قديما كانت الإمبراطوريات ترسم مصير العالم. تتوسع شرقًا وغربًا وتتحالف مع هذا وذاك، أما من كان يقف في وجهها، فكانت ترسل له جيوشها وجحافلها وما تملكه من قوة ورباط خيل لتعيده إلى جادة الصواب.
عندما كان الملك أو الإمبراطور يأمر جيوشه بالتحرك. كانت تلك الجيوش تنطلق مسرعة إلى أهدافها، فالخيل تعدو، والسيوف تلمع وقبضات الرجال على السيوف فيضربون ويبطشون، وتكون نهاية معظم أولئك الذين وقفوا في وجه الملك أو الإمبراطور نهاية مأسوية، إذ غالبًا ما تكون نهايتهم تحت حوافر الخيل.
لم يتغير الواقع كثيرًا في العصر الحديث، فمازالت الدول العظمى ترسم مصير العالم، وتصنع الحدود، كما فعلت بريطانيا وفرنسا في الأمس، وكما تفعل الولايات المتحدة وروسيا اليوم، فهي ترسم الحدود وتحدد مصير أنظمة وشعوب بأكملها، بما تعقده من اتفاقات وصفقات.
لكن ما يدعو إلى السخرية أن تصرح بعض دول العالم الثالث، تصريحات أكبر من حجمها.
فتارة نسمع أن زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ اون، يقول بأنه متسعد لمحاربة الولايات المتحدة والانتصار عليها في أي وقت! ومرة نسمع أن النظام السوري سيمسح أوربا من الخارطة! وثالثة نسمع أن النظام الإيراني يقول بأنه لن يقبل مشاركة الولايات المتحدة في مفاوضات أستانا! ولا نعلم ماذا يستطيع النظام الإيراني أن يفعل إذا قررت الولايات المتحدة المشاركة في تلك المفاوضات.
قبل أيام أجرى النظام الايراني تجربة صاروخ بالستي متوسط المدى، و لا نعرف أين نزل ذلك الصاروخ اليتيم، ولكن ما أعلمه أن هناك مجموعة من العقوبات نزلت على رأس النظام الإيراني بعد تلك التجربة، فقد جرى فرض مجموعة من العقوبات على 13 شخصًا و 12 كيانًا ايرانيًا، ومرة أخرى صرح النظام في طهران بأنه سيرد بعقوبات ملائمة على الولايات المتحدة، وقد يكون رد النظام الإيراني مشابهًا للرد الذي يقوم به النظام السوري، فالطائرات الإسرائيلية قصفت دمشق مرارًا وتكرارًا، ومازال النظام السوري يقول بأنه سيرد في الزمان والمكان المناسبين.
هل نسي النظام في طهران أنه في الأمس القريب، كان يركض هنا وهناك، ويحاول الالتفاف على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة عليه، لكن دون جدوى، فانتهى بهم الأمر إلى فرملة برنامجها النووي للتخلص من العقوبات الاقتصادية. وفي تصريح آخر غريب من نوعه، صرح النظام الإيراني بأنه مرّغ أنف أميركا بالتراب في العراق.
يحق للفيتناميين أن يقولوا إنهم مرغوا أنف أميركا بالتراب، أما أن يقول النظام الإيراني ذلك؛ فمتى؟ وكيف؟
بقي النظام الإيراني يقاتل النظام العراقي لمدة 8 سنوات، ولم يستطع هزيمته، ولم يستطع أن يتقدم داخل العراق شبرًا واحدًا، فجاءت الولايات المتحدة واجتاحت العراق، وهزمت النظام العراقي في 20 يومًا فقط.
أغرب تلك التصريحات وأكثرها إثارة للضحك، تلك التي أطلقها مستشار “المرشد الأعلى” علي ولايتي، الذي قال: إن الولايات المتحدة أضعف من أن تواجه إيران عسكريًا. ألا يعلم هذا المتحذلق، فارق القوة العسكرية بين الدولتين، ألا يعلم أن الميزانية العسكرية لإيران هي 1.2 مليار دولار، فيما تبلغ الميزانية العسكرية للولايات المتحدة 639 مليار دولار! فالقوة التي تملكها إيران والدول التي على شاكلتها، مقارنة بالقوة العسكرية التي تملكها الولايات المتحدة، هي كالقوة التي تملكها الصيصان أمام الباشق.
هل يعيش النظام الإيراني في غيبوبة؟ أم إنه تعلّم هذه العنتريات من النظام السوري، فعندما استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي عام 2013، ولُوّح آنذاك باستخدام القوة ضده.
في تلك الفترة سوّقت القنوات الفضائية التابعة للنظام الأمر، وكأن النظام السوري هو الذي سيقصف الولايات المتحدة في عقر دارها، وليس العكس. وانتهت تلك العنتريات بتسليم السلاح الكيماوي.
هذه الأنظمة التي تملك كثيرًا من الأقوال، والقليل من الأفعال، تنسى أنها مصنوعة لتقوم بأدوار مرسومة لها مسبقًا، وإذا خرجت عما هو مرسوم لها، فإنها سوف تتلقى بضع صفعات لتعود وتمارس ما هو مطلوب منها دون زيادة أو نقصان، فلماذا إذن كل هذه التصريحات والعنتريات؟ إلا إذا كانت تلك التصريحات والعنتريات جزءًا لا يتجزأ من الدور المرسوم لها.