قضايا المجتمع

دبس العنب القلموني… صناعة نقية من منكهات العصر

حافظت صناعة دبس العنب، على طابعها التقليدي والمحلي في مدن وبلدات القلمون الشرقي في ريف دمشق، إذ يكتسب فيها دبس العنب سمعة حسنة؛ لخلوه من المنكهات الصناعية، ولطريقة صنعه التقليدية على مواقد النار حصرًا، ويحرص أهالي القلمون الشرقي على تحضيره مع كل موسم قطاف عنب، تقليدًا متوارثًا عن أسلافهم.

حول طريقة تحضير وإعداد دبس العنب، أوضح الحاج علي الباشا، وهو صاحب إحدى معاصر الدبس التقليدية العريقة في مدينة الرحيبة، أن أهالي القلمون يحرصون على تحضير الدبس سنويًا، لكونه يندرج ضمن أهم التقاليد القديمة التي ما تزال متوارثة من جيلٍ إلى جيل، إضافةً إلى الانتشار الواسع-سابقًا- لزراعة العنب في عموم محافظة ريف دمشق.

وأوضح في حديثه لـ(جيرون):  “تحتاج صناعة الدبس لجهد عدة أشخاص، وتبدأ أولى المراحل في صناعته مع نهاية فصل الصيف، في أيلول/ سبتمبر، وهي الفترة التي يكون نضوج العنب فيها قد اكتمل”، مشيرًا إلى أنه “تُفرز عناقيد العنب فور الانتهاء من عملية جني المحصول من الكروم، بغية الحصول على أجودها، وبعد ذلك تغسل جيدًا بالماء لإزالة الأتربة والأوساخ عنها، ثم تفرط العناقيد ويستبعد التالف منها، لتبدأ مرحلة عصر العنب، بوضع الحبّات في أحواضٍ حجرية مخصصة تسمى “المداعس” أو المعاصر، وهي عبارة عن دولابٍ حجري، يُجرّ فوق العناقيد، وهو ما يحتاج إلى مجهود عضلي كبير”.

وأضاف: “يهرس العنب في الأحواض، مع الأخذ في الحسبان ارتداء لباسٍ مخصص في عملية العصر، ثم يؤخذ العصير الناتج، ويوضع في أكياسٍ قماشية معلقة، في داخل كلٍ منها تراب أبيض، يسمى (الحوّار)، والغاية منه تنقية العصير، وإزالة الشوائب والحموضة منه، ليترك العصير على حاله لمدة يومٍ كامل”.

يؤخذ العصير في اليوم التالي-يضيف الباشا- و”يوضع في قدورٍ كبيرة تسمى (الدست) ليُغلى على نارٍ قوية توقد من الحطب، ويترافق مع عملية الغلي إزالة الرغوة عن سطح الدست باستمرار، حتى يصبح دبقًا وكثيفًا كالعسل، ثمّ يترك العصير إلى اليوم الذي يليه ليبرد، وينزل (الحوّار) إلى قاع القدر، ومعه بقايا صغيرة من القش والبذور وغيرها، وبعدها يُعبأ في أوعيةٍ بلاستيكية أو زجاجية خاصة، تغلق جيدًا إلى حين استعمالها”.

وفي ما يخص استخدامات دبس العنب، قالت السيدة إحسان يونس: إن لدبس العنب استخداماتٌ متعددة في الطعام، كما أن أكثر العائلات في منطقة القلمون الشرقي “تسارع إلى الحصول على دبس العنب، خاصةً في فصل الشتاء، لأنه يعطي طاقةً ودفئا، حيث يؤكل بالخبز بعد وضع طحينة السمسم عليه خصوصًا عند الإفطار، وكذلك يستخدم في التحلية عوضًا عن مادة السكر، وفي صنع الحلويات المنزلية ومعالجة نزلات البرد”. بحسب وصفها.

بدوره، نوّه الطبيب باسل المصري، طبيب مختصٌ بأمراض القلب والأوعية الدموية، بالفوائد الكثيرة للعنب قائلًا: “يحتوي العنب عمومًا على نسبٍ عالية من الفيتامينات، والأملاح المعدنيّة، وهو غنيٌ بأحماض الفاكهة المفيدة التي تساعد في تأمين نعومة الجلد، وهو غنيٌ بمادة التانين والألياف الغذائية، التي تسهم في إنقاص نسبة الكوليسترول في الدم وتنظيم السكر، أما قشر العنب فيحتوي على مركبٍ يحارب الشيخوخة، ويحمي من أمراض السكري والسرطان”.

وأضاف في حديثه لـ (جيرون) أن دبس العنب “يمتاز باحتوائه على نسبةٍ كبيرة من المعادن، وأهمها معدن البوتاسيوم الذي يقي من ارتفاع ضغط الدم، ومعدن الكالسيوم المقوي للعظام، وهو يساعد الجسم في مقاومة كثير من الأمراض، ومنها فقر الدم؛ لغناه بمادة الحديد، فضلاً عن أنه يقوّي الدورة الدموية”.

توفر صناعة الدبس، وفقًا لما أشار إليه الباشا، دخلًا ماديًا لا بأس به للعاملين في هذا المجال. ويصل سعر الكيلو غرام إلى 1200 ليرة سورية (2 دولار أميركي تقريبًا)، ويحظى المنتج بطلبٍ وإقبال جيد في الأسواق المحلية والعربية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق