ترجمات

نيويورك تايمز: “أنجيلا ميركل.. هدف روسيا التالي”

أنجيلا ميركل وفلاديمير بوتين عام 2012، توماس بيتر/ رويترز

 

هامبورغ، ألمانيا. لم يكن مفاجئًا أن تتعامل روسيا بعدم مبالاة، واستهجان جماعي مع قضية طرد الرئيس أوباما لدبلوماسييها، الذي أُعلن عنه الخميس الماضي في 29 كانون الأول/ ديسمبر نتيجة جهد الكرملين في التلاعب في انتخابات عام 2016، ويبدو أنَّ موسكو مسرورةٌ في تمرير الوقت، وهي تعرف أنَّه في يوم 20 كانون الثاني/ يناير سيحلّ في البيت الأبيض بدلًا من السيد أوباما معجبٌ بها، وفي وزارة الخارجية صديقٌ قديم لها.

ولكن التحول حلوٌ ومر؛ ومن ثَمّ؛ فقد خسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعبعًا محببًا (أوباما). في المستقبل المنظور، يصعب على الولايات المتحدة أن تكون بمنزلة عدوّ مفضل لروسيا الدولة، ولذلك خمِّن: من سيكون أفضل بعبعٍ جديد؟ إنه أنجيلا ميركل.

المستشارة الألمانية هدف مثالي، حيث تُجري ألمانيا انتخاباتٍ عامة في الخريف المقبل، والسياسيون المتعاطفون مع موسكو في حالة صعود، ولربما قد تكون بالنسبة إليها فترة الولاية الرابعة، بوصفها زعيمًا أوروبيًّا وحيدًا، على استعداد للوقوف في وجه روسيا القوية من جديد.

منذ ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014، كانت السيّدة ميركل الصوت الأكثر بروزًا في معاقبة روسيا، وفي العام التالي، رحّبت بـ مليون لاجئٍ في ألمانيا، وحثت بقية أوروبا على أن تفعل الشيء نفسه -فكانت بالتالي، من وجهة نظر القوميين العرقيين الروس، تُضعف الثقافة الأوروبية- ولا تزال (ميركل) تؤمن باتحادٍ أوروبي متكامل وموحّد، يكون معقلَ القيم الليبرالية، وحصنًا سياسيًّا واقتصاديًّا ضدّ روسيا، ضمنيًّا على الأقلّ. ويبدو أنَّ روسيا تخطط للتصرّف مع السيدة ميركل وحلفائها في عام 2017، ما فعلته مع هيلاري كلينتون، والديمقراطيين الآخرين في الولايات المتحدة في 2016.

بعد كلَّ شيء، في العام الماضي القراصنة نفسهم -الذين اقتحموا أجهزة حواسيب الحزب الديمقراطي، المعروفة على شبكة الإنترنت كـ”الدب فانسي” أو “مجموعة سوفاسي” وهي مجموعات قرصنة إلكترونية روسية أُنشئت في بداية الألفية، مرتبطة مع المخابرات الروسية– هاجموا شبكة البرلمان الألماني، وهم متهمون بسرقة وثائق من أفراد البرلمان، فكلّ اكتشافٍ حول كيفية تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية يعطي ألمانيا دلالةً، ونذيرًا، على ما ستبدو عليه الحملة الانتخابية، الأكثر جلبًا للشرور بالفعل، والأصعب والأكثر إرهاقًا في التاريخ الألماني الحديث.

الدلالة، رغم ذلك، هي أيضًا ميزةٌ لألمانيا، ونحن نعرف كُنه القدرات والأساليب الفنية الروسية، والأهم من ذلك، لدينا إدراك متنامٍ عن خلفيتهم الأيديولوجية، وكيف ستوجه تلك الأيديولوجيا هجماتهم.

هنا، يمكننا استخلاص دروس قيّمة من الحرب الباردة، فما تفعله روسيا اليوم هو إلى حدٍ كبير النسخة الالكترونية لما نطلق عليه نحن الألمان، قبل عام 1989، Zersetzung (التحلل) وهو مصطلحٌ من الصعب ترجمته، لكنَّ أفضل وصفٍ له هو أنّه المعادل السياسي لما يحدث عندما تصب الحمض على المواد العضوية: التحلل والتفكك.

