أبحاث ودراسات

أميركا والعالم (مقاربة أوّلية)

المحتويات

مقدمة

أوّلًا: أميركا والعالم

  • أميركا وروسيا
  • أميركا والصين
  • أميركا وإيران
  • أميركا والشرق الأوسط

ثانيًا: أميركا والمسألة السورية

خاتمة

 

مقدمة

اعترف باراك أوباما في خطبته الوداعية أن البلاد تراجعت في القضايا العرقية في السنوات الثماني الأخيرة، أيّ في ولايتيه اللتين حكم فيهما. وقال “قبل انتخابي، كان بعضٌ يتحدّثون عن أميركا ما بعد العنصرية”، وأضاف “نواياهم كانت طيّبة، لكنها، على الأرجح، لم تكن رؤية واقعية”.

وفي استطلاع رأي حديث، أجراه معهد غالوب في مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، تبيّن أن 52 في المئة من الأشخاص الذين استُجوِبوا يرَون أن البلاد تراجعت في هذه القضايا، مُقابل 25 في المئة يرَون العكس. وذلك بعد أكثر من خمسين عامًا على إلغاء التمييز العرقي و150 عامًا على إلغاء العبودية.

الحقيقة أن التراجع لم يكن حكرًا على القضايا العرقية، بل طال جوانب عدّة في السياسات الداخلية، في التعليم وفي الصحة خصوصًا، وفي سياسات أميركا حيال العالم أيضًا. وهو الأمر الذي أوجد بيئة موضوعية لنشوء حالة شعبوية ونموّها في المجتمع الأميركي، وفي عديد المجتمعات الغربية أيضًا، حملت شخصًا ورجل أعمال من نوع دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، وتعدنا بحالات شبيهة في عدد من البلدان الغربية، مع ما يُمكن أن يكون لهذا الأمر من تداعيات على العالم أجمع.

 

أوّلًا: أميركا والعالم

بعد المفاجأة التي حققها دونالد ترامب بفوزه بمنصب الرئيس في الانتخابات الأميركية التي جرت في خريف العام الماضي، والتداعيات المتتابعة بعد هذا الفوز على خلفية الشعارات والمواقف التي أطلقها إبّان الحملة الانتخابية، وقد أثارت حفيظة أوساط مهمّة، في أميركا وفي العالم على حدّ سواء، لدى حكومات ولدى قطاعات واسعة من النخب السياسية والثقافية والإعلامية والرأي العام، توقّع كثيرون أنه لا بدّ سوف يوازن بين هذه الشعارات والمواقف من جهة، والرؤية التي سوف يُفصح عنها في خطاب التنصيب لحظة تسلّمه مقاليد السلطة في البيت الأبيض من جهة أخرى. لكنه فاجأ كثيرين أيضًا حين أصرّ على ترديد أفكاره، على الرغم من جميع ما أثارته من استهجان وجدل، ما يعني أنه متمسّك، إلى حدّ كبير، بالمدّ الشعبوي الذي حقّق له الفوز.

الشعار الرئيس الذي أطلقه في حملته الانتخابية كان “أميركا عظمى مجدّدًا”، والشعار الذي أطلقه في خطاب تنصيبه كان “أميركا أوّلًا”. وهو يرى أن السياسات، الداخلية والخارجية، التي سادت في عهد الإدارة السابقة، وآلت إلى تراجع مالي واقتصادي كبيرين، لم تعد مُجدية، ذلك أن أرقام التجارة والأعمال لم تعد تُشير، بحسب رأيه، إلى عظمة أميركا وقوّتها، بل إلى أفول أميركي شامل، واضعًا ملفّات السياسة والاقتصاد والأمن والاجتماع في سلّة واحدة. لكنّ كثيرين من رجال الأعمال الذين صفّقوا لـ “رجل الأعمال الرئيس”، لا يوافقونه على ما هو معلن من “توجّهاته الإصلاحية” التي تتطلّع إلى إجراءات من نوع “تشديد الحمائية” و”السياسات الضريبية” التي من شأنها أن تنسف كلّ ما فعلته الولايات المتحدة لتكريس حريّة السوق، ما يعني، في نهاية المطاف، افتراقًا عن العولمة التي كانت أميركا هي من دفع إليها، لكنها وجدت أن الصين كانت من أكبر المستفيدين منها بعد ذلك، خاصّة أنها أخذت تنافس أميركا ذاتها.

هذا، وقد حذّرت تقارير لمراكز أميركية من اضطرابات سوف تحدث، في حال أقدم ترامب على تنفيذ توجّهاته بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقات التجارة الحرّة وفرض إجراءات الحماية، وخصوصًا أّنها جرت بالتزامن مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويتلازم هذا، في مفهوم ترامب لشعار “أميركا أولًا”، مع انقلاب في العلاقات الدولية، يؤسّس -ربّما- لتعاون مفتوح مع روسيا، وإشكالات مع الاتحاد الأوروبي تشجّع على تفكيكه، وكذلك حلف الأطلسي، ورفع منسوب التحدّي والعداء مع الصين.

