في 23 شباط / فبراير المنصرم، ناشدت خيرت كابالاري، المدير الإقليمي لليونيسيف، الأطراف المرتبطة بمحادثات جنيف السورية، ضرورة إسكات الأسلحة حالًا، وإلى الأبد. وإظهار قيادة جريئة، تلتزم وفق القانون الإنساني الدولي، بحماية الأطفال في كل الأوقات، وحيثما كانوا. وقالت في بيان لها: “لقد حان الوقت بالنّسبة إلى الأطراف جميعًا، ولكلّ من في قلبه اهتمام بأطفال سورية، أن يتحدّث عن الأطفال”. وعلى العالم “أن يخجل من الثّمن الباهظ في حياة النّاس ومعاناتهم، الّذي يفوق كلّ حدّ، وأن يتّخذ إجراءات فوريّة لإيجاد حلّ سياسيّ للحرب”.
استعانت كابالاري، في مناشدتها، بمشهد طفل سوري صغير، يصرخ طالبًا من أبيه أن يحمله، بعد دقائق من فقدانه لساقيه، نتيجة اعتداءٍ نفذته طائرات الأسد وحلفائه الروس، على إدلب الأسبوع ما قبل الماضي. واصفة إياه بـ “المنظر الذي يقطّع القلب”. مطالبة: أن يسأل كل فرد منهم نفسه ـ أي المجتمعين ـ سؤالًا واحدًا فقط: ماذا لو كان هؤلاء الأطفال أولادكم أنتم؟
منذ بداية العام الحالي، جرى التّبليغ عن مقتل 20 طفلًا، وجرح عدد أكبر منهم، من ضمنهم رضيعة عمرها يومًا واحدًا فقط، أصيبت بجروح، حين تعرّض منزلها في ريف دمشق، أخيرًا، لقصف حكومي بالطائرات. وفي رقم أولي، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان “مقتل نحو 23 ألفًا و836 طفلًا سوريًا، منذ مارس/آذار 2011 منهم 20 ألفًا و676 قتلوا على يد قوات النظام. فيما قتل 714 طفلًا برصاص قناصة، وما لا يقل عن 160 طفلًا نتيجة التعذيب، و276 طفلًا قضوا خلال الحصار الذي تفرضه القوات الحكومية”. بينما بلغ عدد المعتقلين منهم ما لا يقل عن 11 ألفًا و44 طفلًا، ما زال نحو ألفين و819 منهم قيد الاعتقال حتى اللحظة، بحسب الشبكة.
ويتعرَّض الأطفال في سورية، لانتهاكات مختلفة، قاسية جدًا. حوّلت حياتهم إلى كابوس لا ينتهي. وتقول الأمم المتحدة، إن هناك قرابة ستة ملايين طفل يحتاجون لجميع أنواع المساعدة الإنسانية، بينهم نصف مليون، تحت الحصار. جرى توثيق نحو 1500 انتهاك صارخ بحقهم خلال العام الماضي. علاوة على تدمير سبعة آلاف مدرسة، شكّل خروجها ما يوصف بكارثة تعليمية، أفقدت أكثر من 2.5 مليون طفل، الحق في الجلوس على مقاعد الدراسة، ومتابعة تحصيله العلمي.
