نظرًا لأهمية مفهوم “القيمة المضافة”، بوصفه جزءًا من شرح المفهومات، وكونه مفهومًا مركزيًا في أي نظام اقتصادي، كتب مختصون في شبكة (جيرون) الإعلامية النص الآتي، لتوضيح الفكرة بطريقة مغايرة عن المألوف:
يوضح لنا هذا المفهوم جوهر النظام الاقتصادي القائم اليوم، وكيف يجري تقاسم هذه القيمة المضافة، ومن يشكل أو يخلق القيم المضافة. فالعمل الإنساني هو ما يخلق القيمة المضافة، سواء أكان عمل المشتغلين مباشرة، أم استعمال معدات وأدوات وتجهيزات أنتجها عمل إنساني سابق، ونسميها عادة العمل المتراكم، أو العمل الميت. أما رأس المال، وهو تعبير عن قيمة منتجة من آخرين من قبل، فهي غير منتجه بذاتها، ولكنها تسهم في عملية الإنتاج من خلال تحويلها إلى ابتياع آلات ومعدات وتجهيزات ومواد… إلخ، واستئجار بشر؛ كي يعملوا وينتجوا قيمًا مضافة جديدة، يُقتَطع جزء منها لصالح مالك رأس المال، وتعد مكافأة له تجاه المبادرة والمخاطرة والإدارة… إلخ. وهنا تظهر أهمية نسب تقاسم القيمة المضافة بين حصة العمل (أي أجور وتعويضات وكل ما يتعلق بحصة المشتغلين، والمزايا النقدية والعينية الممنوحة لهم) وحصة الأرباح، وهي حصة المالكين، وعندما تكبر حصة أحد الطرفين، سيكون هذا على حساب حصة الطرف الآخر. وهذا ينطبق على مستوى الشركة، مثلما ينطبق على مستوى الاقتصاد القومي في مجمله. وبقدر ما يكون وعي المشتغلين مرتفعًا، وتنظيماتهم السياسية والنقابية قوية، بقدر ما ينالون حصة أكبر، والعكس بالعكس. وقد بات اليوم مقياس توزيع الناتج المحلي الإجمالي بين الأجور والأرباح أحد مقاييس العدالة الاجتماعية، فكلما ارتفعت حصة الأجور كان التوزيع أكثر عدلًا والعكس صحيح. واليوم فإن حصة قوة العمل في البلدان الرأسمالية المتقدمة مرتفعة، وتزيد على 60 بالمئة؛ بسبب الوعي، وتنظيم المجتمع، والأحزاب والنقابات، بينما حصة المشتغلين في البلدان النامية لا تزيد عن 40 بالمئة، أي: إن الاستغلال في هذه الدول أشد.
هنا يبرز السؤال: كم يمكن أن تبلغ حصة الربح مقابل حصة رأس المال من القيم المضافة، وكم يمكن أن تبلغ حصة مالك رأس المال لقاء المكافأة والمخاطرة والمبادرة؟
المدافعون عن رأس المال يرون أن السقف مفتوح؛ لذلك نرى -اليوم- ثمانية أشخاص يمتلكون نحو نصف ما يمتلكه النصف الأفقر من البشرية. ثم ردًا على حجة أن الربح مكافأة على المبادرة والإدارة والمخاطرة، فنرى رؤساء البلدان راتبهم بين بضعة آلاف؛ وحتى 20 ألف دولار في أكبر دول العالم، ونرى رواتب قادة الجيوش أقل من ذلك، فمن من هؤلاء يقوم بمهمات إدارية أكبر ومخاطرات أكبر ومبادرات أكبر، قادة البلدان وقادة الجيوش، أم قادة الشركات؟ وأيهما أهم، من يخترع أشياء عظيمة، أم التاجر الذي يستغل الاختراع؛ لتشكيل ربح خيالي، فهل مخترع الانترنت خلق فائدة أعظم، أم “مارك زوكربيرغ” مالك شركة فيسبوك؟
لتوضيح الفقرة أعلاه نحتاج لفهم أوضح للقيمة المضافة ماذا تعني، وكيف تتشكل، وكثيرًا ما يوجه السؤال: “ما القيمة المضافة”.
