ترجمات

رَوْسَنة أميركا… عندما تكون الولايات المتحدة مشتتة

نائب الرئيس مايك بنس يصل إلى ميونخ الأسبوع الماضي. تصوير ميكائيلا ريهله /رويترز

كان مؤتمر الأمن في ميونخ هذه السنة مختلفًا؛ إذ دافع فرنسي عن حلف شمال الاطلسي ضد الرئيس الأميركي، وكان وزير الخارجية الروسي هنا، بينما لم يكن وزير الخارجية الأميركي الوهمي موجودًا.

كانت البداية سريالية لوصف الإجراءات في هذا التجمع السنوي، دافوس السياسة الخارجية. هذا هو ما يحدث عندما تكون الولايات المتحدة مشتتة. الحلفاء عصبيون، ولا يعرفون ما الذي يجب أن يصدقوه. “اتصالات ترامب غير المنضبطة تقلق العالم”، قال لي جون كاسيتش، الحاكم الجمهوري لولاية أوهايو: هذا هو تصريح مختصر، عقيدة ترامب هي الفوضى.

جاء نائب الرئيس، مايك بنس، وتواصل مع المسؤولين، وخرج من دون تلقي الأسئلة، وقال: إنَّ الولايات المتحدة ستكون “ثابتة” في التزامها مع حلف شمال الأطلسي، وأشاد بأمجاده. (ولم يذكر الاتحاد الأوروبي، الذي يشجع ترامب على تجزئته).

لو سُمح لي بسؤال، ربما سيكون على هذا النحو: “السيد بنس، أنت تدافع عن حلف شمال الأطلسي، لكن رئيسك يقول: عفا عليه الزمن. فسر لنا ذلك، وبأي التصريحين نأخذ؟ ”

ومن المتوقع أنَّ الجواب سيكون: “هذه إدارة تقول كل شيء، وتقول عكسه. أنصحك أن تعتاد على ذلك، وادفع ما يترتب عليك”.

لكن التعود على رئيسٍ أميركي يرد من خلال “التويتر” على الرجل الآخر في الغرفة، أو على ما رآه للتو على شاشة التلفزيون، ولا توجد لديه أيّ فكرة، أو اهتمام، عن التاريخ الأوروبي، وحوَّل كلمة أميركا إلى شيء تافه، ليس بالأمر السهل. الأوروبيون مصدومون.

أكدَّ جان مارك أيرو، وزير الخارجية الفرنسي، على أن: “نحن بالتأكيد، لا يمكننا القول إن حلف شمال الاطلسي عفا عليه الزمن.” (لفترة طويلة ما كان يتمناه الفرنسيون، قد وقع.) وولفغانغ إيشنجر، رئيس مؤتمر ميونخ، قال لمحطة دويتشه فيله: إذا استمر ترامب في الهجوم على الاتحاد الأوروبي سيكون ذلك بمنزلة “إعلان حرب غير عسكري.” تلك هي كلماتٌ غير عاديةٍ، من السفير الألماني السابق الموقر حول الرئيس الأميركي.

بالنسبة إلي، الشيء الأكثر إثارة للقلق أن أجد نفسي غير متيقن من أيهما يعدّ أكثر صدقيةً: بنس، أم سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي؛ فعملية “ترويس” أميركا تجري على قدمٍ وساق في عهد ترامب، بينما استبدادية فلاديمير بوتين، المهيمنة والاستعراضية، تزدري الصحافة، وتسخر من الحقيقة التي نصبت نفسها على نهر بوتوماك.

بوتين هو النصير الأحدث لما دعاه جون لو كاريه (كاتب وروائي بريطاني، اهتمت رواياته بقصص التجسس والأوضاع السياسية أيام الحرب الباردة، واسمه الحقيقي ديفيد جون كورنويل) “الكذبة الكلاسيكية، والخالدة، والروسية تمامًا، والكبيرة، والمكشوفة” وما وصف به جوزيف كونراد (كاتب بريطاني من أصل بولوني) -قبله- المسؤولين الروس بأنهم “ازدراء رهيب تقريبًا للحقيقة.”

النظام الروسي في عهد بوتين ديمقراطي زائف، يرتكز على دعائم قرية بوتيمكين (بمعنى دعائم زائفة تخفي الأهوال داخلها وخلفها)، في الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والقضاء. إنها ورقة التوت التي تغطي القمع أو القضاء على المعارضين.

تستمر روسيا في الأكاذيب، وتُبدّل الحقائق الأساسية (كما تعلمون، لا توجد قوات روسية في أوكرانيا). ولكن ماذا يحدث عندما تصاب الولايات المتحدة بالمرض الروسي؟

قد لا يكون خطاب بنس -بالضبط- كذبةً ضخمة مكشوفة، لكنَّه أظهر -بالتأكيد- ازدراءً كبيرا وسافرًا لذكاء الجمهور (كما تعلمون، لم يتغير شيء مع ترامب، ها ها ها.) وعلى سبيل المقارنة، كان لافروف جافًا وصريحًا، وأعلن عن فجر “النظام العالمي ما بعد الغرب.” هذا بات مقولةً/ موضوعًا، كذلك أعلن محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، عن “النظام العالمي ما بعد الغربي.”

وأتساءل: ماذا يعني ذلك؟ ربما يعني عالمًا من الأكاذيب والقمع واللاعقلانية والعنف، وأنَّ أميركا تقدّم التنافر غير المنطقي، فحسب؛ ترى ما المطلوب لمواجهة هذا الانحراف؟ من شأن وزارة خارجية أميركية فاعلة أن تكون السباقة في المبادرة.

يقف -الآن- وحيدًا ريكس تيلرسون، وزير الخارجية، اختياره المعقول لنائبه الذي رفضه ترامب، وسلطته -إن وجدت- غير واضحة. لا توجد سياسة خارجية للولايات المتحدة اليوم، فهي تتأرجح بين تأكيداتٍ فارغة من السندات القديمة (بنس/ قرش)، والتبعثر المعادي للمسلمين، ومكافحة التجارة، والعدوانية، وما تحققه مركانتلية ترامب لي.

يحتاج الشهر الثاني من هذه الرئاسة إلى إنتاج طاقة؛ للتحدث بصوتٍ واحد. ومن المثير للاهتمام أن نرى جون كيلي، وزير الأمن الداخلي، يتحدث عن أمر حظر سفر منقَّح مقبل، يشمل سبع دول تقطنها أغلبيةٌ مسلمة، ويقول بأنَّه “هذه المرة” سيكون قادرًا على بذل قصارى جهده في هذه الخطة التمهيدية.

أنا أشك في أن يتمكن ترامب من إدارةٍ منضبطة في أي وقت، فمشاعره نحو أوروبا بالفعل واضحةٌ، ولن تتغير.

يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى خطوةٍ في الفراغ الأخلاقي، وذلك بالدفاع دفاعًا لا لبس فيه عن القيم التي يجب أن تُعرّف الغرب الحقيقة، والوقائع، والعقل، والعلم، والتسامح، والحرية، والديمقراطية، وسيادة القانون. في الوقت الراهن ليس من الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب صديقًا أم عدوًا في تلك المعركة.

اسم المقالة الأصليThe Russification of America
الكاتبروجر كوهين، Roger Cohen
مكان النشر وتاريخهنيويورك تايمز، The New York Times، 21/02/2017
رابط المقالةhttps://www.nytimes.com/2017/02/21/opinion/the-russification-of-america.html?rref=opinion&_r=0
ترجمةأحمد عيشة

 

 

مقالات ذات صلة

إغلاق