يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة، أو ضحايا الحرب من ذوي الإعاقة خلال الحرب السورية، تحديات وصعوبات كثيرة. ويعد اللجوء من أصعب التجارب التي يعيشها الإنسان في حياته، لكن عندما يتزاوج اللجوء مع الإعاقة، يصبح الوضع كارثة حقيقية في معظم الأحيان، فكيف إذا تعرض هؤلاء الأشخاص للتجاهل والإهمال؟
إن المخاطر والتحديات التي يوجهها الأشخاص ذوي الإعاقة من اللاجئين والنازحين السوريين كبيرة، وتحرمهم من تحقيق أبسط حقوق الإنسان. فالصعوبات التي تخلفها الحرب والكوارث، وغيرها من المخاطر الأخرى تزيد من الحواجز الجسدية وصعوبات التواصل وغيرها من الصعوبات التي يعانون منها.
تواجه العائلات التي فيها أفراد من ذوي الإعاقة خيارًا صعبًا عندما تشتد أزمة الحرب؛ إما أن تساعد القريب وتخاطر بالتعرض للقتل، أو أن تفرّ من دونه وتنقذ نفسها.
ويواجه الأشخاص ذوو الإعاقة في مخيمات اللجوء، ودور الايواء، مخاطر بسبب العوائق البيئية والمجتمعية التي تحول دون حصولهم على المعلومات والمساعدات، والاستفادة من الخدمات الخاصة باللاجئين. إذ كثيرًا ما تكون المنشآت غير مهيئة تهيئة تسمح لفاقدي البصر أو مستعملي الكراسي المتحركة بالتنقل دون مساعدة، فضلًا عن أن المعلومات ليست في متناول الجميع، وغير متوفرة في أشكال سهلة الفهم.
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 2.3 إلى 3.3 مليون شخص من النازحين قسرًا في العالم هم من ذوي الإعاقات، ثلثهم من الأطفال.
في سورية أكدت دراسة أعدتها منظمتا “مساعدة المسنين الدولية” و”الإعاقة الدولية” أنَّ واحدًا من كل 15 لاجئًا سوريًا في الأردن، وواحدًا من بين كل 30 لاجئًا في لبنان، أصيب من جرَّاء الحرب. ويعاني هؤلاء من قدر كبير من الإهمال والتجاهل ضمن مجتمعاتهم المحلية المُهجّرة. ويواجه الأطفال ذوو الإعاقة خاصة مخاطر الهجر والعنف في أثناء الطوارئ، وفي معظم الأحيان لا تؤخذ حاجاتهم الخاصة في الحسبان من منظمات الإغاثة. وتؤكد “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” أنه على الرغم من الجهد المبذول لتحسين الرعاية المقدمة لأكثر الأشخاص عرضة للخطر، فإن تدابير المساعدة والحماية المصممة للغالبية نادرًا ما تلبي الحاجات الخاصة لذوي الإعاقات. ونظرًا لانعدام إجراءات التحديد والإحالة وضعف تكييف الخدمات وتدني مستوى قدرة الوصول، فإن مئات آلاف الأشخاص من ذوي الإعاقة يحرمون فعليًا من المساعدات الإنسانية التي يستحقونها.
تؤكد “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” أن الأشخاص ذوي الإعاقة معرضون للإيذاء البدني والجنسي والعاطفي خاصة، وقد يستلزمون حماية إضافية. كما أن انعدام الخصوصية في بعض الحالات، كالعجز عن الوصول إلى المراحيض وأماكن الاستحمام، يزيد من خطر التعرض للإساءة. وكثيرًا ما يعاني ذوو الإعاقة من العزلة الاجتماعية؛ ويواجهون خطر التخلي عنهم من الآخرين في أثناء عمليات الفرار فضلًا عن الصعوبات التي تعترضهم في الوصول إلى برامج اقتفاء أثر الأسر. وقد وثقت “هيومن رايتس ووتش” عددًا كبيرًا من الحالات التي سقط فيها أشخاص من ذوي الإعاقة الجسدية في مجارير وحفر مفتوحة في المخيمات، وعانوا من كسور وإعاقات إضافية نتيجة الإهمال.
