تحقيقات وتقارير سياسية

من هيروشيما إلى الرقة…اليورانيوم وفلسفة القوة

في ديسمبر من عام 1993 أصدرت محكمة تيرغاردن، في برلين، حكمًا بتغريم البرفسور الدكتور غونتر ماليًا؛ لاصطحابه مواد مشعّه إلى المانيا الاتحادية، ثم ألقي في السجن؛ لأنه رفض دفع الغرامة.

البرفسور غونتر كان عاملاً في بغداد، وقد لاحظ عند بعض مراجعيه، وخصوصًا من الأطفال، أمراضًا وتشوهات مجهولة المصدر؛ فانتزع البرفسور المُجدّ شظيّة من إحدى الدبابات التي دمرتها الطائرات الأميركية في حربها على العراق، وحمل الشظيّة معه إلى ألمانيا، طرق أبواب مراكز بحثية متعدّدة، منها جامعة برلين الحرة، وانتهى المطاف به في السجن.  كان الحكم الذي صدر بحقه برهانه ودليله على صحّة روايته التي أصبحت موضوعًا لمراكز الأبحاث والسياسيين بعد عدة سنين.

أكدّ تقرير لمعهد الأبحاث الكندي “Uranium Medical Research Centre (UMRC) ونشرته مجلة “دير شبيغل” في 2003، أنّ الأميركيين والبريطانيين استهلكوا ما مجموعه، بين 100 إلى 200 طن من اليورانيوم المنضّب ذخيرةً في حربهم على العراق. قاس معدو التقرير نسبة إشعاع في أبي الخصيب، بالقرب من البصرة، ووجدوا أنها تعادل 20 مرة النسبة الطبيعية، وخلصوا أيضًا إلى أن نسبة الإشعاع في الدبابات المدمرة تتجاوز 2500 مرة النسبة الطبيعية.

تحدثت تقارير، بل اعترف البنتاغون نفسه باستخدام هذا السلاح في الرقة السورية، وقد أكدّ المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الرائد جوش جاك، في بدايات هذا الشهر هذه الرواية.

لم يقتصر استخدام (الناتو) وأميركا لهذا السلاح على العراق والرقة، بل جرى استخدامه أيضًا 1999 في كوسوفو، ومونتينيغرو وصربيا، وألقت الطائرات الأميركية على مواقع الجيش الصربي في البوسنه، في العامين 1994 و1995، ما مجموعه ثلاثة أطنان من القذائف المشعّة.

يعرف الأميركيون تمامًا كيفية ومدى تأثير أسلحتهم، ففي تجربة أجرتها القوات الأميركية عام 1979 في ساحة تدريب، لا تبعد كثيرًا عن واشنطن. تحوّل 70 في المئة من قنبلة يورانيوم منضّب، وزنها 3،4 كغ، إلى غبار ذري قابل للاستنشاق، يمكن في هذه الحالة تخيل طبيعة الهواء في منطقة استخدم فيها أطنانًا من هذه الأسلحة. طبعًا علينا أن نتذكّر، أنّ هذا الغبار يحوم  عشر سنوات في الهواء، وهكذا لا يقتصر خطر هذه الأسلحة الضعيفة الإشعاع في مدى تأثيرها الإشعاعي، بل -أيضًا- حالة تسمم كيماوي عن طريق الجهاز التنفسي.

على الرغم من عدم وجود الرغبة السياسية الدولية في البحث عن الأثار المحتملة لهذه الاسلحة، فهناك تقارير كثيرة لأطباء ومختصّين، تظهر زيادة في معدّل التشوهات والسرطانات في العراق والبلقان.

تشير الإحصاءات الحكومية العراقية إلى أن معدّل انتشار السرطان في العراق كان بنسبة 40 مصابًا لكل 100 ألف شخص في عام 1991، ارتفعت إلى 80 مصاب في عام 1995 وإلى 1600 في 2005.

يقدّم التاريخ، بشواهده من فيتنام وكمبوديا، صورة واضحة عن أخلاقيات الجيش الأميركي، فبينما كانوا يقتلون الغابات والأدغال في الأولى؛ لكشف مواقع المقاتلين الفيتناميين، ألقوا ما مجموعه أكثر من ثلاثة ملايين قنبلة على كمبوديا، أي أكثر مما ألقي في الحرب العالمية الثانية كلها. جون كيري الديمقراطي، ووزير خارجية حكومة أوباما، وجون ماكين الجمهوري المعروف، الصديقان منذ حربهم على فيتنام، كانا من أصحاب فلسفة اقتلوا كل ما يتحرك.

أخلاقية العم سام هذه، أخلاقية العالم (الحر)، كما يطيب لهم أن يطلقوا على أنفسهم، ما برحت تفصح عن حقيقتها منذ هيروشيما وحتى الرقة، فالسلطة وفلسفة القوة والسيطرة، كان القاسم المشترك لجميع الحكومات الأميركية المتعاقبة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق