ترجمات

داعش يلقي الجثث في آبار الصحراء

عضو في ميليشيا الحشد الشعبي، شبه العسكرية، يجلس أمام البئر بالقرب من بلدة عذبة، العراق، في 26 شباط/ فبراير. (أريس ميسينيز/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور غيتي)

باتت قصص الرعب حول عمليات القتل الجماعي التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية في حفرة غائرة في الصحراء، بالقرب من الموصل، أسطورية مع مرور السنين.

حالما سيطر التنظيم على المدينة العراقية، منذ أكثر من سنتين ونصف، أصبحت الحفرة التي يبلغ عرضها مئة قدم، والواقعة إلى الجنوب الغربي من المطار، موقعًا لتنفيذ عمليات الإعدامات السريعة “من دون محاكمة”، إذ تُحتجز الضحايا في صفٍ على حافة الحفرة، وتُطلق النار عليهم قبل أن يُركلوا نحو جوفها، بينما أُلقيّ آخرون فيها وهم “أحياء”، وفي بعض الأحيان كانت الأجساد تُجرف بالتركسات لرميها، كما قال السكان.

يتهامس سكان الموصل عن الأموات في البئر، أو “الخفسة- “khasfa،” كما يسمونها. لكن نادرًا ما يتحدث السكان المحليين في اتصالاتهم المحدودة، وخوفهم الشديد عن الأمر علنًا، إلا أنَّه بعد أن استعادت القوات العراقية المنطقة في الشهر الماضي، واقتربت من الجانب الغربي من المدينة، بدأ حجم أعمال القتل في الموقع  بالظهور، ويقول مسؤولون عراقيون -اعتمادًا على أدلةٍ شفوية- لقيّ الآلاف حتفهم هناك في السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من ذلك، قد يستغرق الأمر سنوات، قبل أن تكشف المقبرة الجماعية عن أسرارها.

لا أحدَ يعرف عمق الحفرة تحت الماء؛ وصولًا إلى قاعها. لقد ملأها المسلحون وفخخوها بالمتفجرات؛ ما يجعل عملية الحفر واستخراج الجثث عمليةً معقدة.

وحتى قبل أن تبدأ حملة تنظيم الدولة الإسلامية الوحشية، كانت السلطات العراقية تكافح لتنقب وتحدد الضحايا في المقابر الجماعية التي تعود الى عهد صدام حسين، عندما اختفى ما يصل الى “مليون” عراقي، لكن الحرب الطائفية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، سببت إراقةً للدماء أكثر، وعلى نطاقٍ أوسع.

وفي أثناء تلك الفترة، كانت السلطات منهارةً، إذ قال أعضاء من لجنة حقوق الإنسان في العراق، كانوا مكلفين برسم خرائط للمقابر الجماعية عند تنظيم الدولة الإسلامية: إنهم لا يستطيعون تقديم أرقامٍ عن الأعداد التي عثروا عليها حتى الآن. في الصيف الماضي، قالت اسوشيتد برس: إنها وثقّت حوالي 72 مقبرة جماعية لفظائع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، تحتوي على ما يصل إلى 15000 جثةً، ومن المتوقّع أن يُكشف عن أكثر من ذلك.

عشرات المقابر الجماعية حول مدينة سنجار العراقية، ويُعتقد أنها تحتوي على رفات المئات من اليزيديين الذين أعدمهم تنظيم الدولة الإسلامية، إذ لم تنته عمليات الحفر انتهاءً تامًا بعد.

ما تزال عمليات الكشف في المقبرة الجماعية حول مدينة تكريت، التي تحتوي على رفاة 1700 جنديٍّ، ممن كانوا في معسكر سبايكر القريب، وقد ذُبحوا على يد المسلحين، مستمرةً منذ سنتين بعد أن استعادت قوات الأمن المنطقة.

ومع ذلك، فالخفسة-khasfa، يمكن أن تكون أكبر مقبرة جماعية عند الجماعة.

“إنها ابتلعت حياة الآلاف، كانت مرعبةً، وعميقةً جدًا ومظلمة” كما قال المثنى أحمد، الذي عمل بالقرب من الموقع لمدة خمسة أشهر، وشهد عمليات الإعدام السريعة.

وقال أحمد: أحذية الضحايا والدم الجاف على حافة الحفرة، في حين لا تزال بعض الجثث المتحللة الواقعة على حافة البئر الوعرة مرئية.

ظهر فيديو بشع على موقع يوتيوب في كانون الثاني/ يناير 2015 يظهر مشاهد مماثلة.

كان البئر بالقرب من مصفاة نفطٍ للدولة الإسلامية، حيث يَصّفُ المسلحون العمال، وسكان الموصل الذين كانوا يشترون الوقود، ليشاهدوا عمليات الإعدام، والضحايا منهم ضباط في الشرطة وفي الجيش، إضافةً إلى المتهمين بالتجسس، أو من كان يعمل مع الحكومة العراقية، كما ذكر شهود عيان.

قال حسام العبر، عضو مجلس المحافظة، لربما يقبع في قاعها من 3،000 إلى 5،000 جثة، على الرغم من أنه يستند في هذه التقديرات على قوائم بالناس المفقودين الذين كما يعتقد أنهم قتلوا ودفنوا في مكان آخر.

وأكمل قائلًا: “إذا أخذنا في الحسبان قدرة الحكومة المركزية والحكومة المحلية، أعتقد أنَّه من المستحيل إخراج الجثث، نحن بحاجة إلى مساعدة دولية، وسيكون مستحيلًا على العراقيين وحدهم.”

وقال العبر: قبل عام 2003، كانت البئر ومجراها نقطةَ جذبٍ سياحية صغيرة، تشدُّ المسافرين من الطريق السريعة بين الموصل وبغداد، وتبعد نحو ميلٍ ونصف، لكن بعد أنْ اجتاح العنف العراق في أعقاب الغزو، بدأ تنظيم القاعدة يكسب موطئ قدم، وأصبح الموقع مقبرةً صحراوية.

“من المعروف أنَّ كلَّ من يريد إخفاء جثة يمكن أن يرميها في هذه الحفرة”، قال العبر.

لكن لم تكن هذه البئر تستخدم على نطاقٍ كبير، إلى أنْ استولى تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في تموز/يوليو 2014.

جاسم عمر (33 عامًا) قال: شهدتُ نحو 10 عملياتِ إعدامٍ هناك، كانت الأولى بعد شهرٍ تقريبًا من سقوط المدينة في يد المسلحين، كما أنَّ نحو 25 سجينًا من سجن بادوش في الموصل جُلبوا إلى البئر، وقتلوا.

وأضاف: “إذا كنت تريد أن تُخيف شخصًا من الموصل، فقط، أذكر: الخفسة-“khasfa.

قتل المتشددون المئات من السجناء، عندما استولوا على المدينة، وفقًا لجماعات حقوق الإنسان، ومعظم الضحايا كانوا من الشيعة واليزيديين والمسيحيين، وجميعهم يعدّهم المتشددون مرتدين، بينما أطلقوا سراح عددًا كبيرًا من السجناء “السنة”.

في عملية قتل على طريقة الإعدام في آذار/ مارس، أو نيسان/ أبريل من عام 2015، عرف عمر قريبه من بين عشرات المعتقلين الذين جُلبوا إلى الموقع، وهم معصوبو العينين ومكبلون، في الجزء الخلفي من شاحنة، كان قريبه قد عمل في المجلس المحلي في الموصل قبل استيلاء المتشددون عليها، واتهم بالتواطؤ مع الحكومة.

“وتابع قائلًا: “حيثما ذهبنا، كنا نتوقع أن نرى الإعدامات، لكننا فوجئنا لرؤية قريبنا، للتو كنا عرفنا أنه معتقل.”

وقال: إنَّه شاهد الرجال راكعين، وثلاثة أو أربعة مسلحين يطلقون النار عليهم، في حين يدفع قلةٌ آخرون الجثث في الحفرة.

وقال: يمكن أن تشتم الرائحة من مسافة عدّة أميال.

لربما الرائحة هي التي دعت الدولة الإسلامية لملء الحفرة في منتصف عام 2015. سكان عذبة، القرية الأقرب، كانوا قد اشتكوا، وبعضهم غادر، قال جواد الشمري، المتحدث باسم لجنة حقوق الإنسان التي لم ترسل بعد فريقًا؛ ليتفحص الموقع.

قال السكان: إنَّ الدولة الإسلامية ألقت عشرات المقطورات والسيارات القديمة في الحفرة، قبل ملئها بالتراب، على الرغم من أنَّ بعضهم قال: استمرت عمليات القتل الجماعي في الموقع حتى وقتٍ متأخر، قبل ستة أشهر.

هيومن رايتس ووتش، التي بدأت بمراقبة الموقع عبر الأقمار الصناعية في أيلول/ سبتمبر 2014، قالت: مُلئت الحفرة بحلول تموز/ يوليو عام 2015، على الرغم من ظهور علاماتِ أثرٍ جديد لغاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.

“سيستغرق الأمر سنواتٍ للكشف عن الموقع وتطهيره،” قالت بلقيس وايل، كبيرة الباحثين العراقيين في هيومن رايتس ووتش. “إزالة الألغام وتطهير المناطق لهما الأولوية؛ بحيث تمكّن النازحين من العودة إلى ديارهم.”

مع المتفجرات المزروعة في المنطقة المحيطة بها، التهمت “الخفسة khasfa” أحدث ضحاياها في الأسبوع الماضي، إذ قُتلت شفاء جرادي، البالغة من العمر 30 عامًا، مراسلة قناة التلفزيون الكردي روداو، ماتت مع قائد ميليشيا وأربعة جنودٍ، حيث كانت الجماعة قد وضعت لغمًا بالقرب من الموقع.

اسم المقالة الأصليISIS dumped bodies in a desert sinkhole. It may be years before we know the full scale of the killings.
الكاتبلاف داي موريس ومصطفى سليم، Loveday Morris& Mustafa Salim
مكان النشر وتاريخهواشنطن بوست، The Washington Post، 02/03/2017
رابط المقالةhttps://www.washingtonpost.com/world/middle_east/isis-dumped-bodies-in-a-desert-sinkhole-it-may-be-years-before-we-know-the-full-scale-of-the-killing/2017/03/02/0a4c0fd4-fd2b-11e6-9b78-824ccab94435_story.html?utm_term=.b464c43d7ee7
ترجمةأحمد عيشة

مقالات ذات صلة

إغلاق