كان من الصعب الترحيب بالإعلان في الأسبوع الماضي عن وقفٍ جديدٍ لإطلاق النار في سورية من دون قلق، خلال ست سنواتٍ من القتال، حيث قُتل أكثر من 400،000 شخص، ودُمِّرت مدن بكاملها. هذا هو الصراع الذي ما كان ليحدث أبدًا، أو أن يستمر فترة طويلة، لولا الوحشية الكلبية للرئيس بشار الأسد وحلفائه الأساسيين، روسيا وإيران.
دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يوم الجمعة في 30 كانون الأول/ ديسمبر، بينما يتم الإبلاغ عن الانتهاكات، على العالم أن يأمل في أن يدوم هذا الوقوف أكثر من المرّتين السابقتين لوقف إطلاق النار في عام 2016، ويثبت أنَّه نقطةَ تحول. قد يعتقد المرء أن الأسد يتساءل ما يمكن أن يكسبه من خلال الاستمرار في القتال، من طرد الجماعات المتمردة من حلب الشهر الماضي، وتعزيز موقفه، حيث تمارس الدول الضامنة للهدنة -روسيا وإيران وتركيا- أيضًا قوةً كبيرة في ساحة المعركة.
لمدة سنتين، انخرط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يدعم نظام الأسد الوحشي، مع الولايات المتحدة في جهد لترتيب وقف إطلاق النار السابق، والتفاوض لإنهاء الحرب الأهلية. الآن، وخلال فترةٍ انتقالية للسلطة في واشنطن محفوفة بالمخاطر، فقد همّش السيد بوتين تهميشًا فاعلًا الولايات المتحدة، وتوصّلَ باحتيالٍ إلى موقعٍ بوصفه اللاعب الدولي المسيطر في سورية.
انتقلت روسيا إلى هذا الدور تدريجيًا لأنَّ السيد أوباما سحب الولايات المتحدة مرة أخرى من العمل العسكري المباشر في الحرب الأهلية، على الرغم من أنَّه قدَّم دعمًا متواضعًا لبعض الجماعات المتمردة، فقد كان مصمّمًا على البقاء بعيدًا عن صراعٍ آخر في الشرق الأوسط لا يريده الشعب الأميركي ولا الكونغرس أيضًا، حيث يعتقد عدد من الخبراء والقادة الدوليين أنَّ القرار كلَّف أميركا هيبتها ونفوذها.
في الوقت الحالي، يبدو السيد بوتين مثل مُخططٍ رئيسٍ، لإعادة تأكيد النفوذ الروسي في سورية، خادمًا للاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، ومؤخرًا لإيران. لا ينبغي لأحٍد أن ينسى أنه لم يحقق ذلك عن طريق إخفاقه في كبح الأسد قبل بدء الحرب وبعد ذلك، من خلال التعاون مع القوات السورية في غاراتٍ جوية مدمّرة على المدنيين والمستشفيات،
يشق رجال سوريون طريقهم عبر الأنقاض بعد غارة جوية في حلب في أيلول/ سبتمبر. أمير الحلبي/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور غيتي
والتي يمكن أن تكون جرائمَ حربٍ، ويبقى أن نرى ما إذا كان يمكن للسيد بوتين يأن يضمن أنَّ الحرب انتهت بالفعل، وأنَّه يمكن أن يسحب جيشه، ثم هناك مسألة ما إذا كان على استعدادٍ وقادرٍ على تحمل مسؤولية مستقبل سورية، بما في ذلك إعادة بناء المدن التي ساعدت روسيا في تدميرها.
توصل المسؤولون الروس والإيرانيون والأتراك إلى وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي بعد أن اتفقوا في موسكو على وقف القتال والتوسط في اتفاق سلام. تم استبعاد الأميركيين، وحين أصرّت وزارة الخارجية على أن هذا الشيء ليس ازدراءً، بدا من الواضح أنَّه كذلك؛ فقد وضّح السيد بوتين تفضيله للرئيس المنتخب دونالد ترامب، وأعرب السيد ترامب بوضوحٍ عن مشاعر متبادلة.
كان اجتماع موسكو جديرًا، وفيما يتعلق، بالتعاون المتزايد بين روسيا وتركيا، على الرغم من الاغتيال الأخير للسفير الروسي في أنقرة. على عكس السيد بوتين، التزم الرئيس رجب طيب إردوغان مطالبته بإطاحة الأسد، لكن دعم تركيا للمتمردين قد يضعف في مقابل أن تطلق روسيا يد تركيا في أن تلاحق القوات الكردية في سورية، لأن السيد إردوغان يعدّهم حلفاء الانفصاليين الأكراد في تركيا.
من الناحية النظرية، إذا انتهت الحرب الأهلية، يمكن أن يبدأ السوريون في إعادة بناء حياتهم، أما غيرها من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، فيمكن أن تركز أخيرًا اهتمامها الكامل على محاربة الدولة الإسلامية. ولكن هذا يمكن أن يكون خطأً، حيث أن القضايا التي عرقلت خطة السلام السابقة لا تزال من دون حل، والقضية الكبرى هي ما إذا كانت روسيا ستصرّ على بقاء الأسد في السلطة في بلدٍ يتحكم فيه بنحو ثلث أراضيه فقط، وفي وسطٍ من الكراهية، تكنّها له أغلبية السكان السُّنّة، لأنه قتل الكثير من أقاربهم، حيث تدرك روسيا الآن عمق تلك المشكلة.
اسم المقال الأصلي | Can Russia Make Peace as Well as War? |
الكاتب | THE EDITORIAL BOARD، هيئة التحرير |
مكان النشر وتاريخه | نيويورك تايمز، The New York Times، 31/12/2016 |
رابط المقالة | http://www.nytimes.com/2016/12/31/opinion/can-russia-make-peace-as-well-as-war.html |
ترجمة | أحمد عيشة |