كانت تسعى لإنهاء بعضٍ من الانتهاكات المروعة، ولتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة بإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية. في الشهر الماضي، اعترضت موسكو على قرارٍ يهدف إلى إنهاء الغارات الجوية وسفك الدماء في حلب.

 

طالب قرارا مجلس الأمن، 2139 و2165، واللذان تم التوافق عليهما في نهاية المطاف بالإيصال غير المشروط للإغاثة الإنسانية، ورفع الحصار عن المدينة، ووضع حدٍ للهجمات على المدنيين، والتعذيب، والاختفاء القسري، ومع ذلك فقد تم الاستخفاف بهما بشكلٍ يومي من دون أي عواقبٍ على الجناة، وحتى عندما لم يتم استخدامه بصورة جادّة، كان تهديد روسيا باستخدام حق النقض كافيًا لشلّ مجلس الأمن، ومنعه من فرض عقوباتٍ تستهدف مسؤولي الحكومة السورية لعدم الامتثال للقرارين. لقد أعرب مسؤولو الأمم المتحدة، وزعماء العالم عن الصدمة والغضب نتيجة استمرار إراقة الدماء، ولكن ما يحتاجه سكان حلب ليس كلمات الإدانة.

أن تقف إلى جانب أي فرصةٍ حقيقية لإنهاء الجرائم ضد الإنسانية في سورية، هناك حاجةٌ إلى تدابير ملموسة، مثل العقوبات التي تستهدف المسؤولين الذين أعطوا الأوامر بالهجمات غير القانونية، وحظر أسلحةٍ شامل لوقف تدفق الأسلحة إلى النظام السوري، ووسيلة لجلب مرتكبي جرائم الحرب إلى العدالة، فقرار مجلس الأمن بإحالة الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية من شأنه -في أقلِ تقديرٍ- أن يلمح إلى أن المسؤولين عن الفظائع في سورية، لن يمروا من دون عقاب، وستستمر هذه الفظائع في الانتشار، مادامت خطواتٌ مثل هذه غائبة، ليس عبر سورية فحسب، بل في جميع أنحاء العالم.

 

الخيانة القاسية للمدنيين في شرق حلب ستكون وصمة عارٍ على ضمير العالم لسنواتٍ مقبلة. لا شيء يمكن أن يعوض الإخفاقات التي أدت إلى تقاعس عالمي عن هذه الكارثة. أقل ما يمكننا القيام به هو أن نحاولَ ضمان ألا يُسمح للفظائع التي تحملوها أن تُرتكب مرة أخرى.

 

 

اسم المقالة الأصليWE Are All Accomplices to the Slaughter of Aleppo
الكاتبديانا سمعان، Diana Semaan
مكان وتاريخ النشرفورين بوليسي، Foreign Policy

2-12-2016

رابط المقالةhttp://foreignpolicy.com/2016/12/02/we-are-all-accomplices-to-the-slaughter-of-aleppo/
المترجمأحمد عيشة
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

إغلاق