تأتي قصص الرُعب من حلب تباعًا، فخلال عمليات تهجير سكان الأحياء الشرقية منها، تعرضت كثيرات من النساء لذلّ الانتهاكات والفجائع. أم تحمل رضيعها، تستعد للصعود إلى حافلة “الإجلاء”، لكن الميليشيات الإيرانية تنقلب على الاتفاقية، وتُطلق النار عشوائيًا، في الأثناء يدبّ الذعر في الأم. تهرب، ودون أن تدري أو تشعر، يسقط رضيعها من حضنها. بعد قليل هدأت المقتلة ضد المدنيين. عادت. ضاع الرضيع. هي قصة حقيقية ومن وجع حقيقي، لم تزل الأم فريسة هلوساته. كثيرةٌ هي القصص التي لا تحمل أسماءً، بل الوجع وحسب.
حول الأعباء والضغوطات النفسية التي كابدتها النساء الحلبيات المُهجرّات، قالت الاختصاصية الاجتماعية، كبرياء الساعور لـ (جيرون): إن “أوجاع النساء تفوق كل الوصف، لأنهن أمهّات، ولا أحد يُدرك شعور الأم عندما تشعر بعجزها عن تقديم الطعام لأولادها، أو تحميهم من صقيع البرد، نساء حلب مرَرْن بأزمة لا مثيل لها، وهُنّ يتحملن ضغوطًا مُضاعفة؛ لأنهن أصبحن عماد الأسرة بعد غياب المُعيل. أرهقهن الحصار، وحرمهن من كل متطلبات الحياة الرئيسة، ومن حاجاتهن كنسوة”.
دفعت المرأة السورية “أثمانًا كثيرة، ولعل أكبرها هو الشعور بالذنب وتأنيب الضمير، لأنها لم تستطع حماية أولادها، وهو شعور يؤدي إلى كثير من الأمراض والمشكلات النفسية مستقبلًا”.
تروي الساعور، قصصًا مماثلة، نقلًا عن زميلة لها، لديها أقارب في حلب أن “سيدة أرملة خرجت من أحياء حلب الشرقية مع بناتها التسع في الدفعة الأولى من المُهجرين باتجاه ريف المدينة الغربي، وبعد الانطلاق بقليل أوقفهم حاجز لقوات النظام واعتقلها وبناتها بسبب وجود صورة لزوجها الشهيد على هاتفها النقّال. ولا يعرف أحدٌ عنهن شيئًا”.
كشفت الأمم المتحدة عن حالات اغتصاب وتحرش واعتقال طالت نساء حلب، بينما نقلت بعض المواقع الإخبارية المحليّة أن سيدات أقدمن على الانتحار خشية الاغتصاب من ميليشيات النظام وإيران، وثمة سيدة أجهضت وماتت نزفًا بعد أن قتلت الميليشيات زوجها أمامها. نساءٌ وأطفال باتوا في الحافلة، ليلة كاملة انخفضت فيها درجات الحرارة ليلًا إلى خمس درجات تحت الصفر.
ترى الاختصاصية الاجتماعية أنه “بعد مرور فترة طويلة من الحرب تنشأ حالة من التأقلم والتكيّف، ولكن ليس بالضرورة أن يكون التكيّف إيجابيًا، فقد يُؤدي إلى خلق عدد من الأمراض النفسية في المستقبل، منها الاكتئاب الذي يترافق مع التوتر والقلق والغضب، وميل إلى الانتحار، وشعور النساء بأنهن العماد يجعلهن يبذلن كثيرًا من الجهد والطاقة؛ وهو ما قد يتحوّل -لاحقًا- إلى أمراض نفسية، أو ينقلب إلى لامبالاة وعدم قدرة على الاهتمام بالذات والأولاد، بوصفه ردّ فعل على المصاعب والآلام التي عايشنها، ومن المُرجّح إصابة شريحة من السيدات باضطرابات نفسية تُسمّى أعراض ما بعض الصدمة، يتخلّل هذا النوع من الاضطراب، الكوابيس والإحباطات التي تتطلّب رعاية خاصة ودعمًا نفسيًا مُركّزًا”.
لكن في بعض الأحيان تتحول الطاقة السلبية إلى إيجابية، و “تتجلّى في الإصرار على حماية العائلة وعدم الاستسلام للأوضاع، وهو ما يقود إلى الإبداع والخلق، وأكبر مثال على ذلك أم بانا التي استطاعت، هي وابنتها، نقل وبثّ يوميات الحصار من حلب عبر تغريدات على توتير”.
يُمكن توفير بعض الحلول المُخفّفة من المعاناة للنسوة المنكوبات عبر “تأمين الإسعافات الأولية النفسية الخاصة بالخارجين من الحروب والصدمات، وهذه مهمّة المُنظمات الدولية والإغاثية، وتلبية الحاجات الرئيسة من غذاء وتدفئة للأمهات وأولادهن، والتركيز على النساء اللواتي أنجبن أطفالًا في ظل الصراع والحصار؛ لأنهن معرضات للانتكاس أكثر من غيرهن”. بحسب الساعور.