لقد لفت محلّلون وسياسيون كُثُر إلى أنه إذا كان الشعار الكبير الأول للرئيس ترامب هو العمل لاستعادة أميركا عظمتها ومجدها؛ فإن أوّل شروط هذه الاستعادة هو توحيد البلاد، ورأب الشروخ التي خلّفتها مواقفه الفظّة والعنصرية ضد شرائح واسعة من مواطنيه، فيما تلويحه بإلغاءٍ أو تعديلٍ جذريّ لقانون “أوباما كير”، أكبر الإنجازات الداخلية لسلفه في مجال الصحة، يُنذر بتسعير الانقسام المجتمعي. ليس من شكّ في أن إعادة الوحدة واللحمة عملية شاقّة فيما موجة الاعتراض على تسلّمه الرئاسة لا تفتر ولا تكلّ.

يبدو أن الأمر لن يطول كثيرًا حتى يصطدم ترامب بواقع أميركا الداخلي المرّ، وبقيادات من حزبه، وبالتبدّلات التي طرأت على الخريطة الدولية من بحر الصين إلى الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا وقلب أوروبا. فهل يتبدّل سريعًا ويتجنّب المغامرات الطائشة، أم سيأتي وقت يترحّم فيه الأميركيون والعالم على سلفه أوباما؟

في عام 1933، تحدَّى روزفلت العالم بأن يتغلّب على خوفه. وفي عام 2017، طلب ترامب من العالم أن ترتعد فرائصه خوفّا.

 

  • أميركا وروسيا

بحسب تقارير صحافية أميركية، يرى كبار المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والعرب المشاركون في مناقشة السياسات الجديدة للرئيس دونالد ترامب، أن الإستراتيجية الجديدة تستهدف تحقيق التوافق بين تعهدّات الرئيس ترامب المتناقضة بشأن تحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورفض الوجود العسكري لإيران- أحد أهم حلفاء موسكو-  في الشرق الأوسط حاليًا. وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فإنّ الإدارة الأميركية الجديدة تدرس سبل إفساد التحالف العسكري والدبلوماسي الروسي مع إيران سعيًا وراء إنهاء النزاع السوري، وتعزيز الحرب ضدّ تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ما يعني أن دبلوماسية “دقّ الأسافين” قد تكون أحد الخيارات الرئيسة لهذه الإدارة، خاصّة بين روسيا وإيران، إذ يبدو أن هذه الإدارة لا ترى أن روسيا تمثّل الخطر نفسه الذي كانت تستشعره أميركا تجاه الاتحاد السوفياتي طوال سنوات الحرب الباردة.

ولا توضّح هذه الاستراتيجية الإشارات المتناقضة التي أرسلها ترامب ودوائره السياسية فيما يتعلّق بموسكو، والتي أثارت غضب حلفاء الولايات المتحدة ومخاوف زعماء الحزب الجمهوري بالكونغرس أيضًا.

يعرض ترامب على موسكو رفع العقوبات الأخيرة التي أقرتها إدارة أوباما لقاء المشاركة الفعلية في الحرب ضد الإرهاب، وكأنه يريد إنعاش تفاهم كيري/ لافروف في هذا الشأن، التفاهم الذي سبق أن وقف ضدّه جنرالات في البنتاغون ووكالة الاستخبارات الأميركية، لئلا يجري تبادل معلومات أمنية حسّاسة بين الجانبين. يعرض أيضًا رفع العقوبات المتعلّقة بالملفّ الأوكراني لقاء توقيع اتفاق على خفض الإنتاج النووي، مؤكّدًا بذلك عدم استعداده المقايضة بين الملفّين السوري والأوكراني، بحسب ما سعى له بوتين منذ التدخل العسكري المباشر في سورية.

