يؤخذ على التيار الإسلامي إطلاقه شعارات إسلامية تبعث برسائل خاطئة وغير مُطَمْئِنَةِ للآخرين، تلك الشعارات تحمل في عناوينها ومضموناتها رفض الشراكة مع رفاق الهمِّ الوطني والإنساني، وتنطوي على فكر استحواذي للقرار الوطني، وتقدِّم الإسلام السياسي بعدّه حزبًا قائدًا للدولة والمجتمع.
تتصدر “البروباغندا” الإسلاموية أربعة شعارات، تدفع العاملين في الشأن الوطني، من غير الإسلاميين، إلى اليأس من إمكانية التوافق أو التحالف مع الإسلامويين في المعركة ضد الاستبداد؛ ما يعرقل جهد الخلاص منه، ويمنحه عمرًا أطول؛ لتزداد معاناة المستضعفين.
الشعار الأول: الإسلام هو الحل
هذا الشعار المدغدغ لعواطف الإسلاميين؛ الحامل في طياته خيرًا كثيرًا للإنسانية؛ أفرغه التوظيف السياسي من محتواه؛ إذ يقدم الإسلامَ السياسي على أنه القائد للدولة والمجتمع، والبديل الشرعي للاستبداد.
ويحمل في طياته -أيضًا- امتلاكَ الصوابية المطلقة للرؤية التي يحملونها، وهم يقدمون أنفسهم سياسيًا للمجتمع، فإذا كان الإسلام يمثل الصواب، وهذا اعتقادي، فإن الرؤية والمنهج والسلوك عند الإسلامويين ليست كذلك؛ ولو أن أصحاب هذا الشعار يملكون روحًا تشاركيًة لغيروا شعارهم هذا، فقالوا: في الإسلام حلٌ.
ما الفارق بين الشعارين
الأول يُقصد به أن الحل الذي يطرحه غير الإسلاميين؛ لا يلائم مجتمعنا، وهذا ليس صحيحًا، كما أن الشعار ذاته بات ذا دلالة سياسية تخص جماعة “الإخوان المسلمون” حصريًا. أما إنْ أبدلناه بشعار “في الإسلام حل”، فإنه سيبعث رسالة إلى الآخرين بأن حامله يمتلك رؤية بشرية ذات منبع ديني، تتشارك معهم في إيجاد حل، من خلال التقاء النقاط البيضاء الموجودة عند كل طرف من الأطراف الوطنية؛ حتى تنتج مشروعًا وطنيًا يخلّص المجتمع من استبداد تغولَ كثيرًا ضد المستضعفين المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
الشعار الثاني: الإسلام صالح لكل زمان ومكان.
هذه “الديماغوجية” التي يُراد تمريرها؛ لكسب حامل اجتماعي ذي انتماء إسلامي لمشروع سياسي، لا علاقة للدين بها، فالشعار، مثلما يطلقه أصحابه ممن لم يفهموه كما طرحه علماء أصول الفقه؛ أو ربما فهموه، ولكنهم يستخدمونه لتمرير مشروعهم السياسي على الطبقة الاجتماعية المتدينة.
فالواجب على من يرفع هذا الشعار أن يوضح فهمه وتطبيقه له، ويُبين لماذا طرحه علماء الأصول؟ وكيف فسروه؟ فالشعار ذاته يوجب علينا، بوصفنا إسلاميين، أن نقتنع قبل غيرنا بأن فهم النص متغير ومتبدل، بحسب حاجات وضرورات المجتمع المتجددة؛ نتيجة المعاصرة. فالنصوص ثابتة، وهذا مما لا شك فيه، لكن الوقائع والأحداث متحولة ومتغيرة، وقياس المتحول على الثابت قياس فاسد ومسيء إلى الثابت.
علماء الأصول أرادوا من هذه القاعدة التي جعلها الإسلام السياسي شعارًا، يدغدغ به عواطف المتدينين، أن يكون الاجتهاد في الثابت؛ كي يصبح متوافقًا مع المتحول؛ حتى لا تتناقض مقاصد النص مع مستحدثات الحياة.
مقابلة الثابت بالمتحول ستؤدي إلى ردّة إلى الماضي؛ لتستلب العقل تاريخيًا؛ ما يؤدي إلى إصابة التفكير الجمعي الديني بـ “شيزوفرنيا” اجتماعية مع عصره؛ تؤدي إلى سلوك غير طبيعي في التمييز بين متطلبات العصر ومساكنة التاريخ؛ وتوحي بعجز النص عن معاصرتها، ما يعيق حركة المجتمع تنمويًا؛ ويعرقل تحضره علميًا.
ولكي ننجو من هذا المرض، والتعارض بين الشعار ومقاصده؛ وبين التاريخ والمعاصرة، ليس أمامنا إلا أن نجتهد في الثابت، مادام تثبيت المتحول مستحيلًا، فالعبادات لا تحتاج إلى اجتهاد؛ لكنّ التعاملات تحتاج إلى اجتهادات شجاعة؛ لتحقق العدالة الاجتماعية التي هي روح النص الديني ومقصده الدنيوي.
