مقالات الرأي

عروش ودول تعيش على رماد ضحايا الهولوكوست السوري

يشار في اللغة اليونانية إلى الإبادة الجماعية بعبارة “holókaustos – هولوكوست”، أي حرق القرابين البشرية بالكامل، وقد سادت تقاليد حرق الإنسان حيًا في الأزمنة القديمة، وتجلت واضحة في الأساطير الفينيقية واليونانية، إذ كان يُحرق الجسد الحي إرضاءً للإلهة في أوقات الخطر والحرب وفي طقوس الخصوبة والمطر، وعندما يكون القربان المقدم طفلًا، كان الفينيقي يضع على وجهه قناعًا باسمًا لتمويه رعبه وذعره، وهم يسوقونه إلى النار، واشتهر العقاب حرقًا في محاكم التفتيش التي استمرت  1492 – 1577، وطالت هذه العقوبة المسلمين والمسيحيين و كل من خالف تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، كذلك أقام هتلر في الحرب العالمية الثانية الأفران وألقى اليهود والغجر وغيرهم من خصومه فيها. وهناك آلاف المحارق التي حفل بها الماضي كان ضحاياها الملايين من البشر ، فنيرون أحرق روما بمن فيها ومن عليها، وأحرق هولاكو  كل ما صادفه في غزواته من بشر وشجر وحجر، ولم تزل المحارق قائمة في وقتنا الراهن، وبعضنا يستهويه الترحال في الماضي والغوص في جرائمه، ليهرب من حاضر متخم بمحارق يفوق هولها وحجمها ما طفح به الماضي، وعلى الرغم من أن معظم الجرائم التي حدثت فيه أدانتها الثقافات العالمية القديمة والحديثة، يبقى استيطانها في قلب الماضي أمرًا ملهمًا لطغاة الأرض حيثما كانوا، ويظل استحضارها أمرًا مرغوبًا فيه منهم، لكونه يعمي الأبصار عن جرائمهم في الوقت الراهن، فقبل أن يقدم تنظيم الدولة الإسلامية على حرق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، على سبيل المثال -والتاريخ هنا ليس ببعيد، بل مازال ساريًا حتى اللحظة-  أقدمت العصابة الأسدية، والمافيا الروسية بزعامة بوتين، ومازالت تقدم، وبالتزامن مع مؤتمر جنيف، على حرق آلاف النساء والأطفال والرجال والشيوخ في بيوتهم وقراهم ومدنهم وهم أحياء، فإن كان الفينيقيون واليونانيون قد أحرقوا البشر لاسترضاء الآلهة؛ ألا تقدم العصابة الأسدية، ومعها عصابة طهران، على حرق السوريين، انطلاقًا من خرافة وذريعة التمهيد لمجيء المهدي المنتظر؟ وإذا كانت محاكم التفتيش قد أحرقت كل من ارتد عن المذهب الكاثوليكي وخالف معتقداتها، ألا تمارس المافيا الروسية عقوبة الحرق والقتل والذبح بحق السوريين، بتأييد من كنيستها البروتستانتية؟، وإن كان هتلر قد أقام الأفران لإحراق خصومه، ألم تحول العصابة الأسدية المدن السورية إلى أفران تشوى فيها أرواح وأجساد السوريين وهم أحياء؟، وإلا ماذا نسمي المجازر التي ارتكبتها تلك العصابات بحق أهالي تلبيسة والحولة والرستن وبابا عمر ورأس النبع والبيضا والنبك والقارة ودير عطية، حيث جمعت عائلات بكاملها في غرف مغلقة وأضرمت النار فيها حتى تفحمت، أليست هذه محارق؟ ثم ماذا تفعل براميل وصواريخ ومدافع وطائرات العصابة الأسدية منذ ست سنوات، وحتى اليوم، سوى أنها تحرق الأحياء وتحيلهم إلى رماد؟ وفي لحظة كتابة هذه السطور، وبينما تجري المفاوضات في جنيف تتسابق صواريخ وبراميل الأسد مدعومة بالطيران الروسي لتشعل النيران بأرواح أبناء دوما وحلب درعا ودير الزور وحمص، دون أن تحظى تلك المحارق الهولوكوستية باهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية، أو الوقوف عندها من الأطراف المشاركة في مؤتمر جنيف والدول الداعمة له، على الرغم من أن الجميع يزعم محاربة الإرهاب، ولكن ليس المقصود طبعًا إرهاب الدول، ولا إرهاب العصابة الأسدية التي هي المصدر والمنبع الرئيس للإرهاب الحاصل في سورية.

ربما كان يمكن تصديق وتأييد التحالفات والقرارات الدولية والحملات الإعلامية التي تتحدث عن مكافحة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية، وغيره من المنظمات، في حال كانت هي الجهات الوحيدة التي تُمارس الإرهاب، لكن مع إحراق السوريين أحياءً وقتلهم وذبحهم على يد النظام والطائرات الروسية والميليشيات الإيرانية، وسكوت العالم عن ذلك، يعني أن هناك تورطًا سافرًا من الجهات الدولية في صناعة الإرهاب، وتشجيًا له،مما يحيل جميع قراراتها وحملاتها العسكري لمحاربة هذا الإرهاب إلى مشاركة فعلية في المحارق التي تشعلها العصابة الأسدية، ورغبة أكيدة في استمرارها، فشكل وحراك العالم على جميع الصعد، سياسيًا وعسكريًا وقانونيًا وثقافيًا واجتماعيًا يبدو  وكأن هذا العالم لم يسمع بعد بما يجري للسوريين على يد نيرونهم وهتلرهم، حتى مضوا يستغرقون في محاربة تنظيم “داعش”، مكنسين جرائم عصابات الأسد على نحو،  وكأنه حدث لم يحدث، أو حدث وقع في ماض سحيق، فاتهم أن يعاصروه، فكم ألف طفل سوري جرى حرقه وصلبه وذبحه على يد هذه العصابة، دون الإتيان حتى على ذكر  اسمه ؟ أم أن ضحايا الأسد من السوريين ليسوا إلا نكرات، فلا عوائل ينتمون إليها، ولا أمهات يبكين عليهم، ولا أب ولا بلد ولا أرض لهم، إنما هم كائنات افتراضية -فحسب- في عصر الهولوكوست السوري، هذا العصر الذي صيغت فيه القرارات، وعقدت فيه المؤتمرات، وجندت آلاف الحملات العسكرية والسياسية والإعلامية بذريعة مكافحة الإرهاب، بينما هو يشير إلى إرهاب محدد، و إلى ضحايا محددين، ومعه ينساق حكام وملوك وأمراء وإعلام العالم العربي خلف تلك الذرائع، ولا يعودون يبصرون إلا ما حددته لهم تلك المقررات والأجندات الدولية؛ ليتحولوا بدورهم إلى مساهمين فعليين في تأجيج وإشعال المحرقة السورية، وكأنهم، والعالم معهم، يضعون أقنعة على أبصارهم، فلا يرون في  ملايين السوريين المساقين إلى المذابح والمحارق إلا وجوهًا باسمة راضية عن شي أجسادها بنيران براميل الأسد والطائرات الروسية ومنظماتهم الإرهابية، لتغدو قرابين تقدم فدية لبقاء واستمرار عروشهم فوق رماد ضحايا الهولوكوست السوري.

مقالات ذات صلة

إغلاق