تحقيقات وتقارير سياسية

جردة حساب على أبواب السنة الجديدة

سجلت قوات الأسد وحلفائه خلال العام الجاري (2016)، تقدمًا كبيرًا على الصعيد العسكري، وكانت إحدى أهم النجاحات التي حققتها قواته المدعمة بسلاح الجو الروسي، التقدم الذي حدث في مدينة حلب.

فبعد نحو ثلاث سنوات من المعارك الطاحنة على جبهات حلب المختلفة، يكاد يُغلق هذا الملف، وينسحب ما تبقى من قوات المعارضة إلى مناطق مختلفة من سورية، قد تكون محافظة إدلب وريف حماه الشمالي في مقدمتها.

إلا أن حلب لا تشكل الخسارة الوحيدة لقوى المعارضة، فسلسلة الهزائم تكاد تشمل أغلب الجبهات العسكرية في طول البلاد وعرضها.

خلال العام الجاري كانت قوات الأسد قد تمكنت من الضغط على جبهات الغوطة الشرقية، وبعد معارك عنيفة، تمكنت قوات الأسد من استعادة سيطرتها على نحو ثلث منطقة الغوطة الشرقية، حيث خسرت قوات المعارضة في هذه المعارك سيطرتها على منطقة المرج جنوبي الغوطة الشرقية، بما فيها خسارتها مطار “مرج السلطان” العسكري، وعددًا من القرى والبلدات الأخرى المحيطة بها.

وكان هذا التقدم لقوات الأسد قد تزامن مع نشوب معارك عنيفة بين فصائل مختلفة من المعارضة فيما بينها، على رأسها قوات “جيش الإسلام” وفيلق الرحمن، وغيرهما.

وفي الوقت الذي تحتل فيه معارك حلب المشهد الإعلامي برمته، فإن باقي الجبهات “المنسية” والتي لا تقل أهمية عن جبهة حلب، تبقى غائبة عن المشهد العام للحرب في سورية. فمنذ نحو منتصف العام الجاري، لم تهدأ المعارك في محيط مدينة دوما، المركز الرئيس للغوطة الشرقية بأسرها، والتي تعدّ آخر قلاع المعارضة في محيط دمشق. فعلاوة على الحصار المضروب على المنطقة هنا، والذي يمتد على بضع سنوات، تشهد دوما بتواصل، قصفًا عنيفًا على أحيائها السكنية، والذي سيكون له وبالتضافر مع الحصار، الدور الكبير في دفع أهالي المدينة إلى التفكير بخيارات قد تبدو انتحارية.

من جهة ثانية، تستمر قوات الأسد في محاولة اختراق دفاعات المدينة عبر جبهة “الوافدين” شمال دوما من جهة مدينة عدرا. وعلى الرغم من فشل هذه القوات العسكرية المتكرر في التقدم على هذه الجبهة، إلا أن الأنباء الواردة من هناك، تشير إلى أنه من الصعب الرهان على استمرار قوات المعارضة في الصمود على هذه الجبهة الضاغطة.

لا يقف الأمر في سلسلة انكسارات قوى الثورة، عند الجبهات العسكرية، بل يتعداها إلى ما هو أكثر عمقًا وخطورة، فاستراتيجية الحصار المترافق مع المعارك المتواصلة، كانت قد دفعت خلال الأشهر الماضية بعدد من المناطق إلى عقد “هدن” مع نظام الأسد، ترتب عليها مغادرة مقاتلي المعارضة مدنهم، وتهجير ما تبقى من سكان إلى بقاع مختلفة من سورية، بما يشبه التطهير العرقي.

لا يقتصر الأمر على تجربة مدينة “داريا” التي تركت خسارتها شعورًا بالمرارة لدى أغلب السوريين، بل تعدتها إلى عدد من البلدات والمدن الأخرى، التي قبلت بتوقيع هدنة مع النظام، أو أنها تتهيأ لذلك.

تشير الأنباء الواردة من مدينة دوما، حتى ولو أنها غير رسمية بعد، إلى ما وصلت إليه الأمور هناك، حيث أشير إلى أن بعض وجهاء المدينة، بدؤوا بطرح فكرة عقد هدنة مع نظام الأسد، وحتى الآن؛ لا يوجد تفاصيل حول مضامين هذه الهدنة وبنودها، إلا أن تجربتنا السابقة مع الهدن، لا توحي بالخير. لا يقتصر الأمر على محيط العاصمة دمشق، بل يتعداها إلى الجبهة الجنوبية من سورية، التي تعاني، شأنها شأن معاناة المناطق السورية الأخرى التي تمردت على حكم الأسد، وعلى الرغم من أن طبول الحرب في ريف درعا ومحيطها تراجعت تراجعًا ملحوظًا خلال العام الجاري، إلا أن الحصار وسوء أحوال الأهالي، قد يدفع باتجاه عقد مزيد من الهدن مع قوات الأسد، حيث تداول إعلام المعارضة أنباء عن قيام بضعة مئات من مقاتلي المعارضة بتسليم أنفسهم لقوات النظام، في إطار ما بات يعرف بتسوية “الوضع”.

تبدو عموم سورية اليوم محطمة تحطمًا شبه تام، وتتقاسم المدن السورية أشكالًا لا حصر لها من الخراب، ففي الوقت الذي تُهدم فيه مدن “المعارضة”، ويسحق سكانها، سنجد على الضفة الأخرى من سورية التي كنا نعرفها، خرابًا تعيشه هذه المدن “الآمنة”، والتي مازالت تحت قبضة قوات الأسد، لا يقل عن الخراب الذي تشهده المدن “الأخرى”، حيث يعاني أهالي هذه المدن، ومنها دمشق على كل حال، من نقص شديد بكل شيء، الطاقة الكهربائية، والمياه الصالحة للشرب، ومواد التدفئة، وغيرها العشرات من السلع، إلا أن الأكثر خطورة من كل ما تقدم، هو حجم الانتهاكات التي تقوم بها الميليشيات الموالية لنظام الأسد، التي تسيطر على هذه المناطق، والتي فتكت بالأهالي خطفًا وقتلًا وترهيبًا.

في ظل هذه اللوحة شديدة القتامة، يجد السوري نفسه أمام خيارات أحلاها مرّ، خيارات تتراوح بين البقاء في مدن بلا “سقف”، سوى الدخان الذي تخلفه قذائف النظام السوري وحلفائه، أو البقاء في مدن “آمنة”، باتت محكومة بعصابات لا حصر لها، ولا عدّ لحجم ما تقوم به من انتهاكات. وبين هذا وذاك، لا يبقى للسوري سوى الريح، وخيمًا مشرعة على الشمال.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق