كلمة جيرون

أثقل من روسيا وزعيمها

“تمخض الجبل فأنجب فأرًا”، مَثَلٌ لطالما رددته أجيال؛ للتدليل على النتيجة التافهة القاصرة الجوفاء لفعل يقوم به كثير الكلام والادعاء، ويبدو أن السوريين سيكررونه طويلًا، خاصة بوجود دول “ضامنة” و”راعية” لسلامِهم كتلك التي اجتمعت في آستانا.

انتهى مؤتمر آستانا ببيان ختامي، خلُص إلى مجموعة “توصيات”، ليس من بينها ما يفيد، فهي جملة من الأفكار المُكرّرة التي أكّدت عليها كل القرارات الدولية السابقة المتعلقة بالشأن السوري، منها؛ ضمان وصول المساعدات الإنسانية، وحماية حرية حركة المدنيين، ووحدة وسيادة سورية، وعدمية الحل العسكري، وأهمية القرار الأممي 2254، وضرورة الفصل بين المعارضة و”داعش”، توصيات أصدرتها روسيا وإيران اللتان كانتا تُعطّلان -بممارساتهما على الأرض السورية- كل هذه البنود عندما طُرحت في قرارات دولية سابقة.

عمليًا، خلص آستانا إلى توصية واحدة مختلفة، وهي “إقامة آلية ثلاثية” لمراقبة وضمان وقف إطلاق النار، لكن يمكن –بثقة- عد هذه التوصية دعابة روسية – إيرانية سخيفة، لأن من سيراقب وقف إطلاق النار ويضع الآلية هما روسيا وإيران، وهما -للتذكير لمن نسي- خصمٌ وليس طرفًا حياديًا، وهما ثاني سبب لما آلت إليه سورية (بعد النظام)، وهما من خرق وقف إطلاق النار الأخير عشرات المرات، ومن منع سقوط النظام قبل سقوطه بـ “أسبوعين” أو “شهرين”، فحرما شعبًا من حقوقه ووطنه ومستقبله.

ما من سوري، بمن فيهم المؤيدون للنظام (على الأرجح)، يثق بإيران، ويأتمن واحدة من الميليشيات الإيرانية، وضمنًا اللبنانية والعراقية والأفغانية، على نفسه أو عِرضه أو ماله (على الرغم من أنها حاميتهم)، فكيف يمكن أن تكون هذه الميليشيات المرتزقة الطائفية المنفلتة، ومشغّلوها، جزءًا من “آلية ثلاثية” لمراقبة وضمان وقف إطلاق النار؟

منطقيًا، لم تكن هناك حاجة لتجريب المُجرّب، ولم يكن هناك حاجة للقبول بإيران ضامنًا لأي شيء، ففاقد الشيء لا يعطيه، والنظام الإيراني المتطرف، القومي الفارسي، الاستعماري المتسلط، الفاسد والمُفسد، راعي الجريمة وناشر الحروب، لا يمكن أن يتغير، ولا يمكن أن يُقدّم شيئًا لإنقاذ سورية.

استمزج الروس اللهو بالسوريين، فشكلوا تحالفًا ثلاثيًا موقتًا، جمعهم بإيران وتركيا، بتناقضاتهم وأهدافهم المختلفة ومصالحهم المتباعدة، و”اخترعوا” آستانتهم، التي أنتجت قرارات هشّة بالية، لا يمكن البناء عليها، وقرروا أن يُقيموا، هم وإيران (راعية الحرب)، آلية لمراقبة السلام، ثم أعلنوا بعد ذلك أن الحل النهائي هناك، في جنيف، وليس هنا في آستانا.

يبدو أن “الدب” الروسي، يُجرّب “شطارته” و”فهلويته” بعد أن جرب عضلاته دون فائدة، مُعتقدًا أنه سيقود الشرق الأوسط، عبر تحكمه بسورية، متناسيًا أن الملف السوري بات أثقل من آستانا، وأثقل من روسيا وحدها، وأثقل من زعيمها المغرور ذاته، ويتناسى أن أي حل للمقتلة السورية لن يكون بمعزل عن الولايات المتحدة، ودول أوروبية وأخرى عربية، ولن يتحقق دون إبعاد إيران، وأخذ مطالب السوريين الرافضين للنظام في الحسبان.

مقالات ذات صلة

إغلاق