يعدّ نازحو الداخل السوري من الحلقات الأضعف في الصراع المستمر في سورية، والأمر أكثر حساسية للذين نزحوا إلى الساحل السوري، فهم “بيئة حاضنة للإرهاب” في نظر موالين، وكثيرًا ما تحملوا مضايقات الموتورين طائفيًا، بعد كل عملية تفجيرية في الساحل، ومن جهة أخرى ينظر إليهم معارضون بأنهم “عبيد للنظام”؛ لأنهم ارتضوا اللجوء إلى مناطق سيطرته.
تشير تقديرات بعض الجمعيات المحلية التي تعمل في الشأن الإغاثي، إلى أن عدد النازحين في الساحل يتجاوز المليون ونصف المليون نازح، أغلبهم من محافظتي حلب وإدلب، وجلّهم من العوائل بدون معيل، يعيشون في المدينة الرياضية باللاذقية ومخيمات عشوائية، كمخيمي الكرنك والرادار في طرطوس. تدهورت أحوال النازحين المعيشية والصحية في الساحل مع الوقت، إذ أدى تقليص مساعدات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تأثرهم تأثرًا واضحًا.
وقال حسام. م، متطوع في جمعية محلية في اللاذقية، لـ(جيرون): إن “مبادرات العمل الإغاثي والجمعيات الأهلية، لا تملك مصادر تمويل كمنظمة الهلال الأحمر، لذلك؛ فإن تخفيض مساعدات مفوضية اللاجئين يؤثر مباشرة في عملها”. إن إحجام وزارة الشؤون الاجتماعية عن التعاون، والمضايقات الأمنية، تُصعِّب محاولات الجمعيات الأهلية في سعيها إلى تحويل المستفيدين منها إلى عهدة المنظمات المستمرة في العمل. وتتجه عدة جمعيات أهلية مرخصة من النظام لإقفال أبوابها في وجه النازحين. وأضاف حسام: “أغلب مشروعات التأهيل الخاصة بالناجين من الحرب توقفت، مشروعات التعليم المهني، وتعد إنتاجية، في طريقها إلى التوقف أيضًا بسبب نقص التمويل”. وفي الوقت نفسه اتجه اهتمام الجمعيات التي تتلقى تمويلًا حكوميًا من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى ذوي قتلى وجرحى النظام. أطنان المساعدات الدولية التي تأتي عبر مرفأي اللاذقية وطرطوس يجري السطو عليها، وتحويلها إلى جمعيات لمتنفذين في النظام السوري، أشهرها “جمعية البستان” لصاحبها رامي مخلوف، يكشف أحد العاملين في جمعية البستان، ويقول: “يجري تفريغ المساعدات الدولية في صناديق تحمل لصاقات جمعية البستان، ويجري توزيعها إما لذوي “الشهداء” بين الفترة والأخرى، أو تباع في السوق السوداء “كل عينات الإغاثة تحمل عبارة “غير مخصصة للبيع”، لكن ذلك لا يمنع المستهلك من تفضيلها؛ نظرًا إلى رخص أسعارها في ظل أزمة المواطن السوري المالية. يرى بعض من متطوعي الجمعيات أن التضييق الحكومي على الجمعيات يمارس لإجبار الشباب من النازحين إلى التطوع في جيش النظام وميليشياته، ويعدون إغلاق جمعيات على حساب جمعيات أخرى دليلًا على ذلك.
استقبِل النازحون مع بداية قدومهم إلى الساحل بالترحاب، يومئذ كان الموالون يرونهم قادمون من “حلب الأسد”، لكن مع اشتداد معارك ريف اللاذقية الشمالي، بدأ عدد النازحين الكبير نسبيًا يثير الخوف لدى العلويين من حدوث تحول ديمغرافي لمصلحة السنة، فظهرت حملات منظمة ضد النازحين بلغت ذروتها نهاية عام 2014 ، وتزامن ذلك مع حملة تجنيد إجباري نظمتها قوات النظام وميليشيا “الدفاع الوطني” للشبان النازحين إلى اللاذقية، تعرّض وقتئذ أصحاب رؤوس الأموال من النازحين لحوادث سرقة وخطف مقابل الفدية، لذا؛ فضّل هؤلاء من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمهن المختلفة الإقامة في محافظة طرطوس، بعيدًا عن مراكز وجود “الشبيحة” في اللاذقية، وانخرطوا في سوق العمل سريعًا. الحرفيون المهرة منهم في المنطقة الصناعية كشفوا افتقار الساحل لأصحاب الخبرة والمرونة في العمل، لذلك؛ يفضلهم أبناء الساحل في تلبية حوائجهم، يحرص الحلبيون على تشغيل يد عاملة محلية من العلويين، لتجنب المشكلات.
يأمل بعض أصحاب المشروعات العودة إلى حلب وإكمال أعمالهم فيها، لكن ذلك مرهون بموافقات النظام الذي سهل قدومهم إلى الساحل لما يؤدونه من خدمة في دعم الليرة المنهارة، وتنشيط الدورة الاقتصادية في الساحل على وجه الخصوص، بعض آخر منهم يجد في الساحل مناخًا أكثر أمنًا لرأس المال، مقارنة مع وضع حلب غير الواضح حاليًا، إضافة إلى مغريات العمل التجاري والصناعي في طرطوس، إذ لا يوجد قانون ملزم للتأمينات الاجتماعية.
التحديات التي يواجهها النازحون في الساحل أكثر دراماتية مما توقعوا، لأن المصاعب المعيشية والأمنية المستمرة، والخوف من الصدامات الطائفية بين الحين والآخر، كل ذلك يحمل قلقًا حول مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، قلق محفوف بأمل عودة مؤجل في الوقت الحالي، بسبب سعي النظام لافتعال تغيير ديمغرافي في حلب، وتواتر الأنباء عن فظائع ترتكبها الميليشيات الطائفية بالتعاون مع جيش النظام بحق أبناء حلب، في المناطق التي سيطر عليها أخيرًا، تصف نجلاء- وهي أم حلبية لثلاثة أطفال- الوضع الراهن بأنه “غيمة ولا بد أن تزول” وتضيف :”قدمنا إلى الساحل مضطرين، وخروجنا من بيوتنا خوفًا على أطفالنا لا يعني أن نترك بيوتنا للإيرانيين أو غيرهم، كل ذلك لن يدوم، وأفضل العودة إلى بيتي ولو كان ركامًا على تربية أطفالي في خيمة، قد تُحرق في أي وقت من بعض الموتورين”.