طرائقُ التحلل هي أن تلقي ظلالًا من الشك على القواعد الأساسية للنظام الليبرالي الغربي وعلى مؤسساته لتشويهه، ويلي ذلك التشكيك في أهداف الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، واقتصاد السوق الحر، حتى تقوّض صدقية الصحافة الحرة، والانتخابات الحرة، وتتضمن وسائل التحلّل قتل الشخصية، من خلال نشر الأكاذيب والأخبار الوهمية، وخلقِ منطقة رمادية من الشك في أيّ حقائقَ تكافِح من أجل أن تبقى.

لقد رأينا كل هذا من قبل، مستخدمًا من جانب مخابرات أمن الدولة KGB، ومخابرات ألمانيا الشرقية (ستاسي): الحرب النفسية، وإثارة الشائعات، وخططٍ لرشوة السياسيين، ثم عرضهم كمجرمين. إنهم يستخدمونها على حدٍ سواء؛ داخليًا، ضد المنشقين، وخارجيًا، ضد الأعداء الغربيين. ينبغي للسيد بوتين وزملائه السابقين من KGB أن يعرفوا هذه المرة، أنَّ لدينا فكرةً أفضل عن تلك الحيل القذرة، وكيف حدَّثوا التحلل لصالح الإنترنت.

لدى الحكومة دورٌ عليها أن تقوم به، وحتى الصحفيين وجماعات المجتمع المدني، فنحن الصحفيين سنمارس الضغوط على الشركات مثل الفيسبوك وتويتر لأن تكون يقظةً ضد الأخبار الوهمية، وسنفضح أنماط الدعايات الروسية الفنيّة أينما نراها.

ولكن من المهم بالقدر نفسه أن نكون واضحين بشأن الأيدلوجيات التي توجه الهجمات. في أيلول/ سبتمبر، جريدتي، دي تسايت، اشتركت مع إذاعة ZDF للكشف عن تفاصيل حملة تضليلٍ متطورة في موسكو، كنا قد تمكّنا من الوصول إلى ما يقرب من 10،000 رسالةٍ إلكترونية، كشفت كيف أنَّ العقائديين المقربين من إدارة بوتين، كانوا يقدمون نصائح إلى حكومة المتمرّدين الموالين لروسيا في شرقي أوكرانيا.

ومن بين الرسائل الإلكترونية هناك وثيقةٌ تحدد “المبادئ التوجيهية الموضوعية” التي كان على وسائل الإعلام المتحالفة مع المتمردين أن تتبعها عند الضرورة من خلال تشويه الحقائق وتزييف الأخبار. “لم تعد روسيا اليوم روسيا التسعينيات، فهي تعمل من غير ترددٍ على إعادة تأسيس قوة الاتحاد السوفياتي، روسيا اليوم هي على قدم المساواة مع الغرب، فهي منهمكة حاليًّا في حربٍ دبلوماسية عالمية، ولكن الغرب يعاني أيضا في هذه الحرب، ويبقى غير واضحٍ من سيفوز فيها”.

لا شكّ في أنَّ أوامر مماثلة قد أُعطيت إلى جيوش من المتسللين (الهاكرز) الذين تم إرسالهم لمهاجمة الديمقراطيين، والذين يخططون الآن لهجماتٍ على ألمانيا. إنه واضحٌ تمامًا من سيخسر. ينبغي للسيد بوتين ومزيفيه المتهورين أن يكونوا على بيّنةٍ من أنَّ الشيء الوحيد الذي سيحصدونه من هذا الكذب هو جيلٌ ضائع آخر من الروس الذين يمكن أن يخدموا بلدهم بطريقة أفضل، من خلال إعطائهم الفرصة لمواجهة تحديّاتٍ فكرية صادقة وبنّاءة، فحكومةٌ تسيء إلى العالم الخارجي، لجعل روسيا تشعر بأنها عظمى مرة أخرى، محكومٌ عليها بالفشل، كما فشلت من قبل.

 

اسم المقالة الأصليAngela Merkel, Russia’s Next Target

 

الكاتب*جوشن بيتنير، Jochen Bittner
مكان وتاريخ النشرنيويورك تايمز، The New York Times، 01/01/2017
رابط المقالةhttp://www.nytimes.com/2017/01/01/opinion/angela-merkel-russias-next-target.html
ترجمةأحمد عيشة
  • جوشن بيتنير: المحرر السياسي في جريدة دي تسايت الألمانية ، وكاتب رأي.
الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق