لم يكن قرار مجلس الأمن الأخير الذي دعا بالإجماع إلى وصول مراقبين دوليين من الأمم المتحدة، إلى مناطق إجلاء المدنيين من الأحياء الشرقية لمدينة حلب، مُفاجئًا لمن يراقب سير الأحداث.
فقد جرى تبني القرار الذي أعدّته فرنسا، ويتضمن “مطالبة جميع الأطراف بإتاحة وصول آمن وفوري ودون عوائق لهؤلاء المراقبين”، والعمل على نشر عدد إضافي من الموظفين؛ لهذا الهدف.
طالب القرار -أيضًا- الأمين العام للأمم المتحدة، بتقديم تقرير عن تنفيذ هذا القرار خلال 5 أيام، وعلى الرغم من تهديد روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو)، قبل تعديل مشروع القرار بناء على اقتراحات روسية، إلا أن التعديل أدى إلى توافق الجميع عليه، ووصفه المندوب الروسي، فيتالي تشوركين، بأنه “نص جيد”، فيما كانت الولايات المتحدة قد هدّدت بدعوة “الجمعية العامة للأمم المتحدة” إلى اجتماع طارئ، في حال فشل القرار باستخدام روسيا لـ(الفيتو).
من جهتهم رحب وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماع طارئ عقدوه في الكويت (الإثنين)، بقرار نشر المراقبين الدوليين، ودعوا إلى العمل “من أجل إيجاد حل سياسي في سورية”، عادّين “الانتصارات العسكرية التي تحيل الأوطان إلى أشلاء، هي بمنزلة هزائم، تزيد من استمرار المعاناة والمأساة التي أصابت الشعب السوري”.
من جهتها، عبّرت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية، سمانثا باور، عن أملها في أن وجود المراقبين سيمنع “ارتكاب جرائم ضد المدنيين في أثناء مغادرتهم، أو ضد من يختارون البقاء”، موضحة أن “الحكومة السورية” لا تريد مزيدًا من المراقبين، بحيث “إذا كُنت تقوم بأمورٍ خبيثة، فإنك لا تريد أن يوجد حولك مراقبون ليشاهدوك وأنت تقوم بها”، وذكرت أنه لدى الأمم المتحدة 113 مراقبًا، مُستعدين للبدء بالمهمة، إلى جانب “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
وفشل مجلس الأمن لسنوات، من اختراق الوضع السوري، بقرار يمكن البناء عليه إنسانيًا، وذلك بسبب الفيتو الروسي الذي جرى استخدامه 6 مرات، في الوقت الذي مارست فيه واشنطن والاتحاد الأوروبي الضغوط، على روسيا خلال الأشهر الماضية، ردًا على ما عدّوه إهانات روسية لهم، من خلال استفرادها بفرض حل وحيد في سورية.
كان واضحًا مدى الاستهتار الروسي بمجلس الأمن، طوال المراحل السابقة، وبالمقابل كان واضحًا حجم الجرائم التي ترتكبها الطائرات الروسية، التي وصفها مسؤولون دوليون بأنها “ترقى لجرائم حرب، وتشكل عارًا على الإنسانية”.
يُمكن عدّ القرار الأخير، استكمالًا لانهزام القيم الإنسانية، واستكمالًا لذلك العار الذي عبّر عنه مسؤولون غربيون، وهو ليس انتصارًا بأي حال من الأحوال، وتسويقه بعدّه لصالح الشعب السوري، عبر مراقبة عدم وقوع جرائم بحق النازحين، -كي ينزحوا عن بيوتهم آمنين- تحت أعين المنظمات الدولية، هو مساهمة فاعلة من الأمم المتحدة بتشريع النزوح، وجعله تحت رعاية قانون دولي، وروسيا تُدرك أن بقية الدول الأعضاء الفاعلين في مجلس الأمن يعرفون الزاوية التي حُشروا بها.
يُعبّر القرار، عن عجز بتطبيق مبادئ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، بينما كان من الأجدر أن تتفاخر تلك الدول، بحماية الناس وهي آمنة في بيوتها، لا وهي تنهشها الذئاب البشرية.
القرار ليس نصرًا للإنسانية، ولا للقانون الدولي، ولا للأمم المُتحدة، ولا للدول العظمى، ولا لهؤلاء المدنيين، فقد جرى اتخاذ هذا القرار المتأخر، المبني على أنقاض مدينة عظيمة كحلب، وعلى لحم الناس الذي تناثر في كل مكان.
لم يعد القرار مُهمًا لروسيا، حتى لو دخلت كل دول العالم للرقابة على غبار الجرائم التي ارتُكبت.
اسقطت روسيا بجرائمها في سورية نفاق الدول الكبرى، وحشرت القوى الدولية في الزاوية لتقول لهم بأنها صاحبة اليد العليا، أما هم، فيستطيعون العمل كمنظمات مجتمع مدني، وليس كدول كبرى صاحبة نفوذ، وهذا بحد ذاته هزيمة، سيجري تسجيلها بحق المجموعة الأوروبية وأميركا وحلف الأطلسي عمومًا.
لا يمكن القول بهزيمة المدنيين السوريين، أمام غطرسة الروس، وانتقام الآلة الطائفية وهم عزّل ومحاصرون، تحت رحمة آلاف الغارات الجوية، بل إننا أمام مفارقة تاريخية، تستدعي من الغرب إعادة تقييم ما وصلت إليه سياساته الاستعراضية، التي قادتهم إلى ما يمكن تشبيهه، بالباحثين عن بقايا فُتات نصر يتباهون فيه، بين حاويات القمامة التي تركها لهم أولئك القتلة.
ربما تعتقد بعض الدول أنها تتعامل مع شعب جاهل، لا يعرف التمييز بين قرار دولي يمتلك هيبة شكله وإصداره ومضمونه، وبين قرار يقطر من بين أسطره بؤس وانهزام من استصدره، ويمكن بيعه -لاحقًا- مع الخردة التي ستجري سرقتها، من بيوت الناس المهجّرة برقابة أممية.