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، بدا معتدلًا في موقفه تجاه روسيا، لكنه خالف التوقّع الذي ذهب إلى أنه سيكون مجاملًا لها نظرًا إلى الصداقة التي ربطته ببوتين. وربّما كانت علاقته المعروفة بروسيا وراء حرصه على تأكيد تبنّيه سياسة حازمة تجاهها. لكن مُجمل موقفه يجعله أكثر تشدّدًا من رئيسه. ففي شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ قُبيل تنصيبه، أعطى لمحة مهمة عن توجّهاته وقناعاته، إنما أوضح أيضّا أنه لم ينسّق مسبقًا تلك المواقف مع دونالد ترامب، وأن القرار النهائي عائد دومًا إلى الرئيس. تفيد الأولويات التي أدرجها تيليرسون، أنه راغب في الشراكة مع روسيا في محاربة إرهاب (داعش) وأمثاله وكذلك في محاربة صعود الإسلام الراديكالي برمّته بما في ذلك (الإخوان المسلمون)، عكس إدارة أوباما التي حمّلها مسؤولية دعم الراديكالية الإسلامية وبروز (داعش)، وتداعيات تخلّي الولايات المتحدة عن قيادتها العالمية وعلاقاتها التقليدية مع الحلفاء، بالذات في الشرق الأوسط. وقد ربط تعزيز العلاقات مع روسيا باحترامها المصالح الأميركية، وقال “إن سياستها في الفترة الأخيرة تتعارض مع هذه المصالح”. لكنّه لم يشارك نائب الرئيس، ماتيس، موقفه الذي عدّ روسيا التهديد الأكبر للمصالح الأميركية، واكتفى بالحديث عن خطر روسي عليها. كما أن حديثه عن “حقّ حلفائنا في الناتو في أن يقلقوا من توسّع دور روسيا”، لم يرقَ إلى ما ذهب إليه ماتيس الذي حذّر من سعي بوتين لتفكيك هذا الحلف.

في دوره، تبنّى مدير المخابرات المركزية، مايك بومبيو، موقفًا أضعف من ماتيس وأقوى من تيلرسون بشأن روسيا، فلم يعدّها التهديد الأكبر، إنما جعلها “في مقدّمة لائحة التحديات في الفترة المقبلة” مستندًا إلى غزوها أوكرانيا واحتلالها القرم، وتهديدها أوروبا، وتوسيع نفوذها في سورية، من دون أن تفعل شيئًا تقريبًا لمواجهة (داعش).

في المقابل، يُدرك بوتين حاجة ترامب إلى مساعدته، وهو ليس توّاقًا إلى تقديم المساعدة بقدر توقه إلى محاولة ابتزاز الرئيس الجديد، بربط الملفّات الشائكة ببعضها بعضًا.

من جانب آخر، يُعرب عدد من الخبراء الروس في واشنطن عن اعتقادهم أن بوتين سيُطالب بثمن فادح مقابل أي تحرّك من جانبه للابتعاد عن إيران. وعلاوة على رفع العقوبات، سيطلب من الولايات المتحدة تخفيف حدّة انتقاداتها للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ووقف التوسّع في فتح باب العضوية في حلف الناتو أمام البلدان المجاورة للحدود الروسية، ومسائل أخرى تخصّ الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا الشرقية.

لكن بوتين يُقلقه أن يضع أعضاء بارزون في الإدارة الجديدة روسيا على قائمة الدول التي تهدّد مصالح الولايات المتحدة وأمنها. يُقلقه أن يقرأ أن 82 في المئة من الأميركيين يعدّون أن بلاده تمثّل تهديدًا لبلادهم. لذلك، لا يكفي الاطمئنان إلى نيّات نظيره الأميركي الجديد. يُواصل جاهدًا بناء قواعد عسكرية وعلاقات إستراتيجية من سورية إلى مصر وليبيا مرورًا بالعراق وإيران وتركيا. وقد خلط حتى الآن كثيرًا من الأوراق بما يكفي لفرض واقع يصعب على الإدارة الأميركية الجديدة أن تقفز فوقه. سيُحاول إرغامها على التفاوض والمساومة. وليس أمرًا سهلًا أن يكون النظام الدولي الجديد كما يرتئيه أو يرسمه الرئيس ترامب لاستعادة “عظمة أميركا”. يكاد سيد الكرملين أن يُحدّد ملامح النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، أو يفرض خطوطه العريضة. بل، هو يسعى لتحدّي أوروبا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، انطلاقًا من أوكرانيا وربما غدًا من دول البلطيق، ودول أوروبا الشرقية المتوجّسة. لقد استفاد بوتين كثيرًا من مبدأ القيادة من الخلف الذي تبنّاه أوباما، وهو حصد كثيرًا نتيجة تخلّي الولايات المتحدة عن القيادة العالمية.

 

  • أميركا والصين

أما الصين التي يهدّدها الرئيس الأميركي الجديد فقد بسطت سيطرتها على الملاحة الدولية في بحرها، غير عابئة باعتراض شركاء آخرين من اليابان وكوريا الجنوبية، إلى فيتنام والفليبين التي يتوق رئيسها إلى علاقات عسكرية مع روسيا بديلًا من حماية أميركية تاريخية.

قبل بداية فترة رئاسة ترامب، كان يبدو، على درجة كبيرة من الوضوح، أن العلاقات الأميركية الصينية تواجه مشكلة بالغة التعقيد. فالاختلاف والتوتّر بين الدولتين يتفاقم بسرعة حول عدد من القضايا والملفّات، خاصّة ما يتعلق منها بالتجارة والعلاقة مع تايوان، والنزعات الإقليمية والتحركات العسكرية في بحر الصين الجنوبي. وجميعها من القضايا الشائكة التي يصعب الوصول فيها إلى حلول مُرضية، على الرغم من أن التحكم فيها أمر ممكن وضروري في الوقت ذاته.

