جاري أبو سليم حبيب النظام، لا يستطيع أن يسمع كلمة تنال من ممارساته. إذا قلت له مثلًا الطائرات الروسية تقصف المدنيين، يقول لك: طبعًا ستقصفهم فهم يخبّئون الإرهابيين في بيوتهم. أقول له: حرام عليك يا رجال. افرض أن إرهابي دخل بيتك رغمًا عنك، فهل يجوز أن تدمّر الطائرات بيتك فوق رأس عيالك؛ نتيجة ذلك؟ فيقول: عند ذلك أذهب وأبلّغ السلطات المختصة. هذا هو واجبي الوطني.
لا يكتفي أبو سليم بالدفاع المستميت عن ممارسات النظام، فهو يتابع أخبار البلد ساعة بساعة. لا تفوته نشرة أخبار من الإخبارية السورية وملحقاتها، يتابع بشغف ملاحقة الجيش العربي السوري الباسل للعصابات المسلحة، وكلما وقع على خبر جاء يبشرني:
اليوم داهموا وكرًا من أوكار المسلحين، وقتلوا جميع عناصره، واستولوا على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر إسرائيلية الصنع، تصوّر! البارحة استطاعت وحدة من قوات حزب الله الباسلة أن تحكم الحصار على الزبداني، اليوم دكّت الطائرات الروسيّة الصديقة مستشفى في حلب، كان يلوذ به المجرمون ودمرته على من فيه، قوات من الحرس الثوري الإيراني استطاعت اليوم أن تصدّ هجومًا على إحدى مواقعنا، وقتلت وأسرت العشرات. ومن هذه الأخبار التي تسمّ البدن.
قلت له:
– أبا سليم! أنت ليس لديك إلا هذه الأخبار!؟ هناك أخبار محزنة وفظيعة. قال لي:
– خير أستاذ مسعود؟ ماذا حصل؟ قلت:
– يقولون إن صاحبك يوزع البلد في شكل حصص للروس والإيرانيين، وحتى على الميليشيات الحليفة. قال:
– كيف أستاذ؟ ما فهمت عليك. قلت:
– كل الأصول الاستراتيجية والاقتصادية من غاز ونفط وفوسفات وشركات خليوي وأراض زراعية صارت موزعة باتفاقيات وعقود بيع رسميّة. قال:
– أين المشكلة ما داموا يدفعون ثمنها؟ الله محلل البيع والشراء، والحكومة أدرى بأحوالنا، وصاحبي -كما تقول- يتصرف وفق المصلحة العليا للبلد، قلت:
– أي مصلحة يا أبا سليم؟ هذا يعني أن السوريين -معارضين وموالاة- وأنت منهم، لن يكونوا إلا عمالًا مياومين في المصالح والاستثمارات الروسية والإيرانية. قال:
– هل سيشتغلون مجانًا؟ ما داموا يقبضون أجورهم، وبالعملة الصعبة؛ فأين المشكلة؟ قلت:
– يعني أن يتحوّل ربّ العمل وصاحب الرزق إلى أجير، ويصبح الأجير ربَّ عمل. أين كرامة المواطن السوري؟ أين سيادة البلد. قال:
– عن أي سيادة تتحدث أستاذ؟ لا أرى أي تعارض مع سيادة البلد، ما دام سيادة الرئيس موجودًا على رأس السلطة. قلت:
– حتى عندما تتضمن هذه الاتفاقيات شرط عدم اقتراب السوريين من المواقع والمنشآت التي تديرها روسيا وإيران؟ قال:
– طبعًا، هذا شيء طبيعي. الجماعة وضعوا أموالًا طائلة، وتكبّدوا مشقات، ومن حقّهم أن يحفظوا منشآتهم من عبث السوريين. قلت:
– عجيب أمرك يا أبا سليم تحاول أن تقنعني أن ما يجري في البلد طبيعي لا غبار عليه؟ فقال:
– يا أخي أنتم في المعارضة أمركم عجيب؛ من جهة، تقولون إن الحكومة لا توفر الخدمات، ومن جهة، تلومنها وتنتقدونها عندما تحاول توفيرها بسبل شتى. من أين ستأتي الحكومة بالأموال من أجل توفير حاجاتكم الضرورية! الحكومة لا تعقد هذه الاتفاقيات لله بالله. من أين ستوفر رواتب الموظفين؟ من أين ستدفع تكاليف هذه الحرب الظالمة؟ وكيف ستحفظ هيبة السلطة؟ قلت:
– ولكن يا أبا سليم هكذا ستصبح البلد مباعة رسميًا للروس والإيرانيين. قال:
– يا أستاذ، صاحب البيت أدرى بالذي فيه، نحن المواطنين لا نرى إلا بمنظار مصلحتنا الشخصية. لنفترض أن أمًّا لديها أولاد يتضورون جوعًا، وليس لديها ما تطعمهم، أتعيب عليها إذا باعت جسدها من أجل إنقاذهم من الجوع. قلت:
– وإذا باعت نفسها من أجل أمر آخر، ماذا ستحكم عليها؟ قال:
– ماذا تقصد؟ قلت:
– تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها يا أبا سليم. قال:
– صح النوم. عن أي حرّة تتحدّث.