ترجمات

يجب أن تعتذر فرنسا عن استعمارها الجزائر

المرشح الرئاسي الفرنسي، ايمانويل ماكرو، على اليمين، يمشي في مقبرة بولوغين في الحي اليهودي في العاصمة الجزائرية الأسبوع الماضي. (أنيس بيلفول /اسوشيتد برس)

في ما يمكن أن يعدّ نقطة تحول في التاريخ الفرنسي، وصف إيمانويل ماكرو، وزير المالية السابق، ومرشح يسار الوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية، الاستعمار الفرنسي بـ “جريمة ضد الإنسانية”، وألمح إلى أنَّ فرنسا يجب أن “تقدم الاعتذار لجميع من مارسنا بحقهم هذه الأفعال”.

لم تتجرأ شخصيةٌ عامة في فرنسا -سابقًا- أن تذهب بعيدًا في تصفية حسابٍ مع ماضي البلد الاستعماري، فضلًا عن مناقشة الاعتذار. في الحقيقة، على العكس تمامًا: ليس من زمن بعيد، وفي شهر آب/ أغسطس الماضي، قال فرانسوا فيون، مرشح يمين الوسط لرئاسة الجمهورية: “لا. فرنسا ليست مذنبة؛ لأنها أرادت أن تشارك ثقافتها مع شعوبٍ من أفريقيا وآسيا وأميركا الشمالية”.

الهوة بين “تشارك” فيون غير المحظوظ على الغالب، واتهام ماكرو الكاسح، لم تقتصر على الجزائر (حيث أطلق منها ماكرو تصريحه)، فهي معركةٌ علنية جدًا بين المرشحيّن الطامحين إلى أعلى منصبٍ منتخب في فرنسا، حول ماضي البلد الاستعماريّ، ومن ثَمّ؛ حول مستقبله. ما هو المكان الذي يجب أن يشغله المتحدرون من رعايا المستعمرات الفرنسية -المسلمون من شمال أفريقيا، والفيتناميون أيضًا، وسكان مدغشقر، والكونغو، وما إلى ذلك- في المجتمع الفرنسي اليوم؟

في الجزائر، كانت تصريحات ماكرو موضع ترحيب؛ إذ أشاد المؤرخ فؤاد الصوفي بالمرشح؛ لكونه “شجاعًا”، بينما كانت ردود فعل اليمين على ماكرو غاضبةً ومتوقعةً؛ إذ ندد فيون بـ “إهانة” ماكرو، و”الندم المستمر”. أما بالنسبة إلى الشعبوية، مارين لوبان، (التي كان والدها، جان ماري لوبان، بحسب ما يُزعم، أنه يمارس التعذيب بوصفه مظليًّا خلال حرب الاستقلال الجزائرية)، فقد أذنت لأحد مساعديها بالكلام بدلًا منها، متهمًا ماكرو بـ “كراهية فرنسا.”

كانت تعليقات اليسار الفرنسي أكثر فتورًا، فعلى سبيل المثال، لم يوافق ايمانويل كوس، وزير الإسكان، على استخدام عبارة “جرائم ضد الانسانية” بسبب طبيعتها القانونية الدقيقة.

استطلاعٌ أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام، مأخوذٍ عن موقع إخباري جزائري (إدارة أمن المعلومات)، يُظهر أنَّ الشعب الفرنسي منقسمٌ؛ إذ أيدَّ 51 بالمئة منه ماكرو.

باستخدام التصنيف القانوني للجريمة ضد الإنسانية، عرَّف ماكرو المشروع الاستعماري بما هو على حقيقته: الطرد غير شرعي من الأراضي، والقهر العنيف للسكان المحليين لمصلحة السلطة الإمبريالية فحسب.

الاعتذارات الرسمية من السلطات الاستعمارية الأوروبية قليلةٌ ومتباعدة، وعادةً ما تنطوي على أحداثٍ منفصلة؛ فتعمل ألمانيا على تقديم الاعتذار عن دورها في عملية الإبادة الجماعية في ناميبيا بحق شعب الهيريرو والناما بين 1904 و1907 (من دون أيّ تعويضٍ)، بينما اعتذرت هولندا إلى إندونيسيا عن عمليات القتل الجماعيّ خلال حرب الاستقلال، ومن ناحية أخرى، لم تعتذر بلجيكا عن الحكم الدموي للملك ليوبولد في الكونغو، في حين رفضت إنجلترا بشدّةٍ أنْ تكفّرَ عن المذابح في مستعمرة الهند.