وأفاد تقرير حديث لمجموعة من المتخصّصين البارزين بالشؤون الصينية حول العالم، بأن “اقتران التقلّبات المزاجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب والقابلة للاشتعال مع الحُكم العدواني والاستبدادي المتصاعد للرئيس الصيني، شي جين بينغ، يُنذِر باحتمال انهيار العلاقات الأميركية الصينية -الهشّة بالفعل- ودخولها عهدًا جديدًا خطِرًا. وأضاف التقرير، الذي سُلِّم إلى البيت الأبيض في مطلع شباط/ فبراير الجاري ونُشر في واشنطن في السابع من الشهر نفسه، أن “العلاقات بين البلدين المُسلّحين نوويًّا، من المُمكن أن تتدهور سريعًا، ما يؤدي إلى حدوث مواجهات اقتصادية وربما عسكرية، إذا لم يُتَوصَّل إلى تسوية بشأن القضايا المختلفة ومن ضمنها التجارة، وتايوان، وبحر الصين الجنوبي”.

وفي تصريح أدلى به لصحيفة الغارديان البريطانية، قال وينستون لورد، سفير الولايات المتحدة السابق لدى الصين، وأحد المشاركين في إعداد التقرير “لم أَصِل إلى درجة اليأس التامّ بعد، وأظنّ أننا نستطيع تجاوز هذه العقبات. ولكنني أعتقد أننا الآن في أكثر الأوضاع غموضًا منذ مذبحة ميدان تيانانمين، وذلك بسبب السياسات التي تتّبعها الصين، وعدم وضوح قرارات ترامب”.

وكان ترامب قد أشار من قبل إلى اتخاذ موقف أكثر تشدّدًا تجاه ما وصفها بـ “الصين السيئة”، حتى قبل فوزه الصادم بالانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

ومع الحملة الانتخابية، وبعد تسلّم مفاتيح البيت الأبيض، انتقد أعضاء في فريق ترامب موقف أوباما “الضعيف” حيال الموقف في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ودعَوا إلى زيادة الوجود العسكري في المنطقة، بوصفه جزءًا من إستراتيجية “إحلال السلام من خلال استخدام القوّة” التي تهدف إلى مواجهة الصين.

وقد ردّت بكين سريعّا ملوّحة بمواجهة مدمّرة إذا اعترضتها الولايات المتحدة في البحر الجنوبي. لذلك، يبدو الخيار العسكري في الهادئ، أو جنوب شرقي آسيا، أمرّا يحمل كثيرًا من المخاطر.

 

  • أميركا وإيران

احتلّت إيران حيّزًا مهمًا في المواقف والشعارات التي أطلقها المرشّح الرئاسي، دونالد ترامب، في مسار حملته الانتخابية؛ وكذلك الأمر في المواقف التي صدرت عن الإدارة بعد فوز ترامب ودخوله البيت الأبيض. وقد جاءت هذه الشعارات وتلك المواقف متباينة ومتناقضة مع السياسة التي اعتمدتها إدارة أوباما السابقة تجاه إيران. فهل يعني هذا أن لدى الإدارة الجديدة رؤية وموقفًا جديدين لمنطقة الشرق الأوسط تندرج فيهما إيران؟

لقد أكّد ترامب خلال حملته الانتخابية إجراء مراجعة شاملة للاتفاق النووي مع إيران؛ كما أوضح تيلرسون في شهادته التي أدلى بها أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، قبل أن يجري تثبيته وزيرًا للخارجية، أن إيران ستكون تحت المجهر في رعايتها التطرّف والميليشيات، كما في تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الذي لن يُمزّق، وفق ما سبق أن أفادت الأجواء الانتخابية، إنما سوف تجري مراجعته فحسب.

