تبدأ “الهيئة العليا للمفاوضات” اليوم اجتماعًا في العاصمة السعودية الرياض يشوبه كثير من الضغوط؛ من أجل تحديد الوفد المفاوض في جنيف نهاية الشهر الجاري، في الوقت الذي يزور فيه عدد من أعضاء الائتلاف العاصمة الروسية موسكو، لبحث ملف جنيف، وتمهيدًا لزيارة مرتقبة يقوم بها رئيس الائتلاف أنس العبدة إلى موسكو؛ للقاء وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.
وتبدأ “الهيئة العليا للمفاوضات” جلساتها التشاورية اليوم (الجمعة)، وغدًا السبت من أجل بحث ملف مفاوضات جنيف، التي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، وقال: إنها ستنطلق يوم 20 شباط/ فبراير الجاري، مشددًا على ضرورة تعيين وفد معارض “موحد” يضم طيفًا واسعًا من المعارضة السورية.
أكدت مصادر (جيرون) أن الاجتماعات التي ستشهدها الرياض، اليوم وغدًا، حاسمة ومشدودة الأعصاب، ولا سيما وسط الخلاف الحاصل بين الهيئة، والفصائل التي حضرت مؤتمر أستانا، موضحةً أن المشكلة بين الطرفين تكمن في أن الفصائل، تعتقد بحقها في أن يشكل ممثلوها النسبة الأكبر في الوفد، خصوصًا أنها “الممثل الحقيقي للشعب السوري، وهي التي تقاتل على الأرض”.
أشارت المصادر إلى أن الفصائل اجتمعت مع الجانب التركي قبل يومين، لبحث ملف جنيف ومؤتمر الرياض، مرجحة أن تكون أنقرة قد ضغطت على قادة الفصائل القبول بتمثيل متساوي مع الهيئة والائتلاف، ونبذ الخلاف الحاصل بين الطرفين.
وقال رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف، أحمد رمضان، إن هناك “توجهًا لإشراك ممثل أو اثنين من منصتي القاهرة وموسكو في وفد المعارضة الذي نسعى ليعتمد مبدأ المثالثة، أي يتمثل الائتلاف بثلث أعضائه وفصائل أستانا بثلث، والهيئة العليا وبالتحديد هيئة التنسيق والمستقلون بثلث”، مضيفًا في تصريحات صحافية أنه “سيجري الدفع أيضًا؛ لتكون كل هذه الأطراف ممثلة أيضًا في الوفود الأخرى التي تشكل مجتمعة الفريق التفاوضي، وهي وفد الإشراف والتوجيه، وفد التفاوض المباشر، وفد الاستشاريين، وفد القانونيين، ووفد الإعلاميين”.
في السياق نفسه، قال مصدر في الائتلاف إن قدري جميل سيكون مُمثلًا عن معارضة موسكو في الوفد، وجمال سليمان ممثلًا للجنة متابعة مؤتمر القاهرة. وأضاف المصدر لـ (جيرون) أن الوفد يمكن القول عنه “الوفد الواحد” وليس الوفد “الموحد”.
وأضاف المصدر أنه من المفترض أن يؤجل المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، المفاوضات يومين أو ثلاثة، وربما أكثر، وسط التجاذبات الحاصلة بين الأطراف المعارضة، مؤكدًا أن دي مستورا يسعى لإحداث فارق بسيط في معادلة التفاوض، قبل مغادرته منصبه رسميًا في آذار/ مارس المقبل.
يمكن عد اللقاء المرتقب بين وزيري الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والأميركي، تيلرسون، في ميونيخ نهاية الأسبوع المقبل، حاسمًا في تحديد موعد مفاوضات جنيف الرسمي، ولا سيما أن اتفاق الطرفين يوفر الغطاء السياسي للمفاوضات.
