قبل أن يودعنا هذا العام بيومين، جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار في سورية، الراعي روسي وتركي، والذين عليهم أن يُنفّذوه عديدون، والمراقبون كُثر، ويأمل ملايين السوريين أن يصمد، لا أن يكون حُلّبيًا كالعشرات من الاتفاقات التي سبقته.
الضامن لهذا الاتفاق روسي وتركي أيضًا، كلٌ سيفرض على الأطراف التي يدعمها احترامه، والامتناع عن خرقه، لكن المخاوف ستبقى قائمة، ومشروعة، حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود، خاصة بوجود أطراف مارقة في سورية، ولا نعني -هنا- تنظيم الدولة الإسلامية وحسب.
من المُرجّح أن تلتزم المعارضة السورية المُسلّحة بالاتفاق، بغض النظر عن أيديولوجيتها؛ لأن وقف إطلاق النار من مصلحتها في مواجهة ضُعفها وتفرّقها، ومن مصلحة الثورة التي “يُفترض” أن المعارضة تُقاتل من أجلها، هذا إذا لم نتطرق إلى التركي الذي يمكنه أن يحشرها في زاوية مُزعجة، إن لم تستجب لمتطلبات الاتفاق.
أما النظام، وعلى الرغم من أنه لم يحترم أي اتفاقية خلال السنوات الست الأخيرة، سياسية أو عسكرية أو إنسانية، وخرّب كل المبادرات، وتهرّب منها و”أغرقها بالتفاصيل”، وشوّهها والتفّ عليها، وكذب ووارب، إلا أنه -في الغالب- لن يستطيع خرق الاتفاق علنًا هذه المرة، ذلك؛ لأن الروس أمسكوا لجامه، وسيكون السوط جاهزًا لردعه، هذا إن افترضنا أن الروس جادّون في ما أعلنوه.
إن إيران وأذرعها هي التي ستسعى بجميع الوسائل لتخريب الاتفاق، سرًا وعلانية، فلا ماء وجه لديها لتحفظه، ولا يؤتمن جانبها؛ فتاريخها غير مُشرّف منذ ثورتها، تحالفت مع طالبان، واحتضنت القاعدة، واستضافت زعماءها في طهران، وجنّدت أحزاب الله “الإرهابية” في الشرق الأوسط، وامتطت الحوثيين، وتحالفت مع مافيات السلاح والمخدرات وغاسلي الأموال عبر العالم، ودمّرت عراق الرشيد، وحوّلت شباب الشيعة إلى ميليشيات ومرتزقة، وخرّبت لبنان، وشوّهت حاضره ومستقبله براياتها الصُّفر، وهي المستعدة لفعل أي شيء “بهيمي” لتستمر الحرب السورية.
واهم من يعتقد أن إيران براغماتية، أو أنها مرنةٌ ومطواعة، وقادرة على الميل مع الريح، وواهم من يعتقد أن زعماءها، الروحيين والسياسيين والعسكريين، استراتيجيون مَهرة، يعرفون متى يهمزون خيلهم ومتى يكبحونها، أو أنهم سيقبلون وقف الحرب السورية، أو العراقية، أو اليمنية؛ لأنها -في الحقيقة- السبب الوحيد لبقائهم، وبقاء نظام شمولي ديني قومي طائفي مذهبي باطني فاسد.
عينكم على إيران، وعينكم على المارقين من مرتزقتها في سورية، أحزاب الله وأحزاب “آل البيت” التي استباحت سورية وحرماتها، فوحدهم قادرون على تخريب كل اتفاق، ووحدهم المتمسكون بالنظام وزبانيته حتى الرمق الأخير، وسيحاولون التغطية على انتهاكاته، وافتعال الأحداث وتركيبها، واختراع الحجج وتأليفها، وهم القادرون على تزيين القبح في هذا الزمن الأسود.