وأوضح ترامب ومستشاروه منذ تولّيه الرئاسة أن فرض القيود على إيران سيكون من بين أولويّاتهم. وفي أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلنت الإدارة الأميركية أنها منحت طهران “مهلة”، مع فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 25 شخصًا وكيانًا إيرانيًا بسبب دورهم في دعم برنامج القذائف البالستية، والنشاط الإرهابي الإيراني. وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية، في الوقت نفسه، مدمّرة بحرية لحماية المياه الإقليمية حول اليمن. وقد أثار استعراض القوّة هذا مخاوف من نشوب نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران. كما أصدر البيت الأبيض في مطلع شباط/ فبراير الجاري بيانًا لمستشار الأمن القومي انتقد فيه اختبار إيران في الآونة الأخيرة صواريخ بالستية، وشنّها أيضًا عددًا من الهجمات في الأشهر القليلة الماضية من خلال الميليشيات الحوثيّة، المدعومة من طرف إيران، ضدّ السفن الأميركية والسعودية والإماراتية قبالة سواحل اليمن؛ ثم انتقد البيان صفقة إيران النووية وإدارة أوباما، قبل أن يختم بالقول: “إننا نحذّر إيران رسميًا”؛ وأعقبه بتصريح في الثالث من الشهر نفسه، اتَّهم فيه المجتمع الدولي بأنَّه كان “متساهلًا أكثر من اللازم مع سلوك إيران السيئ”، مُضيفًا أنَّ “إدارة ترامب لن تتساهل بعد الآن مع الاستفزازات الإيرانية التي تُهدِّد المصالح الأميركية”. وهذه هي أول جولة ذات مغزى لإدارة ترامب منذ تولّيها السلطة في ما يتعلّق بطريقة التعامل مع إيران.

حتّى الآن؛ يتجلّى الاختلاف بين باراك أوباما ودونالد ترامب في التعامل مع إيران، كما يبدو، في أن أوباما كان عازمًا على كسر بعض الحواجز المتعلقة بالملفّ النووي الإيراني، بينما يركّز ترامب على منع أي مكتسبات قد تحصل عليها إيران من الاتفاق.

لكنّ إيران التي يُقلقها “الغزل” الناشئ بين ترامب وبوتين، لا يبدو، حتى الآن، أنها على استعداد للتنازل بسهولة عما بنت في العقدين الأخيرين، بل هي ماضية في بناء ترسانتها الصاروخية، وتطوير أسلحتها التقليدية وغير التقليدية، مع ما لهذا الأمر من تداعيات لا تخفى.

 

  • أميركا والشرق الأوسط

يظلّ الشرق الأوسط العنصر الأكثر خطورة وتعقيدًا، وربما الأكثر إثارة للجدل، في مقاربة إدارة أوباما للشؤون العالميّة. وهناك كثيرون من الذين رأوا مبكّرًا، وهم على حقّ، أن الشرق الأوسط سيبدو أسوأ كثيرًا عندما يغادر أوباما البيت الأبيض، ممّا كان عليه عندما دخله.

لقد تحدّدت الأهداف الاستراتيجية لإدارة أوباما حيال منطقة الشرق الأوسط، بحسب ما أدلى به روبرت مالي، المساعد الخاص للرئيس أوباما ومنسّق شؤون الشرق الأوسط في هيئة مجلس الأمن القومي، في المقابلة المهمة التي أجراها معه، في وقت سابق من عام 2016، أرون ديفيد ميلر الكاتب بمجلة (فورين بوليسي) في:

أ- تجنّب الهجمات الإرهابية على الأميركيين (أولوية الرئيس يجب أن تكون هي الدفاع عن الأمن الأميركي).

ب- تجنّب المغامرات العسكريّة الكارثيّة (الصراعات المُكلفة المفتوحة النهايات)، وعدم التورّط في مغامرات عسكرية.

ج- تجنّب الوهم القائل إن النصر العسكري يُترجم دائمًا إلى نجاح سياسي دائم.

وهذه هي المعايير التي يُمكن استخدامها لقياس أداء إدارة أوباما المُنقضية.

 

وكثيرًا ما كانت إدارة أوباما، في دفاعها عن رؤيتها هذه، تُشير، في استهداف واضح لإدارة جورج بوش الابن السابقة عليها، إلى أن الولايات المتحدة، عندما حلّ أوباما في البيت الأبيض، كان لها ما يقرب من 150 ألف جندي في العراق، وهو ما كان يتطلّب تخصيصًا للموارد البشرية والمادية غير قابل للاستدامة، وكان سببًا في إلحاق الضرر بالأمن القومي الأميركي، في الوقت ذاته الذي كانت إيران تعمل فيه أيضًا على تطوير برنامجها النووي، ما كان يُمثّل في مجمله تهديدًا بإمكانية الانخراط في مواجهات عسكرية خطِرة.

في الحصيلة، يُمكن القول إن إدارة أوباما، في إحلالها رؤيتَها هذه، هدّدت الهدف الكلاسيكي للسياسة الخارجية الأميركية منذ الأربعينيات من القرن الماضي، والمتمثل في المحافظة على نظام الأمن العالمي المبنيّ على القيم الليبرالية، والقانون الدولي، بوساطة نظام أمن جماعي مرتكز على استعداد أميركا للدفاع عن هذه القيم، ليس ضد المنافسين الأيديولوجيين فحسب، إنما ضدّ أيّ قوة إقليمية تعمل على إخضاع جيرانها والهيمنة عليهم، في تحدٍّ صريحٍ لهذه القيم وفي تهديدٍ واضحٍ للأمن الدولي.

