سورية الآن

الأسد يربح حلب ويخسر سورية

لن يتأخر الرئيس السوري بشار الأسد في الذهاب الى حلب، لإعلان النصر على أنقاض منازلها المدمرة، أو ربما للصلاة في أحد مساجدها. وقد تطير الاوركسترا الروسية، الى حلب هذه المرة، لتعزف في قلعتها أناشيد الفرح، كما فعلت في تدمر. فحلب التي صمدت أكثر من أربع سنوات في وجه الحصار والقصف والتجويع، تشكل جائزة كبيرة للنظام وحلفائه وتحولًا كبيرًا في هذه الحرب. ولن يفوت النظام على الأرجح مناسبة كهذه للاحتفال.

بمقاييس كثيرة، يبدد سقوط حلب الآمال في سوريا جديدة، ويتيح للأسد البقاء في السلطة متحديًا خصومه والعالم أجمع. لكن هذا التحول، على أهميته، لن يسدل الستار على المأساة ولن ينهي خصوصًا الحرب المحتدمة على سورية، وإنما ينذر بجعل كل منهما أكثر دموية وعدوانية.

مشاهد الدماء والدموع الواردة من حلب لا تؤذن بنهاية معركة. نداءات الاستغاثة الواصلة من الأقبية والملاجئ لا توحي بفرج قريب. صور الأطفال المضرجين بدمائهم لن تمحى بسهولة من ذاكرة السوريين. الفظائع التي ترتكب في حق مدنيين في حلب الشرقية تزيد الأحقاد والضغائن التي خلفتها حرب أوقعت حتى الآن مئات آلاف القتلى وشردت الملايين.

بعد حلب، تتجه سورية إلى مرحلة جديدة من النزاع. مرحلة سيحاول فيها النظام تعزيز مكاسبه أكثر وبكل الوسائل المتاحة، التقليدية منها وغير التقليدية، بينما قد يلجأ من بقي من معارضيه إلى خيار حروب العصابات والتفجيرات والعمليات الانتحارية. وقد يجد معارضون كثر في الحركات الجهادية المتطرفة ملاذًا أخيرًا لهم هربًا من موت محتوم وأملًا في استعادة المبادرة ومواصلة القتال ضد الأسد.
ولكن ، على رغم “الانتصارات” التي لم يشارك في صنعها ولم يجد إحراجًا في التباهي بها، سيجد الأسد نفسه أمام ضغوط متزايدة. إذ لن يكون قادرًا على حماية مكاسبه وتوسيعها إلى مناطق جديدة إلا بزيادة اعتماده على روسيا وإيران اللتين شكلتا رأس حربة في حربه، وأنقذتا نظامه من انهيار كان محتومًا. ولعل الخسارة الكبيرة التي مني بها الجيش السوري في تدمر هذا الأسبوع بالتزامن مع معركة حلب أكبر دليل على أن سورية ستكون لفترة طويلة أسيرة لروسيا وإيران.

مدير الاستخبارات البريطانية أليكس يونغر قال أخيرًا: “تسعى سورية وروسيا إلى تحويل حلب إلى صحراء وتسميان العملية سلامًا”… فعلًا، استعاد الأسد حلب، كما وعد، إلا أنه استعادها صحراء سيوكل حراستها إلى ميليشيات إيران وغيرها. أما السلام فيبقى حلمًا بعيدًا لسورية والمنطقة.

(*) كاتبة لبنانية

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق