شهدت الأيام القليلة الماضية، عودة الجدل القائم حول مصير مدينة الرقة التي يعدّها تنظيم الدولة الإسلامية عاصمة له، خاصة بعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد الماضي، أن “الهدف النهائي للعملية العسكرية التركية في سورية، هو طرد التنظيم من المنطقة، بما فيها الرقة، وليس من مدينة الباب فحسب”، وقال الرئيس التركي: إن القوات التركية ستنسحب من سورية “فور تطهير المنطقة من تنظيم الدولة، و(وحدات حماية الشعب) الكردية”.
في حين قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، الأسبوع الماضي، بأن تركيا قدمت خطة مفصلة لإخراج تنظيم الدولة من الرقة، وأن مشاورات استراتيجية تجري الآن مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.
تأتي التصريحات التركية هذه، في ظل العملية العسكرية التي تشنها ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” التي أطلقت عليها اسم “غضب الفرات”؛ بهدف السيطرة على مدينة الرقة وطرد التنظيم منها، بحسب أقوالها، بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ما يوحي ببوادر تغير في الموقف الأميركي تجاه التعاطي مع تركيا، خاصة بعد رفض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للخطة التي وضعتها الإدارة السابقة لمهاجمة الرقة، وتتضمن تسليح مقاتلين أكراد وتدريبهم، بسبب عدم تنسيق العمليات مع روسيا أولًا، وغياب استراتيجية واضحة لتهدئة تركيا ثانيًا، وثالثًا لعدم وجود خطة طوارئ في حال تعرقل الهجوم الكردي.
كما أن التصريحات الأخيرة للرئيس التركي، جاءت بعد أيام -فقط- من الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تبعته زيارة المدير الجديد لوكالة الاستخبارات الأميركية “سي أي أيه”، مايك بومبيو، إلى تركيا، في أول رحلة خارجية له منذ توليه منصبه، إذ رأى مراقبون أن الاتصال الهاتفي، وزيارة المسؤول الأميركي محاولة لرأب الصدع الذي شاب العلاقات بين أنقرة وواشنطن خلال فترة الرئيس باراك أوباما، ووصلت حد اتهام الولايات المتحدة بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في 15 تموز/ يوليو الماضي، إضافة إلى الغضب التركي من الدعم العسكري لـ “وحدات الحماية الشعبية” التي تتهمها تركيا بأنها الذراع العسكرية لـ “حزب العمال الكردستاني” في سورية، وهو واحد من الأسباب التي دفعت تركيا إلى التقارب مع روسيا، على حساب العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية التي كانت حتى وقت قريب أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط.
التقارب التركي- الأميركي سرعان ما انعكس على الأرض، من خلال القصف الروسي للقوات التركية في مدينة الباب، وهو ما بررته وزارة الدفاع الروسية بأنه “حدث بالخطأ”، لكن قيادة الجيش التركي قالت: إن روسيا أُخطرت قبل يوم بوجود القوات التركية، وهو ما يرجح فرضية استشعار روسيا لخطر التقارب التركي- الأميركي على مصالحها في سورية، وحاولت توجيه رسالة لتركيا من خلال استهداف قواتها في مدينة الباب، خاصة أن رد تركيا جاء مباشرًا باستهداف القوات السورية التي تحاول التقدم باتجاه مدينة الباب.
على الجانب الآخر يبدو أن ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” التي تشكل “وحدات الحماية” عمودها الفقري، بدأت تستشعر خطر التقارب التركي الأميركي، خاصة أنها تدرك تمامًا بأن ثمن هذا التقارب، هو التضحية بها من الولايات المتحدة الأميركية؛ لإرضاء تركيا بأي صفقة مستقبلية، وهو ما يفسر توقيعها اتفاقًا يفضي إلى تسليم عدة قرى وبلدات عربية في ريف حلب الشمالي كانت قد احتلتها في وقت سابق لقوات النظام وبرعاية روسية.
من السابق لأوانه الحديث عن تطور العلاقات الأميركية- التركية، ومستقبل العملية العسكرية التركية في سورية، قبل الانتهاء من معركة الباب، فهناك كثير من المسائل العالقة، وتحتاج إلى مزيد من الوقت كي تتضح معالم الرؤية الأميركية الجديدة للشرق الأوسط عمومًا، ولسورية خصوصًا، إضافة إلى أن أبعاد التصعيد الأميركي ضد إيران ومشروعها التوسعي في الشرق الأوسط، سيكون له انعكاس كبير على شكل هذه التحالفات في المستقبل القريب والمتوسط.