إنتاج القيمة المضافة
سأضرب مثالًا بسيطًا، فعندما تأخذ ألواح خشب، وعدّة نجار، ومواد مساعدة، مثل المسامير والطلاء، وغيرها، ثم تصنع طاولة، فأنت قد خلقت قيمة مضافة، إذ حولت الخشب إلى شيء آخر له نفع أكثر من كونه خشبًا فحسب، أي خلقت قيمة استعمالية جديدة للخشب والمكونات الأخرى الداخلة في الطاولة، وله قيمة في السوق أكبر من قيمة المواد الداخلة في تكوينه، وقد حصل هذا بفعل جهدك البشري، أي بفضل عمل الإنسان. وإذا ما أردت أن تعرف مقدار القيمة التي أضفتها بعملك، فخذ القيمة السوقية للطاولة التي صنعتها، ثم اخصم منها قيمة المواد الداخلة كليًا في صنعها من خشب ومسامير وطلاء وملحقات إلخ، ثم اخصم مبلغًا تقديريًا لقاء اهتلاك العدة المستعملة في صنعها، واحتسب جزءًا لتكلفة المكان، فالباقي يكون هو مقدار القيمة التي أضفتها بعملك. فإن بعت الطاولة في السوق بـ 1000 وحدة نقدية، وكان قيمة الخشب المستعمل وبقية المواد مع استهلاك العدة إلخ 600 وحدة نقدية، تكون القيمة المضافة 400 وحدة نقدية.
تقاسم القيمة المضافة
إذا كان السوق يحتاج إلى عشر طاولات، يمكنك بيعها بالسعر نفسه، ولا يوجد لديك إمكانية صنع أكثر من طاولة في اليوم فيمكنك، إن توفر لديك بعض التمويل، أن تستأجر تسعة عمال ينتجون الطاولة نفسها بالمواصفات والتكاليف نفسها، وسعر البيع نفسه، أي لكل طاولة 1000 وحدة نقدية. وهذه الـ 1000 توزع كالآتي: يخصم منها 600 وحدة نقدية استرداد تكاليف الإنتاج؛ من اجل إعادة الإنتاج بشكل بسيط، أي الإنتاج نفسه، وتكون القيمة المضافة حينئذ 400 وحدة نقدية من كل طاولة. ومن هذه الـ 400 تدفع، بوصفك رب عمل، 300 أجور للمشتغلين الآخرين، فيبقى لديك 100 وحدة هي ربحك من كل طاولة حققتها بفضل رأسمالك وعمل العمال الآخرين، وهذا ما يسميه ماركس فضل القيمة، وتسميه النظرية الرأسمالية مكافأة رب العمل “المبادر entrepreneur”. وسيكون دخلك في هذه الحالة 900 + 400 = 1300 وحدة نقدية. بينما لو كنت شريكًا معهم ودفعوا المبلغ نفسه في رأس المال وعملوا مثلك لنال كل منهم 400 وحدة نقدية وأنت مثلهم. وإن كنت تملك إمكانيات إدارية وتسويقية أفضل من شركائك، فيمكن أن يخصصوا لك أجرًا إضافيًا، مثلًا عشر وحدات نقدية من كل منهم، أي: 90 وحدة نقدية، فتحصل على 490، بينما يحصل كل منهم على 390 وحدة نقدية.
هذا المثال البسيط يتكرر، ولكن بشكل أكثر تعقيدًا بكثير من خلال الواقع. فإنتاج الطاولات أو الموبيليا أو الثياب أو غيرها على نطاق واسع، في مشغل أو مصنع كبير، ينطبق عليه المبدأ ذاته، ولكن بحساب أكثر تعقيدًا؛ فمجمل الإنتاج المباع تُخصم منه قيمة المواد الأولية، والمساعدة، وقيمة الطاقة المستعملة، وقيمة خدمات النقل التي تحملها المصنع، واهتلاك الآلات والمباني والمعدات وغيرها، ويكون الفرق بين قيمة هذه، كلها وقيمة المبيعات (الإيرادات) هو القيمة المضافة، والتي تذهب في شكل رواتب وأجور لجميع العاملين في عملية الإنتاج وعملية التسويق، والباقي يكون بمنزلة ربح إجمالي للشركة، ما تلبث الحكومة أن تأخذ جزءًا منه ضرائبَ دخل؛ من أجل القيام بمهماتها. أي: إن القيمة المضافة تتوزع في النهاية الى أجور قوة العمل وأرباح للمالكين وضرائب للحكومة على الأجور والأرباح.
إذا انتقلنا إلى انتاج سلعة مركبة يدخل في إنتاجها مكونات كثيرة ومراحل إنتاج كثيرة مثل السيارة فينطبق عليها نفس المبدأ مع عناصر اضافية وتعقيدات أكثر. وإذا انتقلنا إلى منتج أكثر تعقيدًا مثل الطائرة والسفينة أو مصفاة تكرير النفط أو أخذنا مشغل موبايل او سلسلة متاجر عالمية مثل (كارفور)، فيمكن أن نتصور التعقيد الكبير، وخاصة مع فرق الأسعار ومستويات الأجور وتكاليف الخدمات وأسعار الصرف. ولكن يبقى المبدأ نفسه، وهو حساب التكاليف؛ مقارنة بسعر بيع المنتجات، ومستوى الأجور التي ستدفع من أجل الاحتفاظ بجزء من القيمة المضافة أرباحًا.
المبدأ ذاته ينطبق على الخدمات
لا يختلف الأمر مع الخدمات، فأنت عندما تستقل سيارة الأجرة، فإنك تدفع لقاء انتفاعك بخدمة النقل، وصاحب السيارة يجمع غلته في نهاية اليوم، أو نهاية الشهر، ويخصم منها تكاليف السيارة من بنزين وإصلاح ورسوم واهتلاك، والباقي يكون القيمة المضافة التي خلقها هو خلال عمله، فإن كانت السيارة لشركة، منحوه راتبًا/ أجرًا، وهو جزء من القيمة المضافة، وبقي جزء لهم في عداد الربح. لا يختلف الأمر في خدمات أخرى مثل استخدام الهاتف أو الموبايل، فشركة الاتصالات التي تقدم لك خدمة الاتصال ينطبق عليها الأمر ذاته، فأنت تدفع لقاء انتفاعك بهذه الخدمة.
ثمة قيم استعمالية وخدمات ينتفع بها الفرد، ولكنه لا يدفع لقاءها على نحو مباشر، مثل خدمات الحكومة والادارات العامة التي تتمول من الضرائب التي يدفعها الأفراد والشركات، ويجري الانفاق على هذه الأجهزة؛ كي تنتج خدمات “قيم مضافة” تجعل الحياة أفضل، فالمجتمع لا يقوم بدون خدمات إدارات مركزية ومحلية.
حساب مجموع القيم المضافة في أي اقتصاد وطني
عندما تستمد شركة، أو يستمر مشغل سلعة أو خدمة من طرف ثالث، فهو يخصم كامل قيمة السلعة أو الخدمة من منتجه النهائي، ولكن الطرف الثالث الذي قدم السلعة أو الخدمة له، تحسب القيمة المضافة في السلعة او الخدمة المقدمة نظريًا من الطرف الذي قدمها وبالطريقة نفسها. ومن ثم؛ هي سلسة من حسابات نظرية (لا تتم فعلًا) للقيم المضافة المنتجة على الصعيد الوطني، إذ يحسب كل منتج لسلعة أو خدمة القيمة المضافة الخاصة بعمليته الإنتاجية، وبإضافة جميع القيم المنتجة على صعيد أي اقتصاد، يُحسب إجمالي القيم المضافة في الاقتصاد الوطني. وبالطبع لا أحد يحسب قيم جميع الوحدات من الدكان؛ وحتى أكبر الشركات واحدة فواحدة، بل هناك طرق تقديرية لحساب الدخل، هي جزء مما يُعرف بالمحاسبة القومية، وهذه حكاية أخرى لا مجال للدخول إليها الآن.
قيم مضافة وقيم تبادلية شاذة
ما ذكرناه -من قبل- ينطبق على معظم السلع والخدمات في الأسواق، ولكن يشذ عنها بعض السلع أو الخدمات، وتشكّل جزءًا بسيطًا جدًا من حجم السلع والخدمات والأشياء في السوق. مثلًا يأخذ نحّات مبدع قطعة خشب تعادل جزء من الطاولة التي ذكرناها من قبل، فيصنع منها منحوتة خلال يوم عمل واحد، وتباع المنحوتة في السوق بأضعاف سعر الطاولة. هنا تأتي مسألة الموهبة والإبداع والندرة، نعم الندرة، فلو كان كل إنسان قادر على عمل مثل تلك المنحوتة لما كان للمنحوتة قيمة كبيرة؛ لأنها لن تكون نادرة. الشيء نفسه ينطبق على لوحات الرسم أو غيرها. وشيء مشابه ينطبق على الأشياء القديمة التي لها قيمة معنوية، فقطعة نقدية من الذهب من عهد الرومان، تبلغ قيمتها عدة أضعاف قيمة الذهب الذي فيها؛ لأن لها قيمة معنوية تاريخية، وقطعة بردي مصرية تبلغ قيمتها كثيرًا، بينما هي من مواد لا تساوي شيئًا. ولكن هذه الأشياء لا تشكل سوى جزءًا ثانويًا جدًا من قيمة السلع والخدمات التي نتداولها يوميًا.
عندما ننتج منتجات في البيت، مثل انتاج المؤن، أو استهلاك انتاج الأرض من العائلة، دون أن تعرضه في السوق، أو عندما تعمل المرأة في البيت، فتعد الطعام، أو تنجب أو تربي الأولاد، أو تنجز بقية أعمال البيت، فهي تنتج قيمة مضافة استعمالية، وليست تبادلية؛ لأنها لا تعرض منتجاتها في السوق، وهذه القيم لا تدخل عادة في الحسابات القومية أو حسابات الدخل الوطني، فما يدخل هو ما يُعرض في السوق للبيع والشراء فحسب.
لا شك في أن بعضهم قد تساءل: هناك أشياء ذات نفع عظيم، ولكن ليس لها قيمة، كالهواء وضوء الشمس. وهنا بالضبط يظهر أن القيمة المضافة هي ما يُنتج بعمل الإنسان وجهده، ويُعرض في السوق للبيع والشراء، فالهواء وضوء الشمس لم ينفق فيها الإنسان أي جهد أو تكلفة، ولا تعرض في السوق للبيع والشراء، أي لها قيمة استعمالية عظيمة، ولكن ليس لها قيمة تبادلية، ولو استطاع أصحاب رأس المال احتكار الهواء وضوء الشمس لفعلوا ذلك؛ من أجل إنتاج مزيد من الربح.
مثال آخر على قيم مضافة لا قيمة سوقية لها، فأنت عندما تتحدث بكلمة طيبة مع صديق، فأنت تخلق منفعة، وعندما تدخل البهجة في قلوب أصدقائك عبر قراءة قصيدة جميلة للمتنبي، أو القاء النكات لتدخل البهجة، أو تقدم مشورة مفيدة، فأنت تخلق قيمًا استعمالية مضافة، ولكنك لا تخلق أي قيم مادية تقاس بالنقود لهذه الخدمات. القيمة التبادلية تعني بالضبط كم تساوي السلعة أو الخدمة في السوق. أي كم يساوي الثوب، أو ما سعر دقيقة الهاتف الخليوي، أو كم تدفع لقاء الدراجة، أو لقاء استعمال سيارة أجرة داخل المدينة. والمعنى المتداول والمتعارف عليه للقيمة المضافة، هو القيمة التبادلية التي تقيّم عبر السوق، وليس القيمة الاستعمالية للسلعة أو الخدمة، وسنأتي على نوعي القيمة: القيمة الاستعمالية، والقيمة التبادلية للسلعة او الخدمة.
القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية للسلع والخدمات
يميز علم الاقتصاد بين مفهومين رئيسين للسلعة، أو الخدمة، وهي 1 القيمة الاستعمالية، و2 القيمة التبادلية.
يُقصد بالقيمة الاستعمالية النفع الذي يحصل عليه الإنسان من استهلاك سلعة، أو الانتفاع بخدمة أو أي شيء متاح. كالطعام واللباس والسكن، أو خدمية كالنقل والاتصالات، أو منفعة معنوية كلوحات فنية أو مخطوط قديم، أو سماع موسيقا، أو أساسية لوجوده؛ مثل الشمس والهواء. والقيمة الاستعمالية شرط لجميع السلع، سواء أكانت لها قيمة سوقية أم لم تكن، والعكس غير صحيح. أي ثمة سلع كثيرة لها قيمة استعمالية، ولكن ليس لها قيمة تبادلية، ولا تعرض في السوق، إما لتوفرها كالهواء والشمس ومياه الأنهار، أو لأنها لا تُنتج بغرض التسويق، مثل أعمال البيت وأعمال الزراعة ضمن العائلة الواحدة.
القيمة التبادلية هي للسلع التي ينتفع بها الإنسان، ويحتاجها، ولا يستطيع الحصول عليها دون مقابل، وتكون عادة من انتاج البشر، وتُنتج من خلال بذل جهد من آخرين لإنتاجها، ولا تتوفر في الطبيعة بدون بذل جهد، وتُعرض في السوق للتداول والتبادل.