سورية الآن

بين طرطوس والخليوي وحقول الفوسفات

لم يصل النزاع السوري الى خواتيمه بعد. ومع ذلك، بدأت ترتسم ملامح سورية لمرحلة ما بعد الحرب، أقله لناحية المكاسب التي ستحققها الأطراف التي دعمت النظام ومنعت سقوطه. فبين قاعدة طرطوس، وشبكة الخليوي وحقول الفوسفات وغيرها، بدأت طهران وموسكو، الحليفان الرئيسيان للنظام، تحجزان حصتيهما في سورية الجديدة، بعدما وضعتا بصمتيهما بقوة، ولا تزالان، على الحرب السورية، المستمرة منذ ست سنوات.

لطالما شكلت قاعدة طرطوس البحرية التي بنيت عام 19777 مركز ثقل للوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط. فانطلاقًا من مصالحها الجيوسياسية، تنظر موسكو إلى ميناء طرطوس باعتباره بوابتها البحرية إلى المنطقة، علمًا أنها المنشأة البحرية الوحيدة لها في المتوسط. ولكن حتى وقت قريب كانت القاعدة مجرد منصة عائمة لتصليح السفن ورسوها، قبل أن توقع موسكو ودمشق الأسبوع الماضي اتفاقًا لتحويلها منشأة بحرية متكاملة مؤهلة لاستقبال كافة أنواع السفن الروسية أيًا كان حجمها، ماعدا السفن الحاملة للطائرات، مع حقوق بنشر 11 سفينة حربية فيها في السنوات المقبلة.

وتبلغ مدة الاتفاق الموقع في 18 كانون الثاني 49 سنة تمدد 255 تلقائيًا سنة إضافية، إلا إذا أبلغ أحد الفريقين مسبقًا قبل سنة برغبته في تغييرات محتملة. وهو يتيح لموسكو حماية أسطولها الذي يتمركز فيها، من البحر والجو، فيما تتولى سورية الدفاع عن المركز من البر.

ومن البديهي أن يشمل ضمان أمن القاعدة، نشر وسائل للدفاع الجوي والصاروخي قرب المركز، سيشمل أيضًا نشر أنظمة صاروخية ساحلية من طراز “بال” أو “باستيون”.

وبحسب صحيفة “غازيتا” الروسية، بدأت ورشة بناء بنى تحتية عسكرية كبيرة، تشمل رصيفًا وثكنات ومقرًا ومخازن للذخيرة وغيرها. ويقول الكولونيل المتقاعد ميخائيل خودورينوك إن طرطوس ستتحول قاعدة بحرية رئيسية بقيادة نائب أميرال، موضحًا أن الأعمال ستستغرق سنتين إلى ثلاث سنوات، وعدد الجنود الذين سيتمركزون هناك سيعتمد على عدد السفن المنتشرة في طرطوس، مستبعدًا أن ترسو 11 سفينة في الوقت نفسه هناك، ومرجحًا بدل ذلك أن ترسو فيها خمس سفن دوريًا ، على أن تقصد سفن أخرى القاعدة بين وقت وآخر.

وبحسب فاديم كوزيلين، البروفسور في أكاديمية العلوم العسكرية :”لا تهديد خطيرًا لروسيا يتطلب نشرها مجموعة بحرية واسعة في المتوسط حاليًا… وروسيا لا تملك هذا الحجم الواسع من المعدات البحرية حاليًا”.

في السياسة، كان متوقعًا أن تحصل موسكو على حقوق كهذه في سورية، كمكافأة خصوصًا على دورها في مساندة النظام السوري وحمايته من الانهيار، وخصوصًا بعد تدخلها المباشر، على ما اعترف وزير الخارجية سيرغي لافروف صراحة الأسبوع الماضي، إضافة الى دورها في مواجهة “داعش” ومنظمات متطرفة أخرى.

وفي الأساس، تكتسب هذه القاعدة أهمية كبيرة لروسيا كونها إحدى ركائز نفوذها في الشرق الأوسط. ويقول جيفورغ ميرزيان، البروفسور المساعد الجامعة المالية التابعة للحكومة الفيديرالية الروسية: “لا أحد يعرف كيف تتطور الأمور في الشرق الأوسط والعالم وروسيا في المستقبل… روسيا تحتاج إلى وجود ليس فقط في البحر الاسود الذي يستطيع حلف شمال الأطلسي تطويقه في أي وقت، وإنما أيضًا في المتوسط”.

وإلى الأهمية العسكرية والأمنية للقاعدة الروسية في سورية، يتحدث الخبراء عن دلالات سياسية لهذا الامتياز الروسي.

ويقول ميرزيان إن “سورية تحتاج إلى روسيا لموازنة نفوذ إيران التي تريد الضغط على سورية…. لهذا السبب، تبدو دمشق مهتمة بنفوذ روسي قوي في المنطق. وبالنسبة إلى بشار الأسد، يعني هذا الاتفاق مع الروس استثمارًا طويل الأمد واحتمال الحصول على حليف قوي لسنوات مقبلة”.

