فتحت الثورة السورية، نوافذ كثيرة أدخلت النور إلى حياة السوريين، على الرغم من الألم الذي يتمدد بجسده الثقيل فوق كواهلهم، فقد كشفت الثورة مقدار الطاقات، الكامنة في المجتمع، التي غيّبها الاستبداد، ومنعها من فرصة التعبير عن نفسها وتطوير مهاراتها.
تفاقمت في غوطة دمشق الشرقية، بفعل الحصار الخانق عليها، أزمة في الغذاء وخدمات الكهرباء والماء، وبات البحث عن بدائل عن الخدمات المفقودة أمرًا مُلحًّا، وهو ما دفع محمد الشامي، أحد أبناء حمورية المحاصرة، إلى ابتكار تشغيل مضخات المياه على الطاقة البديلة، وتسخيرها لتشغيل مضخّات المياه على الآبار، التي يستخدمها أهالي الغوطة للشرب والري.
وقال الشامي في اتصال مع (جيرون): إن “النظام حاول كسر إرادة الناس بالحصار، حيث لا غذاء، لا كهرباء، لا محروقات، لا خدمات، وفي ظل هذا الحصار الخانق، كان لابد من البحث عن مخرج، ولذلك؛ ابتكرت وسيلة لضخ المياه من الآبار عبر محركات صممتها لتعمل بالطاقة الشمسية”.
في البداية لم يلق الابتكار اهتمامًا من المؤسسات العاملة في مجال الإغاثة، لكنه بقي يُصر على اخراج فكرته إلى النور، وبالفعل “جرى التواصل مع جمعية (البر)، التي اقتنعت بجدوى المشروع، وقدمت مبلغًا متواضعًا لدعمه، وبعدها أنشأنا أنموذجًا ميكانيكيًا وتخطينا الصعوبات الأولية”. وفق قوله.
يوضح الشامي، خريج الثانوية الفنية، أن الدعم، الذي تلقاه من الجمعية، مكّنه من “شراء البطاريات والألواح الشمسية” اللازمة لإتمام ابتكاره، وبعدئذ “طوّر العملية الميكانيكية، الخاصة بحركة المضخة (الغاطس)، لتتناسب مع مصدر الطاقة الجديد، وفعلًا نجح المشروع، وبدأنا ضخ المياه من الآبار إلى المنازل”.
يرغب المخترع، الذي كان يزاول مهنة إصلاح الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، في الحصول على “دعم أوسع لاستنساخ ابتكاره وتوزيعه على أكبر عدد ممكن من السكان في المناطق المحاصرة”.
وقعت غوطة دمشق، خزّان دمشق الغذائي، الغنيّة بزراعتها ومنتجاتها، فريسةً لتجار الأزمات، نتيجة تراجع الزراعات المروية فيها، ولهذا يأمل الشامي “بتطوير المشروع وتوسيع نطاق استخدامه، ليتعدى استخدامه كمياه للشرب وحسب، إلى الزراعة ايضًا”.
تعميم الأنموذج – الاختراع، يحتاج إلى تضافر الجهد، وهو أمر تفتقده الغوطة، فأغلب “المؤسسات العاملة في المنطقة، تركّز على العمل الطبي والإغاثي، وكذلك رعاية الأيتام، وهذا جيد، لكن نحن بحاجة لدعم قطاعات، تُحقّق لنا الاعتماد على الذات”.
ينتمي الشامي لأسرة ريفية مكونة من 8 أفراد، قدّمت 4 شهداء في سبيل حرية سورية، لكن ذلك “لن يزيدنا إلا إصرارًا وثباتًا، فالحياة بشرف أو الموت بشرف”.
تتمحور الاختراعات المقبلة، حول “توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الجاذبية الأرضية”، والثورة التي قابلها النظام بالنار والبارود والحصار، فرضت -بحسب الشامي- “واقعًا مريرًا على المجتمع، وخاصةً في ظل الحصار، ولذلك؛ يجب إيجاد حلول للمشكلات، على الصعد كافة، ضمن الإمكانات البسيطة المتاحة”.
لم تكن مُخرجات التعليم في سورية تَمُتّ إلى سوق العمل بصلة، ولعب غياب قوانين حماية الملكية الفكرية “دورًا سلبيًا، بحيث أن صاحب الفكرة أو المُخترع يبقى جنديًا مجهولًا، وغالبًا ما كان يظهر أشخاص ضعاف نفوس، ينسبون الاختراعات لأنفسهم؛ ما خلق جوًا من الإحباط للمبدعين الحقيقيين، ودفعهم للعزوف عن المثابرة”، ولذلك؛ يطمح إلى وجود مؤسسات مُتخصصة ترعى “الشباب المبدع، وتُتيح له مناخ الإبداع”.
يختم الشامي حديثه لـ (جيرون) بنصيحة يُقدمها للشباب: “عليكم العمل ضمن إمكانيات الواقع، والابتعاد عن المشروعات التي يصعب تنفيذها، أو التي لا يمكن إنجازها. من المُهم التدرج بالمراحل؛ للوصول إلى الهدف الأكبر”.
أخذ الجانب المضيء للثورة يشق طريقه في أكثر من مكان ومجال، وعبّرت عنه إرادة السوريين بأعمارهم واتجاهاتهم كافة، وبيّنت كذلك إرادتهم الصلبة والطموحة.