الحرب التي لا نهاية لها. (تصوير: جورج أورفليان/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور غيتي)
إن أكثر الأدوار وضوحًا ذاك الذي لعبه الرئيس الأميركي ترامب في الصراع البائس في سورية، بشيطنته التي لا هوادة فيها قضية اللاجئين السوريين.
لكن الحرب مازالت تستعر ببطء، والبيت الأبيض، عاجلًا أم آجلًا، سيتوجب عليه أن يتعامل مع تعقيدها، وقد تحتاج أيضًا إلى مواجهة الأدلة المتزايدة على الفظائع التي ارتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
أصدرت هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch issued a report يوم الإثنين، 13 شباط/ فبراير، تقريرًا حول استخدام النظام المزعوم لقنابل الكلور، في أثناء حملته الناجحة آواخر العام الماضي لاستعادة آخر الأراضي التي كان يسيطر عليها المتمردون في مدينة حلب، ووثقَّت المنظمة الحقوقية لا يقلَّ عن ثمانية هجماتٍ منفصلة بغاز الكلور، قبل التوقيع على وقف إطلاق النار في 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، إذ “أسفرت هذه الهجمات عن مقتل تسعة مدنيين، من بينهم أربعة أطفالٍ، وإصابة ما يقرب من 200،” حسبما ذكر زميلي توماس جيبون- نيف.
وأضاف: “إذا تأكدّت هذه الهجمات ستكون خرقًا واضحًا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية لعام 1993 التي وقعت عليها سورية عام 2013.”
في تلك السنة، كادت إدارة أوباما أن تذهب إلى شن حرب ضد نظام الأسد، لدوره في هجومٍ بغاز السارين أودى بحياة المئات من المدنيين، لكنها اختارت في نهاية المطاف، عدم شنّ غاراتٍ جوية عقابية، وذلك جزئيًا؛ بسبب اتفاقٍ توسطت فيه موسكو، وقبلت فيه سورية التوقيع على الاتفاقية، وتعهدت بالتخلي عن مخزونها من الأسلحة الكيماوية، ومع ذلك، يبدو أنَّ الهجمات الكيماوية تواصلت.
تقريرٌ منفصل، أصدّره يوم الإثنين الماضي، المجلس الأطلسي، بعنوان “تدمير حلب، “Breaking Aleppo,”، أكدَّ فيه -أيضًا- استخدام الأسلحة الكيماوية، فضلًا عن استهداف النظام الواسع والمتعمد للمناطق المدنيّة في المدينة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمخابز، إذ استند التقرير في تحليله إلى دراسةٍ مستفيضة لصور الأقمار الصناعية، وروايات شهود العيان، وتسجيلات كاميرات المراقبة، وانتقد التقرير كلًا من الحكومة الروسية التي ساعدت النظام في حملة قصفٍ جويّ، وإيران التي قاتلت ميليشياتها بالوكالة على الأرض، جنبًا إلى جنب مع قوات الأسد.
“الكشف الأكبر لهذا التقرير ليس بالضرورة أنَّ تلك الهجمات كانت تحدث، ولكن المجال الذي كانت تحدث فيه”، قال إليوت هيغنز، وهو زميلٌ بارز في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي للمجلس الأطلسي، لشبكة CNN.
ربما جاء الكشف الأكثرُ ترويعًا الأسبوع الماضي في تقرير منظمة العفو الدولية، an Amnesty International report الذي قال إنَّ النظام نفَّذ حملة إعداماتٍ جماعية بين عامي 2011 و2015، وشنق ما يصل إلى 13،000 معارضًا مشتبهٍ بهم في ذلك الوقت.
من جهته نفى الأسد تلك الاتهامات في مقابلةٍ مع ياهو نيوز يوم الجمعة 10 شباط/ فبراير، وحذَّر بشدةٍ من أنَّ بعض الناس من اللاجئين الذين تصل أعدادهم إلى ما يقرب من 5 ملايين لاجئ سوري يقبعون الآن خارج وطنهم، هم في الواقع “إرهابيين”، حيث صاغَ الأسد الحرب وكأنَّها معركةً تتصارع فيها حكومته ضد هؤلاء “الإرهابيين”-القوات الجهادية الشريرة- المدعومة من قوى أجنبية غامضة.
يُمجّد الأسد ومؤيدوه نجاح وقف إطلاق النار في نطاقٍ ضيق، وتدابير “المصالحة” في مدن متعددة، وفي الأحياء التي كان يسيطر عليها المتمردون يومًا ما.
المفارقةُ هي أنَّ رواية الأسد تلاقي الترحيب من البيت الأبيض في عهد ترامب، الذي أوضح أنَّه غير مهتمٍ بإثارة تغيير النظام في سورية، ويريد ببساطةٍ أن يتعامل مع تهديد الدولة الإسلامية.
الحلُّ الرئيس بالنسبة للبيت الأبيض بشأن الكارثة الإنسانية في سورية -بعد إغلاق الباب أمام اللاجئين- سيكون إنشاء مناطق آمنةٍ في شمالي البلاد، وهو حلٌ اقترحه سياسيون متباينون، مثل هيلاري كلينتون والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكنَّ مسؤولي ترامب لزموا الصمت إلى حدٍ كبير حول الكيفية والطريقة التي ستحقق هذا الهدف، إذ يشير الخبراء إلى أنَّ مثل هذا التدخل في حد ذاته سيكون استفزازيًا، ومن المرجح أن يُعارضه النظام السوري، وحليفته روسيا في مجلس الأمن. حتى ذلك الحين، قد لا تكون المناطق الآمنة بمثل ذلك الأمان.
“إنَّ الهدف من هذا النوع من المشروعات يمكن وصفه بأنَّه إنسانيٌّ في الأساس، ولكن الواقع هو أنَّ أيّ عددٍ من الأطراف، بدءًا من نظام الأسد، والدولة الإسلامية، سيعدون ذلك بمنزلة تهديدٍ، وهذا سيجعل المناطق الآمنة هدفًا، بدلًا من أن تكون مكانًا آمنًا،” مثلما قال دانيال بايمان، أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، لصحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”.
تُدير الآن، كلًّ من روسيا وإيران وتركيا عملية السلام السورية التي تتقدم بخطوات بطيئة، ومن المتوقع أن تجرى جولةً جديدة في وقتٍ لاحق من هذا الأسبوع في العاصمة الكازاخستانية، أستانا، إذ تجلس الولايات المتحدة في مقعدٍ خلفي؛ لأن أنقرة وموسكو اللتين كانتا ذات يومٍ على طرفي نقيض في الصراع تشددان -الآن- على التعاون الوثيق، وتؤكدّان عدم الأهمية المتزايدة للولايات المتحدة في نهاية اللعبة السورية.
“في أعقاب تدمير حلب، ترث إدارة ترامب أضعف موقفٍ الولايات المتحدة، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، بل وفي سورية المدمرة برمتها،” خلص تقرير المجلس الأطلسي.
لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت إدارة ترامب لديها الرغبة القوية لتحسين هذا الوضع.
اسم المقالة الأصلي | The Syrian war isn’t stopping for Trump |
الكاتب | إسهان ثأرور، Ishaan Tharoor |
مكان النشر وتاريخه | واشنطن بوست، The Washington Post، 14/2/2017 |
رابط المقال | https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/02/14/the-syrian-war-isnt-stopping-for-trump/?utm_term=.4d44a5617597 |
ترجمة | أحمد عيشة |