أكبر صفقة في تاريخ سورية:

وفي الأسبوع نفسه، انتزعت إيران حصة لا تقل أهمية من المكاسب الروسية في سورية، مع توقيع طهران ودمشق اتفاقات في إطار أكبر صفقة اقتصادية في تاريخ سورية ستمكن الجمهورية الإسلامية من إقامة مشاريع استثمارية كبرى تشمل مجالات الاتصالات والنفط والزراعة والصناعة وقعها الجانبان في العاصمة طهران.

ففي الوقت الذي كان النظام السوري يستعد لمحادثات مع المعارضة يفترض أن تمهد الطريق للبحث في تسوية سياسية لمستقبل البلاد، تعتبر الاتفاقات ملزمة لأي حكومة يمكن أن تنجم عن المحادثات السياسية. من هذا المنطلق، اعتبرت المعارضة السورية أن الصفقة السورية – الإيرانية تأتي كجائزة لإيران بسبب دعمها للنظام السوري، واصفة إياها بأنها “نهب” للشعب السوري وثروة البلاد من قبل “ميلشيات إرهابية إيرانية”.

وبموجب خمس مذكرات تفاهم، وقعها رئيس الوزراء السوري عماد خميس في طهران، حصلت إيران على رخصة لتصبح مشغلًا لاتصالات الهاتف المحمول في سورية كما تم توقيع عقود لاستخراج الفوسفات. كذلك، ستعطي سورية إيران خمسة آلاف هكتار من الأراضي للزراعة وألف هكتار لإنشاء مرافئ للنفط والغاز وفقا لما ذكرته وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء “إرنا” الرسمية. كما وقع اتفاق لتقديم أراض لتربية الماشية.

ولا شك في أن الصفقة التي استحوذت على الاهتمام الأكبر تتعلق بشبكة الاتصالات التي يعتقد أنها ستذهب الى “الحرس الثوري” الذي يدير امبراطوية صناعية ، وهو ما سيتيح لهذه الهيئة العسكرية مراقبة وثيقة للاتصالات السورية.

إلى ذلك، تمكن الصفقات إيران من استغلال خمسة آلاف هكتار لبناء ميناء نفطي على الشواطئ السورية، وخمسة آلاف هكتار أخرى من الأراضي الزراعية، ومثلها مساحة لاستغلال مناجم الفوسفات.

وتعتبر سورية من بين أكبر مصدري صخر الفوسفات في العالم – وهي المادة الخام التي تستخدم في إنتاج الأسمدة الفوسفاتية – رغم أن الحرب أضرت بقدرتها على الاستخراج وتسويق الإمدادات.
وأساسًا، ثمة شركات إيرانية تنشط بالفعل في عدد من مشاريع توليد الكهرباء البالغة قيمتها 6600 مليون دولار في سورية وفقًا لوسائل إعلام حكومية إيرانية.

وتهدف إيران لتصدير الكهرباء إلى سورية وإنشاء أكبر شبكة للكهرباء في العالم الإسلامي عبر ربط شبكة الكهرباء الإيرانية الوطنية مع شبكات العراق ولبنان.

ويعتبر الباحث في معهد كارنيغي كريم سجاد بور أن “إيران تتعامل مع سورية على باعتبارها إحدى محافظاتها… لقد أنقذوا الأسد من السقوط، والآن يبدو أنهم يشعرون بحقهم في مساعدة أنفسهم من خلال الاقتصاد السوري”.

وأنفقت طهرات مليارات الدولارات في سورية، بما فيها ثمن الأسلحة والذخيرة، إضافة إلى تكبدها أرواحًا بشرية من جنودها والمليشيات الطائفية المرتبطة بها، وبالتالي، ليس مستغربًا أن تسعى إلى انتزاع ثمن يتمثل بنفوذ سياسي وأمني تترجمه مشاريعُ وصفقات، واتفاقات لتعاون ثنائي مستدام.

وبعيدًا عن المساندة العسكرية، تقول وكالة “رويترز” إن سورية مدينة ماليًا لإيران. وفتحت طهران خطوط ائتمان لسورية بقيمة 3,5 مليارات دولار في 2013 وزادتها مليار دولار في 2015 وهو ما يقول اقتصاديون إنه ساعد الاقتصاد السوري على الاستمرار.

وبالتزامن مع توقيع الصفقات الأخيرة، نقلت “سانا” عن اسحاق جهانجيري النائب الأول للرئيس الإيراني إن طهران مستعدة لتنفيذ خط ائتماني جديد بين المصرف التجاري السوري وبنك تنمية الصادرات الإيراني لدعم التجارة.

وأبدت طهران فعلًا اهتمامًا بمساعدة سورية في إعادة بناء الطرق والمطارات ومحطات الكهرباء والموانئ – وهو ما قد يصب في مصلحة الحرس الثوري الإيراني الذي يمتلك أكبر شركات بقطاع التشييد في إيران.

(*) كاتبة لبنانية

Author

مقالات ذات صلة

إغلاق