منذ بدايات حملته الانتخابية، اعتمد الرئيس ترامب التعاون في مكافحة الإرهاب أساسًا لحجته في تحسين العلاقات مع روسيا. في ظاهر الأمر، قد تبدو الفكرة جذابةً: اثنان من أكبر الجيوش، وجماعات الاستخبارات في العالم يعملان معًا ضد الدولة الإسلامية، والشبكات الجهادية الأخرى لتحقيق التقدم الذي لا يمكن أن يحققه أحدهما وحده.
ولكنها فكرة سيئة، فالشراكة مع روسيا وفق النموذج الذي يقترحه السيد ترامب تنطوي على تقويضٍ تام للتقدم الذي حققته الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، وتسيء إلى علاقاتنا مع المسلمين السُّنّة في جميع أنحاء العالم، وعلاوةً على ذلك، فإنَّه من المشكوك فيه أن يتمكن مثل هذا التحالف من تحقيق تقدم فعلي.
اقترح السيد ترامب في مقابلةٍ حديثة مع صحيفة وول ستريت جورنال أنَّ التعاون في مكافحة الإرهاب سيكون سببًا كافيًا لرفع العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على روسيا نتيجة للتدخل في الانتخابات الرئاسية. وعلى حد تعبيره، “إذا تعاملت معنا بودٍ، وإن ساعدتنا روسيا حقًا، فلماذا يُعاقب أيّ شخصٍ إذا كان هذا الشخص يقوم بأشياءٍ عظيمة حقًا؟”
لم تكن حملة مكافحة الإرهاب الروسية أبدًا بصدد القيام بـ ” “أشياء عظيمة حقًا.” – لقد كانت أساسًا حملة عنف عشوائي- مستهدفةً قلةً من الإرهابيين، فذبحت المدنيين من دون تمييزٍ على أمل ألا يجرؤَ أحدٌ على مواصلة التخطيط للهجمات. إذا كنت غير متعاطفٍ مع حقوق الإنسان، فذاك قد يكون له بعض التأثير على عددٍ محدود ومحصورٍ من السكان. ولكن هذا معاكس لحملة مكافحة الإرهاب الأمريكي، التي تهدف إلى إزالة الارهابيين الخطِرين مع أقل عدد ممكن من الوفيات بين المدنيين.
تعتمد مقاربتنا ليس على الاعتراف بأنَّ قتل المدنيين خطأٌ فحسب، ولكن على فهم أن العنف العشوائي يشجع التطرف أيضًا. نحن نفعل كل ما في وسعنا للحد من الوفيات في الغارات على الإرهابيين، وذلك للحدّ من آثارها على أولئك الموجودين في المنطقة المجاورة من جهة، ومن جهةٍ أخرى، لحرمان هؤلاء من تصوير مقاطع فيديو دعائية مباشرة على حواسيبهم، تثير الغضب على بعد آلاف الأميال.
فلاديمير بوتين في موسكو الأسبوع الماضي، صورة أليكسي دروجينين.
ويقال في كثير من الأحيان، إن الولايات المتحدة تمارس مكافحة الإرهاب بدقةٍ، بينما تمارسه روسيا بعنفٍ، وبصورة غير دقيقة. كان ذلك واضحًا في سورية، حيث تُقدّر (Air wars)، وهي مجموعةُ مراقبةٍ مقرها لندن، أنَّ الغارات الجوية الروسية تسبّبت في مقتل مدنيين أكثر بمعدل ثماني مراتٍ مما سبّبته مهمات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. بينما كان يُسخَر من السيد ترامب خلال الحملة الانتخابية لاقتراحه أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تقتل عائلات الإرهابيين، الأمرُ الذي كان ممارسةً معتادةً في روسيا، جنبًا إلى جنب مع “الخطف”، وقتل المشتبه بهم من دون محاكمات، ونتيجة لذلك، لا تزال الجمهوريات الروسية ذات الأغلبية المسلمة مثل داغستان والشيشان محتقنةً، وتحترق ببطءٍ بعد عقودٍ من التمرد والقمع، إضافة إلى غليان مجتمعاتٍ إسلامية روسية أخرى.
إنَّ التجربة في القوقاز وباقي روسيا، تؤكّد مخاطر مقاربة موسكو، فقد أدّت تكتيكات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العنف الجهادي في الداخل، وتصدير الآلاف من الإرهابيين إلى سورية، حيث يشكّلون واحدًا من أكبر أفواج المتطرفين الأجانب، جنبًا إلى جنب مع التونسيين والسعوديين، وقد كان للمواطنين الروس أيضًا حضور رئيس في أفغانستان والعراق وجميع أنحاء العالم، ويُعتقد أنَّ خليةً يقودها شيشانيون هي المسؤولة عن مقتل 45 شخصًا في الهجوم على مطار إسطنبول في حزيران/ يونيو. وقد نفِّذت هجماتٌ كثيرة أصغر ضد الروس في الداخل، كما تتصاعد دعوات الجهاديين للعنف ضد روسيا في جميع أنحاء العالم. والسيد ترامب، على ما يبدو، غير مدرك لهذه الاتجاهات.