من جانبه، يستعد النظام السوري لإعلان وفده إلى جنيف الذي سيترأسه بشار الجعفري، بحسب الترجيحات. كما قال ديميتري سابلين، عضو لجنة مجلس الدوما الروسي لشؤون الدفاع الذي اجتمع مع بشار بحضور نواب آخرين قبل يومين في دمشق، إن “دمشق مستعدة لإجراء مفاوضات مباشرة مع جميع ممثلي المعارضة، بما في ذلك المعارضة المسلحة، والأسد يدعم الجهد الروسي في أستانا، ونتائج الاجتماع الأخير للمجموعة المشتركة حول مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في سورية”.
وقال بشار للوفد الروسي: إن “الأوضاع في سورية تسير بالمنحى الذي ترغب به كل من سورية وروسيا، والشعب السوري مصمم على الدفاع عن بلده، والمضي في مسيرة المصالحات الوطنية، لأنها الطريق الأنجع للسير قدمًا نحو إنهاء الحرب وإنجاز الحل السلمي”.
وفي سياق متصل، قالت مصادر مطلعة لـ (جيرون): إن وفدًا من الائتلاف، التقى مع مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، في العاصمة موسكو أمس الخميس، من أجل بحث الرؤية الروسية للحل السياسي في سورية، ومطالبة الجانب الروسي بالضغط أكثر على الأسد من أجل الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار.
وأضاف المصدر أن الوفد ضم كل من عبد الأحد اصطيفو، بدر جاموس، وهادي البحرة، وأن اللقاء الحالي قد يعقبه لقاء بين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ورئيس الائتلاف، أنس العبدة، في العاصمة موسكو الأسبوع المقبل.
من المرجح أن تكون المعارضة السورية قد توجهت نحو روسيا لتحقق نقطتين: الأولى لجم جماح طهران في سورية، من خلال الاتفاق مع الروس، والثانية تأكيد أهمية الدور الضامن الذي تلعبه روسيا، ودفعها نحو الضغط أكثر على الأسد، من أجل الالتزام بالهدنة الموقعة بين المعارضة السورية والنظام نهاية العام الماضي في العاصمة الكازاخية أستانا.
كما أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أشار إلى ضرورة إيقاف إيران من اللعب في الملف السوري، وقال في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي، مولود شاويش أوغلو: إن “تدخل إيران وحزب الله اللبناني في سورية عقّد مساعي التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السورية”، منبهًا إلى “توافق بلاده مع تركيا على مواجهة التدخلات الإيرانية السلبية في دول المنطقة وإشعالها نار الطائفية ودعمها للإرهاب”.
وأكد عضو الهيئة السياسية، أسامة تلجو، أمس الخميس، أن “النظام ومن خلفه إيران يشكلان العائق الأكبر أمام الوصول إلى حل سياسي في سورية، وذلك؛ بسبب اعتقادهم الواهم بالقدرة على الحسم العسكري”، ما يرجح فرضية السعي نحو تحجيم الدور الإيراني في سورية عبر التوافقات مع موسكو.
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن دبلوماسيين غربيين قولهم: إن “موسكو ترى أن الحل السياسي وحده هو القادر على وضع حد للحرب في سورية، وأنها هي الجهة القادرة على فرضه على النظام”، موضحة أن طهران “تلعب ورقة الميليشيات وإضعاف سلطة الدولة والمؤسسات السورية، وإبقاء الأسد على رأس سلطة رهينة بيديها”، وتسعى لإبقاء الحرب مشتعلة، بوصفها “ورقة يمكن أن تفاوض عليها”.
وبحسب الصحيفة، فإن مصادر فرنسية رسمية تعدّ الطريق إلى “احتواء النفوذ الإيراني في سورية يمر عبر عملية انتقال سياسية لا تعني بالضرورة رحيل الأسد الفوري، لكنها تمكن من إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، ومن ثمّ؛ انتفاء الحاجة للميليشيات التي استُحضرت لدعم النظام”.