أدب وفنون

مع أبي جميل

أبو جميل أعرفه منذ سنين، يقف من صباح الله الباكر في ساحة التمثال -ساحة السير سابقًا- مستندًا إلى حائط المستديرة وسط الساحة، ينتظر أن يرزقه الله عملًا، كي يعود آخر النهار بطعام لأسرته. فإذا يسّر له الله أحدًا يصحبه للعمل فرح واطمأنّ على طعام أولاده، وإلا فإنه يعود آخر النهار مخذولًا مرذولًا.
جاءني اليوم، يستلفني ألف ليرة. أقسم لي أنه لم يجد في جيبه ثمن ربطة خبز، وأضاف:

– تسكّرت بوجهنا يا أستاذ. شو ها الحالة!؟ قلت له:

– فرجها قريب يا أبا جميل إن شاء الله قرّبت. قال:

– وين قرّبت يا أستاذ مسعود؟! الدنيا قايمة قاعدة، يا خوفي يسقط هالنظام ونتبهدل.

قلت له:

– لا، لا تخف. لن يسقط النظام ما دام فلاديمير بوتين وسماحة السيّد والمرشد الأعلى بالوجود.

– أي والله، كثر ألف خيرهم. لولاهم لرحنا بستين داهية.

أعطيته ألف ليرة وسألته:

– لم تقل لي، ما حاجتك بالأف ليرة؟ قال:

– خليها لألله يا أستاذ مسعود. أنت صديق وما يخفى عليك شيء. الولد بالجيش، ومحتاج مصروف. قلت:

– وكم مضى عليه في الخدمة؟ قال:

– أي خدمة يا أستاذ؟!. الولد صرلو سنتين احتياط. سحبوه من الشغل، وقطعوا ظهري. كان يساعدني، يحمل عني كتف على القليلة. قلت له:

– ما دام في الخدمة الاحتياطية فمرتبه جيد، لماذا يحتاج إلى مصروف؟

ضحك أبو جميل، وقال بعد أن أخفض صوته:

– الكلام بسرك، ما عم يقبض من راتبه ولا فرنك.

تعجبت وظهر على وجهي الاستفسار. فأدرك ذلك وأضاف:

– المعلم تبعه الله يطول بعمره، ما عم يقصّر. عم يدعمه بالإجازات. قلت:

– أي؟!. وبعدين. قال:

– أي وفهمك كفاية…

– يعني الراتب مقابل الإجازات!؟

– سيدي مش مشكلة. المهم نظل نشوف الولد. قلت:

– طيب، ولماذا لا يترك الخدمة، ويقف معك ويساعدك على معيشة الأسرة؟ ما دام لا يحصل على راتبه.

– معقول أستاذ؟!. إذا ابني وأبنك ما التحقوا بالجيش، ووقفوا بوجه الإرهابيين، مين راح يوقف!؟ قلت له:

– البركة بالميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية وحزب الله. جميعهم يقاتلون الإرهابيين، ألا يكفي. فقال:

– كثر الله خيرهن، تاركين أولادهم ونساءهم وبيوتهم وجايين يدافعوا عنا. بس شوف أستاذ، مثل ما قال المثل: ما حك جسمك غير ظفرك. لازم كلنا نوقف وقفة واحدة مع النظام. والله يا أستاذ ان راح هذا النظام ما راح تقملنا قايمة.

عند ذلك لم أجد أمامي إلا أن أحكي له حكاية وطفة. قلت له:

– أبو جميل هل تعرف حكاية وطفة؟

– مين وطفة أستاذ؟

– وطفة مرت مرابع، كانت تمضي نهارها تعزّل الزبل وتكربل التبن؛ لتجهيز العلف للخيل والبقر. دخلت عليها زوجة المعلم، وهي في التبان تكربل، فأرادت أن تمازحها، فقالت لها:

– يا معثرة يا وطفة، أنت هون عم تكربلي، وزوجك سارحة غنمته عند فلانة.

تركت وطفة الكربال، وقالت:

– يا لطيف! أنا حاسسني قلبي، وعم قول لحالي هذي النعمة ما راح تدوم لك يا وطفة.

مقالات ذات صلة

إغلاق