إنَّ لاحتضان روسيا وتكتيكاتها الوحشية القدرة على تأجيج المشاعر المعادية للولايات المتحدة، وتشجيع التطرف بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، وفكرة أننا نغامر بذلك الخطر هو -ببساطةٍ- حماقة، وخاصةً أنَّ الجاليةَ المسلمة في الولايات المتحدة واحدةٌ من أفضل الجماعات تكاملًا، ويخشى أن تدفع إلى التطرف في بلدٍ أغلبية سكانه من غير المسلمين.
إنَّ مشاركة القوات الأمريكية مع روسيا في سورية سيضرّ أيضًا بالعلاقات الأميركية مع الحكومات السنية، التي تنظر إلى روسيا بوصفها داعمًا للرئيس بشار الأسد في سورية، حليف إيران وشريكًا فعليًّا لحزب الله؛ حيث يُنظر إليهم كلّهم على أنَّهم مسؤولون عن سفك دماء السنّة في سورية. وهم يفهمون أيضًا -بينما لا يفهم السيد ترامب- أنَّ التدخل العسكري الروسي في سورية يهدف إلى مساعدة حكومة الأسد في البقاء على قيد الحياة، وليس استهدافَ الدولة الإسلامية.
في الوقت الراهن، الحكومات السنيّة من القاهرة إلى الرياض، متحمسةٌ لانتصار السيد ترامب، وتتوقع أنّها لن تواجه انتقاداتٍ أمريكية لارتكابها انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وستتلاشى حماستها تلك بسرعةٍ إذا كان يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنَّها مشاركةٌ في الجريمة مع محور دمشق-طهران-موسكو، وهذا، في دوره، سيعرقل عمل أمريكا في حربها ضد الإرهاب.
تعتمد الولايات المتحدة على الدول السُّنية مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في معلوماتها القيّمة حول الجهاديين، وعلى النقيض من ذلك، لا نتلقى إلّا قليلًا من التقدير من روسيا مقابل تعاوننا معها.
يشير ذلك إلى السبب الأخير بأن شراكةً مثل هذه مع موسكو هي فكرة مرعبة. لقد عملت الولايات المتحدة مع روسيا لتحسين التعاون في مكافحة الإرهاب منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وبصفتي منسقًا في شؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية، فأنا، مثل نظرائي في وكالات أخرى، سعينا لإشراك الروس في مناسباتٍ عديدة، على الرغم من أنَّنا أشرنا إلى الجهد في مكافحة الإرهاب بوصفه جزءًا ناجحًا متواضعًا من علاقة مضطربة مختلفة، في الحقيقة كان هناك قليلٌ لنفخر به.
في المجالات التي كان ينبغي أن نكون قادرين على التعاون، من مثل أمن التنقل وحمايته، والمحافظة على المناسبات الخاصة مثل الألعاب الأولمبية، ومواجهة الدعاية الإرهابية، جعلت بيروقراطية روسيا المتصلبة، والنقص العام في الاهتمام (وخصوصًا في قضايا من مثل نزع التطرف) التقدّمَ مستحيلًا. في المجالات الأكثر حساسية، مثل التعاون الاستخباري، تُتبادل بعض المعلومات روتينيًّا، ولكن هناك عدم ثقة عميقة بين كلا الجانبين.
تنظر وكالات الاستخبارات الروسية والأمريكية إلى بعضها لا نظرة حلفاء محتملين فحسب، بل نظرة مصادر تهديد مستمرة. في أعقاب تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية، فمن غير المعقول أن تغيّر المخابرات الأمريكية موقفها، وهو الأمر الذي قد يأمله السيد ترامب.
اسم المقالة الأصلي | Russia Is a Terrible Ally Against Terrorism |
الكاتب* | دانييل بنيامين، Daniel Benjamin |
مكان النشر وتاريخه | نيويورك تايمز، The New York Times، 23/1/2017 |
رابط المقالة | https://www.nytimes.com/2017/01/23/opinion/russia-is-a-terrible-ally-against-terrorism.html?ref=opinion |
ترجمة | أحمد عيشة |
*- دانيال بنيامين: منسق وزارة الخارجية لشؤون مكافحة الارهاب من عام 2009 إلى عام 2012. وهو مدير مركز جون سلون ديكي للتفاهم الدولي في كلية دارتموث.