ويُخشى من أن سياسات ترامب، في جوهرها، ليست بعيدة من هذه الرؤى والتوجّهات. فهو يربط سياساته حيال الهجرة بمتطلّبات الأمن ومكافحة الإرهاب؛ والتشريع الذي أصدره مؤخرًا بمنع رعايا سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، بعيدًا من تداعياته وردّات الفعل عليه، يقبع في صُلب هذه السياسات. لا بل هو يذهب إلى أبعد من ذلك، خاصّة حين يطرح إستراتيجية دفاعية غير مُكلفة لأميركا على الصعيد الخارجي، إذ إن تأكيده التزام مكافحة الإرهاب، مثل إصراره على بناء جدار مع المكسيك، مرتبط بإلزام الدول الأخرى دفع التكاليف. كما أنه يبدو أكثر اندفاعًا في تهميش قضايا الشعوب وحقوقها، ما ينزع عن السياسة الخارجية الأميركية أكثر قناعَ المبادئ والقيم الذي كثيرًا ما تغطّت به. وقد رأينا مبكّرًا مثال ذلك في التوجيهات التي أصدرتها الإدارة لمندوبيها في الأمم المتحدة بالامتناع من تأييد كل ما يُمكن أن يسيء إلى إسرائيل!؟ وقبل ذلك في تأكيد ترامب إبّان حملته الانتخابية نقلَ سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، وفي تكوينه غطاءً سياسيًا لمشروع إسرائيل الاستيطاني في الضفة الغربية، مع جميع ما يسبّبه هذان الأمران من إجهاض مشروع الحلّ المتمثّل بالدولتين، بغضّ النظر عن التراجع الذي حصل بعد ذلك عنهما تحت تأثير ضغوط داخلية وخارجية.

ومع الأخذ في الحسبان التباينات التي ظهرت مبكرًا بين الرئيس دونالد ترامب، وبعض أهم أعضاء فريق إدارته؛ فإن هذا لا ينفي صواب الفكرة التي تقول إن ما كان يؤخذ على باراك أوباما، أنه كان يعمل على “انسحاب” أميركا من منطقة الشرق الأوسط قبل حلّ النزاعات التي كان لها يدٌ في إشعالها، قد يتحوّل إلى سياسة منهجية مع دونالد ترامب. فكلاهما يرفع شعار “أميركا أولًا”، ولكن، كلٌّ بطريقته.

لا تُمثّل روسيا والصين وإيران وحدها تحدّيًا للرئيس الأميركي الجديد؛ فدعوة بعض أقطاب إدارته ومستشاريه إلى إعادة بناء العلاقات مع الحلفاء التاريخيين في المنطقة العربية، ستكون حلمًا بعيد المنال، إذا نفّذ وعده بنقل مقرّ السّفارة الأميركية إلى القدس. وأول الغيث إنذار السلطة الفلسطينية بسحب الاعتراف بإسرائيل، وتشديد مؤتمر باريس على حلّ الدولتين صيغة وحيدة لتسوية الصراع في المنطقة. إن نقل السفارة قد يستثير العالمين العربي والإسلامي برمّته، ويدفع بمزيدٍ من الشباب إلى أحضان التطرّف بأشكاله كافّة.

 

ثانيًا: أميركا والمسألة السورية

أطلق الأميركيون بعيد انطلاق ثورة السوريين في آذار/ مارس 2011 شعارات مُغرية وفضفاضة عن ضرورة رحيل بشار الأسد، لكنهم أخضعوا ذلك للضرورات التكتيكيّة في علاقتهم مع القوى الأخرى في المنطقة، ثم للضرورات الإستراتيجيّة التي تخدم رؤيتهم إلى تقليص دورهم في “أقاليم غير مُجدية”، والتركيز بدلًا من ذلك على استشراف التهديد الآتي من شرقي آسيا، وتحديدًا من الصين المتعاظمة الدور والطموح.

كانت مواقف الأميركيين منذ البداية تعكس ارتباكهم وانقسامهم، بين الرغبة المبدئية في مساعدة السوريين على التغيير، وأولويّة قرارهم بالانسحاب من بؤر التوتر الإقليمية، وفي مُقدّمها الشرق الأوسط. وكي يتفادوا الإحراج المتعلق بدورهم بوصفهم قوّة عظمى وحيدة، صاروا يقولون غير ما يفعلون، ثم ركّزوا على بناء شراكات متعدّدة في المنطقة، تُعفيهم من تحمّل المسؤوليّة كاملةً عن كل نزاع، مهما كبر حجمه أو صغر، واختاروا الروس في سورية.

