دفعت مدينة طرطوس ثمنًا غاليًا من دم أبنائها طوال سني الثورة الست، لأجل بقاء هذا النظام، وقيل كثيرٌ عن توشح المدينة وريفها بالسواد، وتحولّت إلى بيت عزاء كبير، لكثرة ما فقدت من أبنائها في المحرقة التي أوقدها بشار الأسد للسوريين.
طرطوس التي امتلأت الجدران المحيطة بساحاتها وشوارعها، بصورٍ لشبان قُتلوا وهم في ريعان العمر، اختلطت بصور لضباط وعناصر أمن فقدهم أهلوهم بذرائع خادعة تعمد ترويجها النظام؛ لسرقة أحلام تلك البيوت المُشرفة على البحر، أو المتكئة على آلامها خلف أشجار الغابات الحزينة على وطن أُرسلت له النيران عوضًا عن الندى والسلام.
تتناقل المواقع الإلكترونية في المدينة أخبار الفساد، وقد تداولت مواقع وصفحات تابعة للنظام قبل أيام، خبر العثور على أدوية فاسدة في مستشفى “الباسل”، وقالت صفحة “صوت وصورة من طرطوس”: إن “الجهات المُختصة (المخابرات) تمكّنت، وبالمتابعة والتدقيق، من مصادرة كميات كبيرة من الأدوية المنتهية الصلاحية والفاسدة، كانت لدى مستودعات مشفى (الباسل) في طرطوس”، وأضافت: “تم توقيف بعض العاملين في المخبر والمستودع، لاستكمال التحقيقات وحصر الكمّيات، ولازالت اللجان المختصة بالتنسيق مع الصحة تتابع الموضوع”.
يعدّ الفساد ركنًا من أركان النظام، وهو أحد أهم أسباب قيام الثورة، ومن يُتابع بعض التعليقات على وسائل التواصل التي رافقت هذا الخبر، يُدرك أن أهالي طرطوس يعرفون تمامًا حجم ذلك الفساد كما بقية السوريين.
يكتب أحد المتابعين تعليقًا أسفل الخبر يقول فيه: “بكل بساطة، سيبقى المشفى هكذا، ليضطر الفقراء والمعدومين، كي يذهبوا للمشافي الخاصة”، ويُضيف ساخرًا من المستشفيات الخاصة وخدمتها بالقول “حيث فيها الرحمة والإنسانية والعطف”.
وفي تعليق آخر على الخبر، يكتب أحد المتابعين عن مستشفى (الباسل) على أنه “كل يوم يوجد فيه قصة، والداخل إليه مفقودٌ، والخارج منه مولود”.
بينما يُعلّق أحدهم على صفحة “صوت وصورة من طرطوس” بالقول: “الكل يعتقد أن الساحل ينعم بالخيرات، وهو الأفضل بين المحافظات، ولكن نحن أكتر (شعب) غير محسوب على قوائم الحكومة، إلا بالسَوْق لخدمة الوطن، وأعداد الشهداء التي غصّت بها الشوارع والطرقات”، ويستدرك بالقول: “مؤكد أن واجبنا الدفاع عن وطننا”، لكن “من واجب الوطن أن يُردّ لنا شيئًا”.
تنوّعت التعليقات حول هذا الفساد في مستودع أدوية المستشفى، وجميعها تختصر غصّات أبناء المدينة، وعلّق أحدهم بالقول: “أية دوائر بالمدينة لا يوجد فيها فساد ومحسوبيات، أعان الله من ليس له واسطة بطرطوس”.
بقيت مدينة طرطوس لعقود، شأنها شأن كثير من المحافظات السورية، خارج إطار التنمية، وبقيت عاجزة عن توليد فرص عمل لأبنائها، وكان الشباب الطرطوسي يضطر لشغل الوظائف في المحافظات الأخرى؛ لفقر المدينة بفرص العمل.
على الرغم من ذلك استطاع هذا النظام أن يخدع تلك المدينة الجميلة بدعاياته المتكررة، على أن ما يحصل في سورية ليس ثورة ضد فساد نظامه المتعفن، بل حرب طائفية!