تحقيقات وتقارير سياسية

هل تُعيد حلب الدور المحوري للسياسة

بعد النتائج التي أفضت إليها معركة حلب، بدأت في أوساط المعارضين السوريين، حركة تهدف إلى إعادة توحيد صفوف المعارضة المشرذمة، والبحث عن آلية أو صيغة جديدة لتجميعها، حتى ولو أدى ذلك إلى تشكيل أجسام سياسية جديدة، طموحها أن تكون، ولو بعد حين، بديلًا عن “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، الذي خيَب آمال كثيرين بأدائه، والذي لم يرق يومًا إلى مستوى الطموح أو التضحيات التي قدمها السوريون.

على الجانب العسكري، لم تكن الأمور أحسن حالًا، وبدأت الأصوات تعلو مُطالبة بإعادة هيكلة الفصائل المقاتلة، وإعادة تجميعها تحت مظلة واحدة، وقيادة واحدة، والأهم مجلس شورى واحدًا! ويُخشى ألا يمر سوى وقت قصير لتخفت الأصوات من جديد، بسبب حجم التناقضات، واختلاف الرؤى، والمصالح، وجهات التبعية، فضلًا عن حجم الأنا الذي تضخم عند بعضهم إلى الحد الذي أصبح يضغط على العقل بطريقة تمنعه من التفكير.

لماذا بعد حلب، وليس قبلها؟

إن ما يدعو للأسف والحزن -حقًا- هو الاستمرار في سياسة ردود الفعل، سواء سياسيًا أم عسكريًا. لذلك؛ تبدو الأسئلة التالية مشروعة:

لماذا لم تتداعى هذه القوى قبل بدء معركة حلب مثلًا؟

هل نحن بحاجة إلى مزيد من الفواجع؛ لنصحو ونفكر بما يجب علينا فعله؟

ألم تكن سياسة النظام الإعلامية واضحة بما يكفي بأنه سيستغل إعلاميًا انتصاره بمنتهى الاحترافية المعهودة، على طريقته طبعًا؟

هل اعتقد العسكر، ولو لوهلة، أن بإمكانهم الصمود في غياب أدنى المقومات، وفي ظل خلل كبير وفاقع في ميزان القوى، في وجه ترسانات عسكرية روسية وإيرانية وسورية، مدعومة على الأرض من عشرات المجموعات المرتزقة والطائفية التي استُقدمت لهذا الغرض؟

الأسئلة كثيرة والإجابات واضحة للعيان، وكذلك الحقيقة التي لابد لنا من الاعتراف بها، إننا أمام معارضة لم ترتق يومًا بأدائها إلى المستوى المطلوب، معارضة مازالت تُكرر الأخطاء نفسها دون أن تتعلم من أخطاء الماضي، والمفجع أنها تتفاجأ بالنتائج التي لم تكن يومًا عصية عن الفهم أو التوقع.

من جانب آخر، وأقصد العسكري، ودون التقليل من حجم البطولات والتضحيات التي قدمها المقاتلون، وما زالوا، تبدو الصورة أكثر قتامة، فالفصائل المقاتلة أجادت التوالد وزيادة العبء على السوريين، وأصرّت في سياساتها على الابتعاد عن الأهداف الأساسية للثورة والسوريين. وكل ما مرّ من محاولات اندماج وتوحّد ذهب أدراج الريح عند أول امتحان، مهما كان بسيطًا، لأسباب كثيرة، على رأسها انعدام البوصلة السياسية، واختلاف الولاءات، وعدم استقلالية القرار.

من المظاهر المؤسفة، التي مازلنا نعيشها حتى اللحظة، هي حالة الإنكار التي يعيشها كثيرون ممن تصدروا المشهد، سواء إعلاميًا أم عسكريًا. وكم تمنّى السوريون أن تخرج عليهم يومًا إحدى هذه الوجوه التي كانت -ومازالت- منذ بدء الثورة تُغرِقهم بتحليلاتها على معظم القنوات الفضائية معتذرًا. ألا يستحق هذا الشعب، بعد كل هذه المعاناة، أن يتقدم أحد وجوه المعارضة البارزين برسالة اعتذار لشعبه، يُعرب فيها عن أسفه، مُعلنًا انسحابه من عضوية هذا التشكيل أو ذاك، موضحًا الأسباب التي دفعته إلى مثل هذا القرار؟

هل كان السوريون بحاجة إلى معركة حلب الدامية لإعادة الحالة الثورية إلى وجهتها الأولى، ولتصويب بوصلتها وإعادة الدور المحوري للسياسة والسياسيين أمام تراجع الحالة العسكرية، التي ،على الرغم من أنها فُرضت على السوريين فرضًا، لم تؤدّي إلا إلى مزيد من الدمار والتهجير؟

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق