قال توم كوبر، في صفحات المصدر (War Is Boring)، في السابع من شباط/ فبراير، أنَّ الاتحاد السوفياتي كان يتعمَّد، في فترة الحرب الباردة، وقبل شروعه في التدخل في بلدٍ ما، نشرَ إشاعاتٍ عن مرض أحد المسؤولين، أو عن الحال النفسية لمسؤول آخر. وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى الشائعات عن مرض بشار الأسد، والتساؤلات حول أسباب غيابه الطويل عن الجمهور.
بداية، يستند كوبر إلى تغريدات أطلقها الصحافي السوري، فراس كرم، ذكر فيها، في 28 من كانون ثاني/ يناير أنَّ القوات الروسية حالت دون قيام إنقلابٍ موالٍ لإيران، وكان المفترض أن يجري خلاله إسقاط بشار الأسد، وأنْ تنْقل السلطة إلى شقيقه ماهر الأسد.
كتب كرم، أنَّ القوات الروسية سدت في 28 كانون الثاني/ يناير، الطريق أمام وحداتٍ من الجيش السوري الموالية لإيران، في 11 منطقةٍ من مدينة دمشق، وحالت دون الإستيلاء على ثمانية مواقع عسكرية، إضافةً إلى القاعدة الجوية في مطار المزة. وأشار إلى أنَّ القوات الروسية وضعت حماية مشدَّدة على السفارة الروسية، القصر الجمهوري، وكذلك مقر رئاسة الأركان. أمَّا الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وقيادة المخابرات الجويَّة، فقد كانت في حالة استنفارٍ قصوى.
يكتب كرم، أنَّ العلويين في سورية انقسموا إلى معسكرين: موالٍ لإيران وموالٍ لروسيا، وأنّ الطرفين ينفذان عمليات اغتيال بحقِّ خصومهم السياسيين. ويدَّعي أنَّ الإغتيالات تطال الضباط الذين يدعمون الروس في سورية. في نهاية كانون الثاني/ يناير، قتِلَ “على الأقل ستة من كبار الضباط السوريين من منطقة الساحل، إضافةً إلى عدة شخصياتٍ محسوبةٍ على الروس”.
يستطرد “كوبر”؛ فيقول: إنَّ التناقضات الداخلية في الساحة السورية ليست سرًا، ففي عام 2015 اضطَّرتْ روسيا إلى إعادة تنظيم القوات السورية على عجلٍ، وتشكيل الفيلق الرابع. وأتبعته، في خريف 2016، بتشكيل الفيلق الخامس، ويرى “كوبر” أنَّ نشاط الروس، وازدياد تأثيرهم في سورية، أقلق فيلق حرَّاس الثورة الإسلاميَّة.
ولكنَّ النجاحات التي أحرزها الروس في سورية لا تعني أنَّ إيران تربح أيضًا. فروسيا تهدف إلى المحافظة على نظام بشار الأسد بأيِّ ثمن، حتى لو لزم الأمر التخلي عن جزءٍ من الأراضي السورية. أمَّا هدف إيران؛ فيتمثَّل بالسيطرة على كامل سورية، وتنصيب نظامٍ موالٍ لها. ففي حين تحدّث روسيا وتدرب جيش النظام السوري، تتوق إيران إلى إيجاد نظيرٍ لـ “حزب اللّه اللبناني” في سورية.
ومن ناحيةٍ أخرى؛ فإنَّه سيجب على سورية أن تسدِّد الفواتير المستحقة لإيران من أرضها. فبعد إنتهاء الحرب في سورية، سواءً أبقي بشار الاسد في السلطة أم لا، ستصبح إيران، بالتحديد، اللَّاعب الاقتصادي والجيو- سياسيّ الرَّئيس في البلاد. لذلك، فإنَّ من مصلحة إيران تعزيز نفوذها اللاحق في سورية. أمّا مصلحة روسيا، فتقتضي وضع نهاية للحرب، وأنْ يكون في جعبتها الحجج الضرورية لخوض المفاوضات مع الغرب بشأن أوكرانيا، وتتيح لها رفع حصتها في سوق السلاح الدولية.
بلغ التناقض الداخلي في سورية أوجَه في المواجهة العسكرية في آذار عام 2016 بين الحرس الجمهوري الموالي لبشار الأسد وبين الفرقة الرابع الموالية لماهر الأسد.
فقد كتبت صحيفة “الفايننشال تايمز” في نيسان 2016: “رأت روسيا، عن كثب، صعوبة فصل ممثِّلي عائلة الأسد عن البنية الرئيسة للنظام الأمني السوري (الذي يهيمن عليه أفراد عائلة الأسد ومؤيدو النظام)، بدون تحطيم النظام نفسه. فالنظام مبنيّ بصورةٍ تتيح له التخلّص من أيِّ كان يُشتبه بخيانته أو يشكّ في ولائه – وصولًا إلى التصفية الممنهجة ضمن الدائرة الضيِّقة نفسها، إن لزم الأمر. وعلى الجانب الآخر، يمكن أن يكون لدى موسكو إستراتيجتها الخاصَّة. فالعلاقات بين روسيا وسورية تأسست منذ حكم الأسد الأب على مستوى الجيوش، لذا؛ لجأت روسيا، بعد أنْ أدركت مبلغ تدهور حال الجيش السوري، إلى تطبيق برنامج شامل لإعادة تأهيله. وفي إطار هذا البرنامج، بحسب الأنباء المستقاة من مصادر سورية، أبعدت موسكو الأخ الأصغر لبشار الأسد، ماهر الأسد المعروف بعدم التوازن والتمرد ….”
كثرتْ، في الآونة الأخيرة، الاقاويل عن الخلافات الروسية الإيرانية حول المسالة السورية، خاصةً بعد تسلّم ترامب منصبه رئيسًا للولايات المتحدة.
يعدّ حشمت علوي، أنَّ روسيا لمْ ترَ، قطّ، في إيران شريكًا استراتيجيًا لها، وأنَّها تفضِّل إقامة علاقاتٍ طيبةً مع الولايات المتحدة على علاقاتها مع “الملالي” الذين “لا يمتلكون كثيرًا ليقدموه لروسيا”. وظَّفتْ إيران في سورية أكثر بكثيرٍ من روسيا، لذا؛ فإنَّ إيران تعدّ سورية مهمَّة لها، أكثر بما لا يقاس من أهمية سورية لروسيا؛ لهذه الأسباب لن تتخلَّى إيران عن فكرة الهيمنة على كامل سورية، ولن تذهب-خلافًا لروسيا- لعقد أيّ صفقةٍ مع الغرب حولها. ولهذا بالتحديد، غضبت إيران، أخيرًا، من الدعوة التي وجهتها روسيا إلى الولايات المتحدة للمشاركة في مباحثات أستانا الأخيرة.
تقول صحيفة”Middle East Monitor” : إنَّه على الرغم من مبادرة روسيا التي أفضتْ إلى عقد هدنة لوقف إطلاق النار في كانون ثاني 2017، استمرَّتْ فصائل “حزب الله” الموالية لإيران بمواصلة الأعمال القتالية، وتعمَّدت، بوقاحةٍ، منع الضباط الروس من الدخول إلى مسارح العمليات، وماطلت في تنفيذ الاتفاقات التي قضتْ بإجلاء المدنيين وعائلات المقاتلين المعارضين مقابل تخلِّي المعارضة عن بعض المناطق المأهولة المهمَّة لصالح إيران.
يخلص توم كوبر من”War Is Boring” إلى خلاصةٍ، مفادها أنَّه حتى لوكان هناك بالفعل محاولة جدية للقيام بانقلابٍ لصالح إيران في نهاية كانون ثاني/ يناير، وإن كانت موسكو بالفعل حالت دونه، فإنَّ الخلافات الداخلية لم تتلاشَ، وأنَّ نظام الأسد يصمد -فحسب- نتيجة دعم روسيا وإيران، البلدان الغريبان اللذان يعملان من أجل مصالحهما في سورية. إنَّها مصالح لا تتطابق، وستتعمق الهوَّة بينها بمرور الوقت.
عنوان المادة الاصلي | Военные новости: Россия и Иран друг против друга в Сирии
|
اسم الكاتب | إيليا بليخانوف |
مصدر المادة | أخبار وسائل الإعلام. روسيا
|
مكان النشر | موقع أخبار وسائل الإعلام. روسيا
|
تاريخ النشر | 09.02.2017
|
رابط المادة | http://inosmi.ru/politic/20170209/238696041.html
|
المترجم | سمير رمان |
- عن الكاتب إيليا بليخانوف:
مؤسِّس ورئيس تحرير روزنامة “فنُّ الحرب”. تواجد، بصفته مراسلًا حربيًَّا، في عدد من (النقاط الساخنة). نشر في “فوربس” الروسية، “نيزافيسيمايا غازيتا” وغيرها. تعاون في عام 2009-2010 مع شركات روسية عسكرية خاصة.