كيف يمكن مواجهة تحديات اللجوء والإعاقة لوصول المساعدات الإنسانية؟
أكدت الاتفاقية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (المادة 11) حول حالات الخطر والطوارئ الإنسانية أهمية حقوق هذه الفئة خاصة، ووصفتهم في كثير من التقارير بأنهم “مزدوجي الإعاقة واللجوء”، وطلبت من الدول الأعضاء، أن تتعهد، وفقًا لمسؤولياتها الواردة في القانون الدولي، بما فيها القانون الإنساني الدولي، وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، باتخاذ جميع التدابير الممكنة؛ لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية.
أكد البرنامج العالمي للإعاقة 1982، على حق الاشخاص النازحين/ اللاجئين بالاندماج الاجتماعي، وإزالة جميع الحواجز التي تواجه ذوي الإعاقة بين اللاجئين. وأكدت القواعد الموحدة حول تكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة لعام 1993 في القانون 21 أنه يجب إدماج مفهوم تكافؤ الفرص لذوي الإعاقة في البرامج التنموية.
على الرغم من كل ذلك، لم تُدمج حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة في سياسات الهجرة الدولية حتى اليوم، فالقانون الدولي لحقوق المهاجرين يعترف بالحقوق المتساوية لجميع اللاجئين والمهاجرين، ولكنه لم يذكر ذوي الإعاقة ذكرًا واضحًا وصريحًا. ولكن في عام 2010 قامت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في توصيتها رقم 110، بالطلب من الدول الأعضاء ومنظمات الأمم المتحدة حماية ومساعدة اللاجئين من ذوي الإعاقة من أنواع التمييز كافة، وطلبت من جميع الدول والشركاء أن يسجلوا ويحددوا الإعاقات ويوفروا الدعم والمساندة والحماية لهم.
في أهداف التنمية المستدامة 2030، اعتُمد موضوع تمكين ذوي الإعاقة من اللاجئين والنازحين. وخاصة في الهدف رقم 8 حول العمل اللائق والنمو الاقتصادي، إذ يطالب بهدف محدد يركز على الحقوق في العمل وتوفير البيئة الآمنة للعمال المهاجرين، والهدف رقم 10 الذي يركز على تقليل عدم المساواة، كما يتضمن هذان الهدفان أهدافًا إضافية تركز على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.
قدم عدد من المنظمات الدولية الدراسات والأبحاث حول الإعاقة واللجوء، وطرحت توصيات كثيرة؛ من أجل حياة أفضل للأشخاص ذوي الإعاقة من اللاجئين. في هذا السياق يمكن ذكر تقرير (هيومن رايتس ووتش HRW) وتقرير (الهجرة القسرية)، وتقرير (عالم الإعاقة)، وتقييم الحاجات للأشخاص ذوي الإعاقة التي أعدته “المنظمة الدولية للأشخاص المعوقين”، وتقرير “مفوضية اللاجئين للمرأة”.
وقدمت هذه التقارير توصيات، وطلبت من الحكومات وهيئات “الأمم المتحدة” والمانحين والمنظمات الإنسانية، العمل على ضمان حماية وأمن وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر واللجوء، بما يشمل النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية. ويمكن تلخيص أهم ما تضمنته هذه التقارير من توصيات:
أولًا: الحماية والدعم النفسي: تتضمن الحماية في الخدمات الإنسانية وتحسين الأمن والإحساس بالأمان والكرامة الإنسانية للأشخاص ذوي الإعاقة. وتتضمن الحماية الفاعلة، وتمكين الفئات الحساسة من خلال فرق الدعم المجتمعية المساندة لهم، بتقديم خدمات اجتماعية مسانده للخدمات الإنسانية. ويجب توفير الدعم النفسي للفئات التي تعرضت للعنف ولكثير من الصعوبات في رحلة اللجوء. ولذلك؛ هناك ضرورة لتدريب عمال الإغاثة وأهالي الاشخاص ذوي الإعاقة على أساليب الحماية والمساندة والدعم النفسي والمجتمعي.
ثانيًا: رحلة اللجوء والهروب من الحرب، في كثير من الأحيان وتحت القصف والعدوان يترك الأشخاص ذوي الإعاقة وحدهم، وخاصة أن الأسر تريد النجاة من الموت وإنقاذ الأطفال الصغار في السن. ولذلك؛ أكد كثير من التقارير، أن الأشخاص ذوي الإعاقة قد يتركون في البيت أو في المستشفيات أو المؤسسات. وفي بعض الأحيان تلجأ فرق الإغاثة إلى دعم ذوي الإعاقة وإنقاذهم لوحدهم بدون أسرهم (كما حصل في الأردن وصل كثير من ذوي الإعاقة بدون أسرهم) لتلقي العلاج والجراحة. ولذلك؛ على المنظمات الإنسانية أن تعطي الأولوية للأشخاص ذوي الإعاقة، وأن تمنح الفرص للشخص من ذوي الإعاقة لمرافقة أحد والديه أو أخوته في رحلة اللجوء.
ثالثًا: الوصول إلى السكن أو مكان الإقامة، في معظم الأحيان نجد الأشخاص ذوي الإعاقة من اللاجئين في أماكن لا تتوفر فيها أي امكانية للتنقل (ويتركون في معظم الأحيان في الخيم) وهم منعزلون ومهملون وبعيدون عن إمكانية الوصول إلى الخدمات. ولذلك؛ يجب العمل على تغيير مكان السكن؛ ليتمكن الشخص من الوصول إلى الخدمات الصحية والتعلمية والإغاثية. كما يجب العمل على تصميم بعض الأماكن في المخيمات للأشخاص ذوي الإعاقة تتوفر فيها المنحدرات الخاصة والتسهيلات اللازمة للتنقل.
رابعًا: عدم التمييز، يجب أن يُتاح للأشخاص ذوي الإعاقة المشاركة في تحصيل المساعدات الإنسانية، سواء من حيث الحماية والمساعدة، على قدم المساواة مع الغير، أو عن طريق السماح لهم بالتمتع بحقوقهم كاملة.
خامسًا: تعزيز المشاركة الحقيقية للأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات التي تمثلهم في تصميم وتنفيذ ورصد وتقييم برامج الجاهزية والاستجابة، مثل خطط الاستجابة للاجئين السوريين، الإقليمية والوطنية، والاستفادة من قيادتهم للبرامج ومهاراتهم وقدراتهم الأخرى عن طريق ضمان مشاركتهم الفاعلة في صناعة القرار والتخطيط، بما يشمل تفعيل آليات التنسيق الملائمة.
سادسًا: توعية المنظمات الإنسانية والإغاثية، تطوير برامج وأدلة توجيهية حول استيعاب قضايا الإعاقة في الأعمال الإنسانية؛ إذ يجب أن تعالج هذه الأدلة التوجيهية ما يتصل بالتنسيق والتعاون والتنفيذ والرصد والتمويل. إضافة الى جمع بيانات مقسمة بحسب السن والنوع والإعاقة، وتحليل هذه البيانات؛ بحيث يجري استيعاب حقوق وحاجات الأشخاص ذوي الإعاقة في الأعمال الإنسانية.
سابعًا: تطوير برامج وخدمات متكاملة، من خلال توفير سبل وصول منفصلة، أو أي تدابير أخرى كفيلة بالتغلب على معوقات تحصيل الأشخاص ذوي الإعاقة للمساعدات الإنسانية. ويجب التركيز على توفير رعاية طبية ملائمة وتحترم الحقوق، وتشمل رعاية الصحة العقلية وخدمات المشورة والدعم النفسي-الاجتماعي، وتحسين القدرة على الوصول إلى المرافق الطبية، بما يشمل إتاحة مترجمين للغة الإشارة، وممرات موائمة لحاجات الأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية، أو غير ذلك من الخدمات الداعمة للتمكين من الاستفادة من المرافق الطبية.
ويجب تيسير حصول الأطفال من ذوي الإعاقة على التعليم، عن طريق تدريب المعلمين وجعل قاعات الدرس كاملة الاستيعاب للأطفال ذوي الإعاقة. والعمل على توفير بيئة مادية في مخيمات اللاجئين – بما يشمل الحاجات الأساسية والإسكان والمدارس والمرافق الطبية – تستوعب الأشخاص ذوي الإعاقة، وأن يكون معمار وتصميم المخيمات مستوعبًا لحاجات الأشخاص ذوي الإعاقة.
ثامنًا: الأجهزة المساعدة للحركة والسمع والرؤية. في معظم الأحيان لا تتوفر لذوي الإعاقة الأجهزة المساعدة المخصصة لهم، فعلى سبيل المثال؛ هناك صعوبة في توفير الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية لعدد كبير من ذوي الإعاقة، أو في حال توفرت تكون من نوعية رديئة وتتعرض للتلف سريعًا. وهناك سياسات تتبعها بعض منظمات الاغاثة (سياسة المساعدة لمرة واحدة) وقد أثبتت هذه السياسات ضررها لذوي الإعاقة أكثر من فائدتها؛ لأن صاحب الإعاقة الدائمة يحتاج الى مساعدة مستمرة مدى الحياة. فذوو الطرف المبتور قد يضطرون إلى تغيير أو إصلاح أو تعديل الطرف الصناعي عدة مرات وليس مرة واحدة. كما يجب على الجهات الإغاثية توفير التدرب على استعمال الأجهزة المساعدة، وعلى توفير العلاج الفيزيائي والدعم النفسي.
تاسعًا: دعم التأهيل الشامل، من خلال برامج التأهيل في المجتمع المحلي، بهدف توفير التأهيل والتكافؤ في الفرص والحدّ من الفقر والاندماج الاجتماعي لجميع الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة وينفذ من خلال الجهد المتضافر للأشخاص المعاقين أنفسهم، ولأسرهم ولمنظماتهم ولمجتمعاتهم المحلية، والمرافق الصحية والتربوية والمهنية والاجتماعية المعنية.
عاشرًا: التعاون والتنسيق، توعية جميع العاملين الدوليين والمحليين بالمجال الإنساني، والسلطات المحلية والوطنية، بشأن حقوق وتدابير حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة، مع تعزيز قدرات ومهارات مختلف الأطراف المذكورة للتعرف إلى الأشخاص ذوي الإعاقة، وضمّهم إلى أعمال وآليات الجاهزية والأعمال الإنسانية. ومطالبة بعثات حفظ السلام الأممية، ومعها الأشخاص ذوي الإعاقة، بتطوير وتنفيذ خطط عمل تستوعب كيفية دمج الأشخاص ذوي الإعاقة، ودعمهم وحمايتهم في معرض نشاط حفظ السلام المختلفة.
أكدت جميع المنظمات الدولية أن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون تحديات خاصة في أثناء الأزمات الإنسانية، من الهجر والإهمال، إلى الافتقار إلى المساواة في الفرص للحصول على الخدمات الأساسية. في حين تواجه الحكومات والمنظمات الإنسانية والمانحون أولويات كثيرة متنافسة في أثناء الأزمات، وعليها أن تعمل على ضمان تلبية حاجات الأشخاص ذوي الإعاقة في أثناء الاضطلاع بالجهد والنشاط الإنساني؛ إذ إن ضمّ الأشخاص ذوي الإعاقات والمنظمات المعنية بهم، يعني إضافة بُعد مهم –قلما يلقى الاهتمام– من أبعاد النشاط والجهد الإنساني، ويعني استفادة قطاعات أكبر من المجتمعات المتضررة.