لم يتطرق المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، طوال فترة انعقاد مفاوضات جنيف 4 إلى مسألة تشكيل هيئة حكم انتقالية، وإنما تحدث عن سعي لإقامة “حكومة جديرة بالثقة وشاملة للجميع” على حد تعبيره، مشيرًا -في الوقت نفسه- إلى أنه يجب أن يوضع إطار عمل، يتضمن حزمة سياسية جرى الاتفاق عليها، لتنفيذ عملية سياسية انتقالية، وفق القرار الأممي 2254، ما يترك الباب مفتوحًا لاحتمالات عديدة خلال المفاوضات المقبلة، منها تعنت النظام عبر وفده المفاوض، وتمسكه بالتركيز على مصطلح الحكومة الانتقالية، وأنه يجب العمل على تشكيلها، ما يسبب خللًا لبيان جنيف 1، ولم يحدّد دي مستورا من هذه الناحية الصيغة النهائية لشكل الحكم الانتقالي، ما قد يخلق عددًا من العقبات خلال المفاوضات، وقد يقود إلى تأجيل جديد، يدفع ثمنه الشعب السوري الذي يتعرض لكل أنواع الموت.
نصّ بيان جنيف1، بوضوح، على تشكيل “هيئة حكم انتقالية”، ولم ينص على تشكيل “حكومة انتقالية”، كما يردد النظام وحلفاؤه دائمًا، من خلال محاولتهم تحريف مضمون البيان والادعاء أن هناك أخطاءً في الترجمة.
فهيئة الحكم الانتقالية، من الناحية القانونية تلغي ما قبلها، وتمهد لما بعدها، ما إن يجري تشكيلها، فلا وجود لدستور أو رئيس أو مؤسسات، وتصبح هي الجهة الحاكمة بناء على توافقات سياسية، بينما كلمة حكومة انتقالية، تعني أنها حكومة شراكة بين النظام والمعارضة بوجود الرئيس أي بشار الأسد، ومؤسساته الأمنية والعسكرية دونما أي إعادة هيكلة، وذلك ما يفقد بيان جنيف والقرار 2254 معانيهما القانونية.
انتهت الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف 4، بالتوصل إلى جدول أعمال من أربع سلال، إحداها تحمل بند مكافحة الإرهاب، الذي أصرّ وفد النظام السوري على إدراجه مطلبًا رئيسًا، بالمقابل أكد وفد المعارضة، أن “هذه الجولة ناقشت مستقبل الانتقال السياسي في سورية لأول مرة وبشكل معمق”.
وكانت جولة المفاوضات الرابعة، بين النظام والمعارضة، بدأت في جنيف يوم 23 شباط/ فبراير 2017، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وانتهت يوم 3 آذار / مارس 2017.
وكشف المبعوث الدولي دي مستورا، في ختام المؤتمر، عن أربع سلال، تمثل جدول أعمال المفاوضات المقبلة، وهي:
السلة الأولى: وتتضمن القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي، يضم الجميع في محاولة للاتفاق على ذلك خلال ستة أشهر.
السلة الثانية: وفيها القضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، يجب بحثها خلال ستة أشهر أيضًا.
السلة الثالثة: كل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، بعد وضع دستور، خلال 18 شهرًا، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل السوريين الموجودين خارج سورية.
السلة الرابعة: وضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، وبناء إجراءات الثقة على المدى المتوسط.
الانتقال السياسي، هو النقطة المركزية التي ركز عليها وفد المعارضة أساسًا للحل، بوصفها أهم أهداف الشعب السوري وطموحاته، وهي الخطوة الأولى للوصول إلى الأمان والاستقرار في سورية، ويمكن من خلالها العمل لمكافحة الإرهاب في سورية والمنطقة.
كان وفد المعارضة، خلال وجوده في جنيف، يركز على الأساس الذي اتُفق عليه في مؤتمر جنيف 1، والقرار الأممي رقم 2254 الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، إذ تؤكد المعارضة أنه ما إن يجري تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، فإنها تلغي وجود بشار الأسد من مستقبل سورية السياسي، ويعد الحديث عن مصير الأسد من أهم النقاط الخلافية بين الطرفين، وبين إيران وروسيا أيضًا.
جولة جديدة من المفاوضات ستنطلق خلال الشهر الحالي، كما أعلن دي مستورا، في نهاية جنيف 4، إذ أكد أنه سيعمل على توحيد المعارضة في وفد واحد، مشيرًا إلى الاتفاق بين الأطراف جميعها على جدول أعمال واحد، في مفاوضات وصفها رئيس وفد المعارضة، نصر الحريري، بأنها “إيجابية لمناقشتها ملف الانتقال السياسي لأول مرة”، مبديًا عدم اعتراض الوفد على ورقة دي مستورا التي قدمها المبعوث الدولي للطرفين، وتتضمن اثني عشر مقترحًا للحل، مع وجود بعض الملاحظات عليها.
بينما عدّ وفد النظام أنه حقّق بعض المكاسب المحدودة، بعد تضمين بند مكافحة الإرهاب بندًا أساسيًا في المفاوضات، في الوقت الذي يحاول فيه النظام الاستفادة من لعبة الوقت التي أتقنها خلال السنوات الست الماضية من عمر الثورة السورية؛ لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية.
جرى إغفال ملفات كثيرة في الجولة الأخيرة من جنيف، لا تقل في أهميتها عن الإنتقال السياسي، أهمها ملف المعتقلين والمختفين قسريًا في سجون النظام، وتثبيت وقف إطلاق النار الذي سبق أن اتُفق عليه في مؤتمر أستانا الثاني- كانون الثاني/ يناير من العام الحالي 2017- ليبقى ملف تشكيل هيئة حكم انتقالية بمعناها الحرفي هو الأهم في ملف الانتقال السياسي.