أما النصوص غير المقدسة، كالأحاديث النبوية المختلف حولها والمخالفة للخط القرآني، فإن تجاوزها لتحقيق العدالة الاجتماعية والتشاركية الإنسانية التي أمر بها القرآن الكريم، أرقى دينيًا وأخلاقيًا من إيقاع الظلم بذريعة الالتزام بنص(آحاد)متعارض مع المقصد القرآني، وهذه قيمة إنسانية، أكدتها رسالات السماء كلها، وتخالف مفهومَ من يرى وجوب التمسك بنص ما، على علته؛ والعمل به؛ حتى ولو قسم المجتمع عموديًا. فكلمة التوحيد غايتها توحيد الكلمة لا تفريقها.
فجميع الأحاديث التي تهدر دماء المخالفين أحاديث(آحاد)، أي: إنها ظنّية؛ فكيف نستند إلى ظني لنَحْكم به على الناس، ونحن أُمرنا أن نحكم بينهم لا عليهم؛ والحق سبحانه وتعالى طالبنا بأربعة شهود عدول في قضية الزنا؛ والزنا أقل من الدم.
الشعار الثالث: تطبيق الشريعة الإسلامية
من درس القرآن الكريم، وقرأ كتب الأحكام؛ سيلاحظ أن آيات الأحكام لا تتجاوز (250) آية بعد حذف المكرر منها، في حين أن آيات القرآن الكريم تزيد على 6200 آية، ماذا يعني هذا؟ يعني أنّ تطبيق الشريعة الإسلامية هذا الشعار الذي يطالب التيار الإسلاموي بتطبيقه؛ ويمثل نقطة اختلاف كبيرة بينه وبين التيارات الأخرى، لا يمثل من الرسالة القرآنية إلا أقل من 1 بالمئة.
آيات الأحكام تتضمن العبادات والمعاملات والأخلاقيات والعقوبات؛ الشريعة الإسلامية من خلال الطرح القرآني والسلوك النبوي؛ جاءت -أولًا- للمجتمع المتدين؛ ولا تُطبق على غير المتدينين! ودعوة تطبيقهم للشريعة يُراد منها تطبيق العقوبات وحسب! وهذا الذي مارسوه سلوكيًا في الحالة السورية، وهذا يعني أن حديثهم عن الشريعة المقصود به الحدود فحسب، والحدود لا تتجاوز واحدًا في المئة من الشريعة؛ ولا يطبقون بقية الشريعة التي تحافظ على أمن المجتمع وسلامته.
إصرارهم على تطبيق الحدود يُراد منه إبراز الوجه العقابي للإسلام، وإخفاء الوجه التسامحي له، فالإسلام لا يكتمل عندهم إنْ لم يرجم ويجلد ويقطع ويكفِّر ويفجِّر! ويعتقدون أن للنص فهمًا واحدًا يتمثل بفهم مراجعهم؛ وهذه إساءة إلى الشريعة، وليس تطبيقًا لها.
الشعار الرابع: دولة الخلافة
مع تقدم حركات الإسلام السياسي على مسرح الربيع العربي، عاد شعار الخلافة للظهور بقوة؛ ليصبح شعار منظري الإسلام السياسي؛ لما له من وقع مثالي في مخيلة المسلم؛ لارتباطه بشكل النظام العادل للخلافة، والخلاص من الاستبداد والاستعباد؛ علمًا أن الخلافة لم تكن في عهد الأمويين والعباسيين وصولًا إلى العثمانيين كذلك.
هذا الشعار لا يحمل روح الواقعية، ولا ينمُّ عن وعي سياسي للتطور الكبير الذي طرأ على هيكل الدولة المعاصرة، فالدولة كالكائن الحي تخضع لصيرورة الانتقال وسيرورة التحول، وهذا ما غاب عنهم وهم يحلمون بالخلافة.
نظام وشكل دولة الخلافة كان صالحًا للعصر الإمبراطوري؛ وحين استُحدثت الدولة في الإسلام راعت هذا النمط، أما اليوم فالعالم تجاوز ذلك كثيًرا، وأمست الدولة الحديثة دولة المواطنة الخادمة للمواطن؛ وليس لها دين؛ لأنها مؤسسة إدارية، مهمتها إدارة المجتمع، بجميع مكوناته، بالعدل والمساواة، مهما كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية.
شعار الخلافة مستحيل التطبيق اليوم؛ وهو نوع من أنواع بيع الوهم للمسلمين؛ لأنه يستوجب قهر الآخرين على الإسلام أو الجزية! والجزية لم يعد لها وجود اليوم، وتطبيق أحكام فقهية على أهل الذمة؛ ولم يعد في عصرنا وجود لأهل الذمة؛ لأنهم أصبحوا مواطنين لا ذميين.
والخلافة تستوجب توافقًا مستحيلًا بين الأمة الإسلامية على خليفة، هل هو قرشي، أم شيعي، لأن آل البيت يرون أنفسهم أصحاب الحق الإلهي في القيادة! أم لحزب التحرير الذي جعلها عموده الفقري، أم لـ “الإخوان المسلمون” الذين يعملون من أجلها منذ قرن، أم من حق الأتراك لأنهم آخر سلاطين الخلافة؟ فهل نحن قادرون على مثل هذا التوافق؛ أم أن الخلافة شعار يُراد منه السلطة، وكيف سيتصرف الخليفة مع العلمانيين؟ أيأخذ منهم الجزية، أم يُقيم عليهم حدّ الردة، أم ينفيهم من الوطن؟
إننا أمام شعارات صادقة؛ تستخدمها جماعة سياسية تريد السلطة باسم الله! إنها شعارات إسلاموية لا إسلامية.