منذ عقد مؤتمر جنيف الأول (حزيران/ يونيو 2012)، والفشل الذريع في فرض آلية لتطبيقه، بدا واضحًا أن واشنطن في طريقها إلى التخلّي تدريجيًا عن أهدافها المُعلنة في التغيير، وجرّ المعارضة معها إلى هذا التراجع. وجاء جنيف الثاني ليسجّل رسميًا هذا التراجع، وسط دعوات إلى “العقلانية” واقتناص “الممكن”، من تسوية شاملة للوضع السوري إلى التركيز على التفاصيل في كلّ جبهة مواجهة على حدة. وأخذت تصوّر الحالة السوريّة كأنها نزاعٌ أو صراعٌ أهليّ يُمكن أن يُحلّ عبر تقاسم النفوذ، وليست ثورةً تهدف إلى إنصاف شعب يعيش منذ نصف قرن تحت عسف نظام دموي قاتل!؟

كان هذا النهج الذي حكم إدارة أوباما المنقضية، وراء كثير من المآسي التي حلّت بالسوريين، والتي لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلًا؛ ووراء كثيرٍ من الدمار الذي لحق بسورية أيضًا. وهنا لا نجانب الحقيقة حين نؤكّد حضور إسرائيل في هذا كلّه.

فهل هناك تغيير في النهج الذي سوف يحكم إدارة ترامب، مقارنة بالنهج الذي حكم إدارة سلفه؟ جميع المُعطيات التي توافرت، حتى الآن، عن موقف الإدارة الجديدة من المسألة السورية، لا يسمح لنا بوضع أيدينا، مع شيء من اليقين، على النهج الذي سوف يحكم هذه الإدارة في تعاطيها مع هذه المسألة. ويبدو جليًا أن كلّ الأطراف المُشاركة الآن في التحرّكات الدولية الجارية بصدد هذه المسألة، من أستانة التي عُقدت إلى جنيف4 القائم الآن، تضبط وقع حركتها في انتظار التعرّف إلى الموقف الأميركي الجديد.

وبعيدًا من جميع الشعارات والمواقف التي طُرحت في الحملة الانتخابية، فإن الثابت الآن أن الإدارة الجديدة، كما السابقة، تؤسّس رؤيتها إلى المسألة السورية على أرضية محاربة (داعش) والقضاء على الإرهاب، وتُبدي في ذلك عزمًا لم تُبدِه الإدارة السابقة؛ وكلّ ما عدا ذلك من معالجات سياسية يجب أن يصبّ في خدمة هذا الهدف.

وزير الخارجية الجديد، ريكس تيلرسون، شرح خلال النقاش في نهاية شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ رؤيته بقوله “إن على الولايات المتحدة أن تتفاوض وتتواصل مع الحلفاء التقليديين والأصدقاء في منطقة الشرق الأوسط لنؤكد لهم أننا عدنا إلى القيادة، ولدينا خطة للتأثير في الحوادث في سورية، بعد أن فرضت كلٌّ من روسيا وسورية وتركيا وإيران، كيف تسير الأمور في سورية اليوم من دون مشاركة أميركية”. وأضاف “بعد ذلك ستكون لدينا خطة نطوّرها مع مجلس الأمن القومي حول تحقيق أمرين اثنين: الأوّل، حماية الأبرياء على الأرض السورية ووقف تعرّض السوريين للقصف العشوائي، ووقف تدفّق السوريين الهاربين من النزاع إلى الخارج؛ والثاني، دحر تنظيم الدولة؛ وأن لدى الإدارة الحالية هدفين: الأول ذهاب بشار الأسد، والثاني دحر تنظيم الدولة، ولقد شاهدنا أن تحقيق هذين الهدفين صعب جدًا”. وأضاف “أما تقرير مصير الشعب السوري والأمة السورية ومستقبلهما؛ فإن هذا يتطلّب خطوات عدّة، ولكن لن يبدأ ذلك قبل أن نعود إلى التواصل مع المنطقة. وعندما يتكلّم الناس عن تغيير النظام في سورية، فإن الأهمّ معرفة من سيحلّ مكان النظام، وإنه من الممكن الضغط على النظام الذي يقمع شعبه لتغيير تصرفاته”.

هذا يعني، بصريح العبارة، أننا عدنا إلى طرح شعار “تغيير سلوك النظام” الذي كانت إدارة جورج بوش الابن قد طرحته بعد حرب العراق في عام 2003!؟ وكأن السوريين ثاروا، وقدّموا كلّ ما قدّموه من تضحيات، وبعد أن لحِق بسورية كلّ هذا الدمار على أيدي هذا النظام، من أجل مثل هذا الشعار!؟

وإذا كان هنالك من يرى أن التوجّه الحازم لدى ترامب وإدارته من أجل وقف التمدّد الإيراني في سورية، وعلى صعيد المنطقة، وتقليص نفوذ إيران، يحمل جانبًا إيجابيًا لا بدّ أن يعود بالنفع على مستقبل السوريين وعلى الحلّ السياسي المرتجى لقضيتهم؛ غير أن من يتمعّن في حيثيّات هذا التوجّه، سوف يكتشف أنه جاء بدلالة المصلحة الإسرائيلية، وليس خدمة لمصلحة سورية وقضيّة السوريين، وإن كان يخدمهم على الهامش.

من جانب آخر، ليس من شكّ في أن توجّه ترامب لإقامة مناطق آمنة في سورية يمثّل تحوّلًا كبيرًا في السياسة الأميركية؛ ذلك أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كثيرًا ما حال دون تنفيذ هذه الفكرة بذريعة أنّها تتطلّب التزام الدفاع عن مثل هذه المناطق من هجمات للنظام السوري أو حلفائه، وهو أصرّ على عدم تقديم مثل هذا الالتزام على الرغم من جميع الضغوط التي تعرّض لها. أما ترامب، فهو يتطلّع إلى تنفيذ هذه الفكرة دون أن يحدّد حتى الآن فهمه لفكرة المناطق الآمنة ومع أيّ من الأطراف سوف يُنسّق لتنفيذها. ثم إن من يتمعّن في مثل هذا التوجّه، سوف يلحظ من خلال الحيثيات التي انبنى عليها أنه جاء بدلالة المصلحة الأميركية قبل أيّ أمرٍ آخر، ذلك أن ترامب يرى في مثل هذه المناطق الآمنة السبيل الأفضل لوقف تدفّق اللاجئين الذين يرى فيهم تهديدًا محتملًا لأمن الولايات المتحدة، ولكن الأخطر أنها تنطوي على تقاسم مناطق النفوذ بين الدول الإقليمية، وتمهّد لتقاسم النفوذ بين أميركا وروسيا، بل إنّها قد تمهّد لتقسيم سورية. فضلًا عن أنه لا يوجد حتى الآن إجابات واضحة عن الكيفية التي سوف تتجنّب بها إدارة ترامب المشكلات التي تذرّعت بها إدارة أوباما لفرض هذه الفكرة.

 

خاتمة

على الرغم من قول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إن الأوان فات على فعل شيء في سورية، ومع ما عرضنا له أعلاه، إلا أن هذا لا يعني ابتعاد إدارة ترامب من الملفّ السوري، فضلًا عن أنه غير مُمكن ما دامت الحرب مستمِرّة ضد الإرهاب. فتحت عنوان “الحرب على الإرهاب” هناك رزمة من القضايا المتشابكة والمعقّدة، والتي ترى واشنطن أنها منخرطة فعليًا فيها، وبخاصة الملفّان السوري والعراقي، وانسحابها لا يُمكن أن يأتي بقرار اعتباطي. وعلى فرض خضوع مثل هذا القرار لمزاجيّة ترامب، فهناك متحفزّون في الحزبين الجمهوري والديمقراطي للانقضاض عليه ومنع حدوث ذلك.

وعلى الرغم من أن التصريحات التي أدلى بها، في سياق حملته الانتخابية، بخصوص المسألة السورية، لا تدعو إلى الارتياح؛ إلا أن هذا لا يعني أنها ستكون المرجعيّة التي ستستند إليها إدارته في صوغ سياساتها.

لكن هذا يعني بالنسبة إلى السوريين أن ثورتهم، بعد نحو ستّ سنوات على بدايتها، توشك أن تدخل في مرحلة جديدة، مختلفة كليًا عما سبق، وهو أمرٌ يتطلّب، من قوى الثورة والمعارضة خصوصًا، إعادة قراءة المشهديْن، الإقليمي والدولي، والتصرّف بناء عليه، سواء في ما خصّ الوضع الميداني على الأرض، أو المسار السياسي الذي تدفع روسيا به من محطة الأستانة، على أمل أن يصل إلى جنيف.

فبعد الحرب التي شنّتها روسيا على السوريين، وعملت من خلالها على تغيير موازين القوى الموجودة على الأرض، تسعى الآن، لخلق وقائع سياسية جديدة، تُريد لها أن تكون بمنزلة السكّة للحلّ الذي ترتئيه للسوريين، وتأمل في ألّا يكون في وسع الولايات المتحدة القفز من فوقها.

هذا يتطلّب من قوى الثورة والمعارضة أن تُبرهن، بعد كلّ الذي جرى لها، أنها قادرة على الخروج من الحالة الهلاميّة السائدة، ومن حالة الانتظار التي تعوّدت عليها واستمرأتها، والعمل على توحيد صفوفها، وصوغ مبادرات تطرحها على القوى الدولية الفاعلة والمؤثّرة، تُحافظ من خلالها على مطالب الحدّ الأدنى للسوريين التي لا يُمكن أن يتراجعوا عنها في أحلك الظروف، وعلى فتح قنوات حوار دائمة لخدمة هذا التوجّه.

وما عدا ذلك، فإن الاستمرار في الانتظار لن يُوصل إلّا إلى التدهور والاندحار.

مقالات ذات صلة

إغلاق