سورية الآن

(شعبولا) يحارب الإرهاب بـ”الحشد الشعبي”

لم يتوقع كثير من العرب، في زحمة همومهم، أن الفن الذي تابعوه على مدى عقود، وأحبوا نجومه وتفاعلوا معهم، سيُخرِج من بين صفوفه بعض من يستسهل ازدراء هذا الجمهور، والشماتة بمصاب أمة، أصبحت بين أسنان كماشات، وليس كماشة واحدة.

يقول المغني المصري شعبان عبد الرحيم، في أغنيته الدعائية الأخيرة عن “الحشد الشعبي” العراقي: “أنا عندي كلام كبير، طالع من جوا قلبي، لو شفت إرهابي خطير، ح جبلوا الحشد الشعبي”. شعبان الذي يحاول التلاعب بمشاعر البسطاء بطريقة مُبتذلة في الطرح والاستعراض، وحتى الثياب التي يرتديها، كان قد غنى سابقًا على النغمة نفسها “أنا بكره إسرائيل”.

تعرض “الحشد الشعبي” الذي يُموّل ويُسلّح من إيران، لإدانات متلاحقة من منظمات حقوقية؛ لتعامله الطائفي مع بقية المكونات العراقية، وبالذات العربية السنية، وهو ما وثقته فيديوهات أظهرت تنكيل عناصر الحشد بالمواطنين العراقيين، وشتمهم بطريقة طائفية لم تعهدها المنطقة العربية، إلا بعد تغلغل إيران في بعض الدول العربية.

ممارسات “الحشد الشعبي” الإرهابية، يريدها عبد الرحيم أن تُحارب إرهاب التطرف الآخر، ولم يُدرك أن التطرف يتغذى من التطرف، وأن تنظيم (داعش) هو الوجه الآخر للحشد الشعبي، كلاهما ينمو على رقاب ولحم الفقراء الذين يدفعون الثمن وحدهم.

عدد ليس بقليل من فناني الدراما المصرية، الذين حصدوا شعبية لا بأس بها سابقًا، وقفوا في وجه أبناء بلدهم مصر، فحين قامت الثورة في كانون الأول/ يناير 2011، لإسقاط نظام حسني مبارك، انحازوا إلى مبارك وألاده والديكتاتورية، واستهتروا بمطالب الناس، والقائمة التي يمكن سردها طويلة جدًا، وقد تداولتها وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، وعبّر الفنانون بأنفسهم عن ذلك بالصوت والصورة، وأبرزهم عادل إمام ويسرا التي اتهمت المتظاهرين بالخونة، وسماح أنور التي طالبت بحرق كل الذين اجتمعوا بميدان التحرير، ومنهم من عد أن بشار الأسد يخوض حربًا كونية ضد الإرهاب، بل وجه بعضهم تهنئة له على المجازر التي ارتكبها، وعلى تشريده الناس من بيوتهم، كإلهام شاهين.

لا شك في أن كثير من الملح سيُنثر في عيون العرب المُترقبين شمس صباح دافئ، بعيدًا عن الليالي المظلمة والباردة التي استطاع بعض الفنانين والمثقفين الولوج من خلالها؛ لسرقة العواطف والتهريج على أوجاع الناس، فكثير من الأعمال الفنية التي مُرّرت في العقود الماضية، تناولت تلك العذابات للناس (الغلابة)، بل إن مصر كانت سباقة في ذلك، إن كان في المسرح والسينما والتلفزيون، أم في الغناء والموسيقا.

عندما عملت ميليشيا “حزب الله” اللبناني على تقييد الحركة الوطنية، في نهاية القرن الماضي، والتطاول على الفلسطينيين أصحاب القضية؛ لسرقتها من يدهم، وتقديمها لإيران في سياق مصالح غير وطنية، كان مجرد إشارتنا إلى تلك العنصرية، والقول بأنه لا يقابلها سوى العنصرية الصهيونية، وأنها سوف ترتد على المنطقة بأكملها، كان كثير من المثقفين والسياسيين والفنانين وغيرهم يستسهلون تخوين من يُطلق هذا الكلام، فأتى اليوم الذي وقف عناصر هذه الميليشيا على أطلال البيوت السورية، يتبادلون التهاني باغتيال أركانها، وعلى الرغم من أن المشهد أكثر من فاقع، لمن يريد أن يرى، بقي كثير من فناني السلطة ونجومها في سورية، يصفّقون لنجاحه بترحيل النظام أبناء بلدهم، والدوس على أحلامهم.

لم يكن عبد الرحيم الفنان المصري الوحيد الذي تغنى بـ”الحشد الشعبي”، فقد زار عدد من الفنانين المصريين العراق، بحماية الحشد؛ للتغني ببطولاته، كأحمد ماهر وأحمد بدير وحنان شوقي ومحمود الجندي وفاروق الفيشاوي الذي شكر “الحشد” على تكريمه في تلك الزيارة، بينما قال محمود الجندي لمحطة (العراقية): إنه “جاء مع الحشد ليقول إن العراق بأمان” في حين تحمّس أحمد ماهر على إحدى الشاشات بدعائه إلى الله أن يبارك “الحشد الشعبي الذي كشف هذا الواقع المر لتستفيق الأمة العربية”.

عندما حاولت شعوب هذه الأمة أن تستفيق لطمها -للأسف- كثير من فنانيها ومثقفيها وإعلامييها، على نخاعها الشوكي؛ ليعيدها إلى حالة الشلل التي ميّزت قرونًا من الترهل أوصلتنا إلى ما نحن عليه، ففي سورية، ومن تأليف الراحل محمد الماغوط، قال دريد لحام على المسرح يومًا ما: إنه يحتاج “شوية كرامة”، ولكن عندما هتف الشعب للكرامة واجهه لحام وزملاؤه، كما كل (الشبيحة) الذين واجهوا السوريين في الشارع، وكما “البلطجية” الذين واجهوا المصريين، مُستغلين سطوتهم المعنوية، بوصفهم نجومًا، ليهينوا كرامة شعوب بأكملها.

المثير في الموضوع أن كثير من دول المال العربي في الخليج التي تتركز فيها القنوات الفضائية وشبكات الإعلام، ما زالت تموّل هؤلاء الفنانين، بكل الكورس المرافق لهم، على الرغم من تسويقهم للمشروع الإيراني وأدواته، في الوقت الذي تعرقل فيه عبور الصوت الآخر الذي يحاول إرساء أسس النهضة الفكرية والفنية وغيرها، على طريق البناء وليس البهرجة والإثارة.

هذا يُعيد لذاكرتنا ما كانت توصم به الأمة في منتصف القرن الماضي، عند قيام “إسرائيل” بأنها لا تقرأ، فهل سيكرر التاريخ نفسه بعبوره على أجساد أمة حقيقة، لم تتعلم القراءة حتى الآن.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق