بالأمس، أُطلقت في العاصمة اللبنانية “الكتلة الوطنية السورية”، وهي تضم أحزابًا مغمورة تضم “معارضين” مغمورين -أو من في حكمهم- كان همّهم أن يقولوا إن الحرب ضد النظام قد انتهت، والرئيس خط أحمر يُحدده السوريون، وأعلنت روسيا أنها تريد مشاركة هذه الكتلة في لقاءات جنيف، لأنها “تمثل تطلعات شريحة واسعة من السوريين”، وهي تسعى في الواقع إلى مزيد من التفخيخ للمعارضة السورية المُفترض أن تُفاوض على مطالب الثورة في المحافل الدولية.
هذه الكتلة واحدة من سلسلة طويلة من الكُتل التي أسسها سوريون، بقرارات شخصية أو بطلب من جهات ما، أو بأوامر من طرف ما، وأصرّوا على أن تُصنّف كُتلهم ضمن خانة “المعارضة” السورية، لأن هذه الصفة في الحقيقة حمّالة أوجه، سهلة الاكتساب، ومفتاح للعبور، وجسر للانتقال.
خلال خمس سنوات، ظهرت كالفطر، هنا وهناك، في الأعلى وفي الأسفل أيضًا، في الداخل والخارج وعلى الحدود، كتل وأحزاب وتجمعات سياسية سورية “معارضة”، لا يمكن إحصاؤها بسهولة، أو حصرها، أو تصنيفها، أو تذكّر أسمائها، سوداء وبيضاء ورمادية، تتلون وفق السوق، تجمع رهطًا من المغمورين، أو أنصافهم، وتعقد مؤتمرًا صحافيًا، للانطلاق نحو عالم “المعارضة” الرحب.
لا يمكن رؤية “معارضة” غالبية هذه الكتل إلا بمجهر، وتُدافع عن نفسها بالتذكير بجملة قالتها من بين ألف جملة، أو موقف عابر هامشي ضمن ألف موقف مريب، يساعدها في ذلك عدم وجود معيار واضح لـ “المعارضة” السورية واسعة الطيف، وعدم وجود إمكانية لضبطها متلبّسة بفعل الموالاة.
فطر ينمو في كل مكان، يبحث عن دور فيلتقطه الراعي، يُشتِّت، يخلط الأوراق، يُساند النظام ويخدمه، ويتماهى أحيانًا مع أعداء الثورة التي يدّعي نصرتها، يُغني على ليلاه، والجميع يؤكد على أنه حامي الثورة ومُفكّرها وراعيها وحاملها.
كما الفطر، ستختفي هذه الكتل “المعارضة” بسرعة كما ظهرت، لكنها ستترك أثرًا عفِنًا على كل ما حولها، وستنزع صفة “المعارِضة” بلمحة بصر، كما اكتسبتها، وستعود لمكانها الصحيح، حيث يجب أن تكون.
لا يعني الأمر جهة محددة، أو شخصًا بعينه، بل شريحة واسعة من صيّادي الفرص، يسعون ليكون لهم قدم هنا وقدم هناك، عين على هذا وعين على ذاك.
محظوظ هو النظام الذي يمتلك هذا الكم من باعة المواقف، وحزينة هي الثورة التي عليها أن تُغربل كل هذا الكم من الفطر السام.