تحولت النساء في المناطق الخاضعة لسيطرة الإسلاميين في الشمال السوري إلى أهداف لما يسمى “جهاز الحسبة” التابع لـ “هيئة تحرير الشام”؛ إذ تُلاحَق النساء والطالبات، ويُفتَّش عن مدى مطابقة لباسهن لـ “الشريعة”؛ ما يفرض عليهن أوضاعًا حياتية صعبة، ولا سيما أن بعض النساء لا معيل لهن، ويضطررن إلى الخروج لتلبية متطلبات الأسرة، وبعض الطالبات تركن المدارس من جراء هذا التضييق.
يتخذ جهاز الحسبة في إحدى مدن ريف إدلب مقرًا لهُ وسط المدينة، ويضم ما يزيد على 50 شخصًا، معظمهم من الأجانب، يتوزعون المهمات في ما بينهم. يتولى بعضهم أمور المدينة، في حين يشرف فريق آخر على أمور المؤسسات التعليمية، كـ “المدارس، المعاهد الخاصة”، لكن يبقى “جهاز الحسبة” السلطة الأعلى، إذ يتخذ قراراته دون الرجوع إلى قضاء المدينة.
وقالت لينا، أم عارف، من ريف إدلب لـ “جيرون”: “إن جهاز الحسبة في “تحرير الشام” كالأشباح السوداء، هم بيننا في كل مكان وزمان، يترقبون حركتنا وملبسنا وكأنهم أولياء علينا، ويعدون ملاحقة المرأة واجبًا شرعيًا في الإسلام، ويتجولون في الطرقات والأماكن العامة، مثلما تفعل مجموعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في السعودية، لكن لم نر منهم أي معروف، فكل ما رأيناه أشباح سود تُلاحقنا بكامل عتادها، الجعبة والسلاح، وكأنها في معركة ضدنا”.
وأضافت أم عارف: “إلى متى ستبقى المرأة السورية تحت حكم سوادهم المليء بالعنف”، لافتة إلى أن انتشارهم الواسع في المدينة زرع الخوف في قلوب النساء، وعلى أثر ذلك اتخذت المرأة من بيتها سجنًا، خوفًا من “الحسبة”، مؤكدة أن هناك بدائل أفضل من طرقهم الوحشية التي يتبعونها مع النساء، وهي من الشريعة الإسلامية، مثل النصح واللين والقول الحسن، وليست من اجتهاداتهم التي تتناقض وأدنى حقوق البشر”.
من جهتها؛ قالت جُهينة، طالبة في المرحلة الثانوية، لـ “جيرون”: “إن عناصر الحسبة، يلزمون الفتاة بلبس العباءة الطويلة، ويتكلمون معها وكأنها جارية عندهم، ويستخدمون الصراخ بدلًا من الكلام الهادئ، ويهددونها بالسجن إن لم تلتزم بأوامرهم”.
وأضافت: “في كل يوم، وفي أثناء ذهابنا إلى مدارسنا، نجد عناصر الحسبة منتشرين في ساحة المدينة، وعلى أبواب المدارس، وكأنهم مستنفرين للقتال، لكن في الحقيقة أن انتشارهم واستنفارهم هذا لأجل الطالبات، ومُلاحقتهن لأجل ملبسهن؛ ما يدفع كثير من الطالبات للرجوع إلى منازلهن، بل إن بعضهن اتخذ قرارًا بترك المدرسة؛ كي لا يتعرضن لـ (شتائم) الحسبة”.
وقالت: إن “معظم مدارسنا باتت خالية من الطالبات، وأن التعليم يدمّره النظام وروسيا بقصفهما المدارس وقتل الطلاب، من جهة، وجهاز الحسبة بتضييقه على حركة الطالبات والتدخل بلباسهن، من جهٍة ثانية”.
وكان جهاز الحسبة التابع لـ “هيئة تحرير الشام” قد تشكل بداية عام 2015، بعد أن سيطرت الهيئة على أماكن سيطرة “الجيش السوري الحر”، في الريف الجنوبي والغربي من محافظة إدلب، وباتت تسير على خطا تنظيم الدولة الإسلامية في أماكن سيطرتها، واختصت “الحسبة” بالعمل في تطبيق الشريعة الإسلامية على النحو الذي تفهمه، لا على النحو السمح واللين الذي تتصف به الشريعة الإسلامية، وبأساليب غير أخلاقية.
وكان أعضاء من الحسبة، قد دخلوا، دون سابق إنذار، إلى مدرسة العروبة للبنات في مدينة إدلب، وجمعوا النساء “فتيات المدرسة والمعلمات والإداريات”، وبدأت عملية تفتيش حول ملابسهن، طردوا في إثر ذلك مجموعة من الفتيات اللواتي كن يرتدين أثوابًا أقصر بخمسة سنتيمترات من الأرض، وطلبوا منهن مغادرة المدرسة فورًا.