لا يخفي الناشط الحقوقي وليد المسالمة في هذا السياق، قلقه من تفاقم الوضع أكثر، إذا ما بقيت الحرب، وواصلت قوات الأسد جرائمها بحق الأطفال. وقال: إن حرمان جيل كامل من الالتحاق بالمدرسة، سيكون له عواقب وتأثيرات جسيمة، لن يقتصر انعدام الحصول على التعليم لفترة طويلة فحسب، وإنما سيمتد قطعًا إلى قدرة أُسرهم ومجتمعاتهم على التعافي، مضيفًا لـ (جيرون): إن التأثير الاجتماعي للصدمة الجماعية العميقة التي أصابت الطفولة السورية، ستحتاج لجهد ووقت طويلين لتخطيها، ما قد يؤثر في مجموعة واسعة من القضايا، في مقدمتها التماسك الاجتماعي. وأضاف: حينما تلتقي بأي من الأطفال السوريين اليوم، ستلحظ أن شيئًا قد فُقد في عيونهم، فهم لا يتصرفون مثل الأولاد الذين في أعمارهم في أي مكان آخر من العالم.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد أصدرت العام الماضي تقريرًا، شرحت فيه معاناة أطفال سورية، في ظلّ الحرب التي تشنها قوات الأسد، خلّفت، نحو 8 ملايين طفل بحاجة إلى مساعدات استثنائية، يشكلون 80 بالمئة من الأطفال السوريين. 323 ألفًا دون سنّ الخامسة، يعيشون تحت الحصار، و 3 ملايين طفل نازح في الداخل السوري، و 2 مليون طفل يحتاج إلى دعم نفسي، وأكثر من 1.2 مليون طفل لاجئ في الخارج، و 15 ألف طفل منفصل عن ذويه، عبروا الحدود السورية، و 310 ألاف طفل ولدوا خارج البلاد، و 2.8 مليون طفل في سورية والدول المجاورة، لم يلتحقوا بالمدارس، إضافةً إلى تجنيد أطفال للقتال، بعضهم لا تزيد أعمارهم على 7 سنوات.
ولفتت المدير الإقليمي لليونيسيف، في مناشدتها، إلى أن الأرقام المتوافرة عن الجرائم التي ترتكب بحق الطفولة في سورية “هي تذكير صارخ بأنّ وقف الأعمال العدائيّة الّذي أعلن عنه في كانون أوّل/ ديسمبر الماضي يجب أن يؤدّي إلى مكاسب حقيقيّة في إطار حماية ومساعدة جميع الأطفال السوريين”. مشيرة إلى “أنه لم تنجح هذه السّنة وحتّى الآن، إلاّ ثلاث بعثات لوكالات مشتركة في الوصول إلى أطفال يحتاجون للمساعدة، موجودين في مناطق محاصرة، يصعب الوصول إليها”.
في 16 كانون الثاني/ يناير، أصدرت أربع منظمات دولية ـ الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية، اليونيسف، برنامج الغذاء العالمي، بيانًا مشتركًا، أعربت فيه عن مخاوفها من وجود 300 ألف طفل لا يزالون تحت الحصار ضمن15 منطقة محاصرة في سورية. ويعيش قرابة 5 ملايين شخص، بينهم أكثر من 2 مليون طفل، في مناطق يصعب جدًّا وصول المساعدات الإنسانيّة إليها؛ بسبب القتال وانعدام الأمن، وتقييد المنافذ، يحتاج كثيرون منهم إلى الدّعم بعد تعرّضهم لأحداث اصابتهم بالصدمة أو للعنف ولانتهاكات أخرى. ومن المؤسف ـ يقول البيان – أن عددًا كبيرًا جدًّا منهم لم يعرف في حياته الغضّة، إلاّ النّزاع والفقدان.
يتحمل نظام الأسد، نحو 94 بالمئة من مجمل الانتهاكات بحق الأطفال، فيما تحتلُّ بقية الأطراف نسبة الـ 6 بالمئة المتبقية، وبنسب متفاوتة، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
تعمل منظمة “اليونيسف” على تعزيز حقوق ورفاهيّة الطفل، من خلال كل عمل تقوم به، بالتّعاون مع شركاء في 190 دولة ومنظمة. مترجمة التزامها الأدبي إلى نشاط مكثف تهدف من خلاله الوصول إلى الأطفال الأكثر ضعفًا في العالم.
وتؤكد كابالاري “أن أطفال سورية البالغ عددهم أكثر من 10 ملايين طفل، ويعانون يوميًّا معاناة مباشرة، من تبعات النّزاع الوحشي، يريدون شيئًا واحدًا ووحيدًا، هو: أن يعمّ السّلام، وأن يستعيدوا طفولتهم المفقودة”
تعليق واحد