حتى يومنا هذا، ما تزال حرب الاستقلال الجزائرية (المعركة بين عامي 1954 و1962)، مثيرةً للجدل في السياسة الفرنسية، فانتهاكات الجيش الفرنسي لحقوق الإنسان (وأبرزها، استخدامه التعذيب على نطاقٍ واسع)، والإرهاب على كلا الجانبين، والهزيمة في نهاية المطاف، وإعادة ما يقرب من 800،000 مواطن فرنسي من الجزائر -كل هذه العمليات تركت الانقسامات دائمة في المجتمع الفرنسي.

عقدَّت الهجرة الجماعية للعمال من المستعمرة السابقة المشكلة؛ فهناك الآن ما يقدّر بنحو 7.3 مليون فرنسيّ، أحد أبويه من المهاجرين على الأقل (من أصل 66 مليون نسمة)، بما في ذلك نحو مليون من أصلٍ جزائري.

قبل عقدٍ من الزمن، مرّرت الغالبية اليمينية قانونًا يُطالب أن يعرف الاستعمار بـ “الدور الايجابي” في كتب التاريخ، ولكن -الحمد لله- ألغي القانون. بطريقة مماثلة، في عام 2001، أزاح رئيس بلدية باريس، الاشتراكي، الستار عن لوحة تذكارية حول مجزرة 17 تشرين الأول/أكتوبر، 1961، إذ سماها الجناح اليميني وجهاز الشرطة في ذلك الوقت “ذريعة واستفزازًا للمتطرفين المسلمين”.

وقد هدفت تلك اللوحة المتواضعة إلى الاعتراف بقتل الشرطة الفرنسية ما يقرب من 200 متظاهرٍ جزائريّ مؤيدين للاستقلال بدمٍ بارد، وإلقاء بعض منهم في نهر السين. بقيت اللوحة، ولكن شبح الماضي الاستعماري لا يزال يطارد حاضر فرنسا.

وفي الجمعة الماضية، صرخ متظاهرون مناوئون لـ ماكرو، في كاربينترا (جنوبي فرنسا): “خيانة”، بينما كانوا يحملون لافتاتٍ كُتب عليها: “منظمة الجيش السري”، وهي فرقة إعدامٍ إرهابية فرنسية، مسؤولة عن كثير من عمليات القصف ضد الجزائريين خلال حرب الاستقلال، ومسؤولة عن محاولة الاغتيال الفاشلة للجنرال شارل ديغول كذلك.

واليسار الفرنسي غيرُ مستثنى من هذه الهستيريا في الواقع؛ فكان حظر الحجاب -لأولّ مرةٍ- في المدارس في ظلّ حكومةٍ يسارية، إضافة إلى أنَّ سلسلةً كاملة من جناح اليسار الفرنسي، من رسامي الكاريكاتير في مجلة شارلي إيبدو، وصولًا إلى كبار المفكرين، نظروا إلى الإسلام على أنَّه لا يتفق مع مُثل الجمهورية بالمساواة والعلمانية (وهذا هو، التقييد الصارم للتعبير الديني في المجال الخاص، وأولوية قوانين الأغلبية).

لقد فتح تصريح ماكرو الإفرادي المجال للاعتراف بأخطاء فرنسا في الماضي.

إن الانطلاق والأمل هما اللذان يحددان هذه الأخطاء، ويسميّانها، ويجعلانها واضحة؛ ما يؤدي إلى تشخيصٍ أفضل لتعامل فرنسا المعقد مع أقلياتها العرقية والدينية.

إنَّ تقديم التعويض عن فظائع الاستعمار لفتةٌ قوية في الواقع، وضرورية تجاه كثير من المواطنين الفرنسيين المحرومين، من أصول استعمارية.

قول الحقيقة حول ذلك الماضي خطوةٌ أولى على طريق المصالحة.

 

اسم المقالة الأصليFrance should apologize for colonialism in Algeria
الكاتبمانو سعاديا، Manu Saadia
مكان النشر وتاريخهواشنطن بوست، The Washington Post، 23/02/2017
رابط المقالةhttps://www.washingtonpost.com/news/global-opinions/wp/2017/02/23/france-should-apologize-for-colonialism-in-algeria/?utm_term=.581f2ba37c3c
ترجمةأحمد عيشة
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

إغلاق