أعادت معارك “البنيان المرصوص” في مدينة درعا، جنوبي البلاد، خلط الأوراق مجددًا في ما يخص الملف السوري، ليس على مستوى التفاهمات الإقليمية الدولية فحسب، وإنما على صعيد التأثير في القرار الوطني للفصائل العسكرية في الداخل، ومدى تحكم الدول الداعمة، بتحركاتها وحدود معاركها.
المعلومات الواردة من درعا، تؤكد أن الفصائل المنضوية في تحالف “البنيان المرصوص” شنت معركتها الأخيرة “الموت ولا المذلة” التي تستهدف طرد قوات النظام والميليشيات الحليفة له من آخر مواقع سيطرتها داخل المدينة، دون تنسيق مع غرفة “الموك” صاحبة القول الفصل في الجنوب، بل إن بعض التسريبات أفادت، أن الموك ضغطت بقوة لإيقاف المعارك، إلا أن “البنيان” رفضت كل الضغوط، وربما إغلاق الحدود الأردنية في وجه الجرحى السوريين، يعزّز وجهة نظر أصحاب هذا الرأي.
في المقابل يعد كثير من ناشطي الجنوب أن معركة “الموت ولا المذلة” في هذا التوقيت بالذات، لا يمكن أن يأتي إلا في سياق تفاهمات بين العديد من الدول الفاعلة في الصراع، موضحين أن صمت الجبهات جنوب سورية طوال الفترة الماضية، كان بفعل الضغوطات الخارجية، ولا يمكن فهم ما يجري حاليًا من معارك، لتحرير مناطق غاية في الأهمية عن هذا السياق.
وقال الناشط مهند الحوراني لـ(جيرون) إن :”جميع الأسئلة المتعلقة بتوقيت المعركة وتأثير أطراف إقليمية في قرار إطلاقها مشروعة، ولكن الأهم الآن أن (الموت ولا المذلة) حققت تقدمًا كبيرًا، وبات ممكنًا جدًا الحديث عن مدينة درعا محررة بالكامل، وأعتقد بأن تصوير القضية على أن الجيش الحر ليس سوى أحجار على رقعة شطرنج تتحكم بحركتها أطراف خارجية، فيه كثير من المبالغة، فلو لم تتحرك فصائل درعا البلد، باتجاه المنشية لقطع الطريق على النظام وحلفائه في محاولاتهم للسيطرة على الجمرك ومعبر نصيب، لكانت الثورة في الجنوب في وضع صعب للغاية، خاصةً في ظل حديث عن مفاوضات تجري لإنتاج حل ما، أمام التراجع الميداني الكبير للثورة، من هنا لا يبدو الحديث عن مدى استقلالية قرار إطلاق المعركة هامًا بقدر أهمية ما يمكن أن تحققه المعركة، فيما لو وصلت إلى أهدافها كاملةً”.
رأي الحوراني ليس وحيدًا أو معزولًا في سياق الحديث عن معركة “الموت ولا المذلة”، إذ هناك كثير من الناشطين في حوران يؤكدون بأن “البنيان المرصوص” شنت معركتها بناء على معطيات تتعلق بطبيعة الأوضاع الميدانية على الأرض، وردًا على تحركات النظام في الآونة الأخيرة، والهادفة إلى خنق الثورة في الجنوب، ولا سيما في درعا البلد مهد الثورة السورية، وصولًا إلى سيناريوهات التسوية و”المصالحة الوطنية”، موضحين أن ما يعزز من فكرة استقلالية اتخاذ القرار بالتخطيط وبدء الهجوم هو “التزام بعض الفصائل الكبيرة في الجنوب الصمت تجاه ما يحدث في درعا المدينة، لارتباطهم بتفاهمات مع غرفة الموك، وهو ما يضاعف من الصعوبات والضغوطات على الفصائل المشاركة في المعركة”.
من جهته يرى الناشط رياض الزين أن “الحديث عن أسباب وأبعاد تحرك الجبهات في الجنوب، بهذا التوقيت، لا يخرج عن سياق كيل الاتهامات للجنوب. هل هذا هو الوقت المناسب للحديث في هذه المسائل”؟
وأضاف في حديث لـ (جيرون) أن “ما يحدث في درعا ملحمة حقيقة أعادت الروح إلى الثورة، خاصةً وأن المعارك تدور في مهد الثورة درعا البلد، والأهم أن النظام وحلفائه يردون بمحرقة حقيقية ضد المناطق الآهلة بالسكان، في حين ينشغل بعضهم في تحليل استقلالية قرار المعارك”، لافتًا إلى أن “هدف المعركة واضح وفي حال تحقق، فهو نصر كبير للثورة عسكريًا وسياسيًا، ونحن هنا لا نشكك بنوايا أحد، ولكن هناك شعور عام بالظلم في الجنوب، لأن الإعلام لم يفِ الأحداث الجارية حقها، إنسانيًا على الأقل، وانشغل بتحليلات بعيدة تمامًا عن وظائف ودور الإعلام المؤيد للثورة في مثل هذه الظروف”.
تبدو المعارك الدائرة في مدينة درعا ماضيةً -حتى اللحظة على الأقل- لتحرير كامل المدينة من قوات النظام السوري ومن يساندها، كما تؤكد العديد من المصادر العسكرية في “البينان المرصوص”، وتبقى مسألة الوصول إلى تحقيق أهدافها كاملةً، مرتبطة بالعديد من العوامل، منها مدى قدرة الفصائل المشاركة في المعركة، على الاستمرار والصمود، وما يمكن أن تحوزه من دعم داخلي من بقية الفصائل، يضاف إليها غطاء سياسي هي حكمًا بحاجته، وإن كان ناشطو درعا يعتبرون أن ما تحقق حتى اللحظة كافٍ لاعتباره انتصارًا، بغض النظر عما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من احتمالات.
وكانت مجموعة من الفصائل العسكرية في تحالف “البنيان المرصوص” شنت قبل خمسة أيام، هجومًا كبيرًا على مواقع قوات النظام وميليشياتها داخل حي المنشية، وسيطرت على أجزاء واسعةً منه، بعد أن كبّدت الأخيرة خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، فيما تؤكد العديد من المصادر الميدانية، أن أهداف المعركة تتجاوز مجرد تحرير حي المنشية، إذ هي ماضية نحو تحرير كامل المدينة، وإنهاء طموحات النظام وحلفائه بالوصول إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن.