هناك كثير من التصورات والثقافات والأفكار المغلوطة عند المسلمين في العادات والعبادات وحتى الاعتقادات؛ يجب التصدي لها، وبيان خطئها وتجلية الحقيقة والصواب فيها.
بعد اغتيال آخر الخلفاء الراشدين؛ فقدت الأمة رشدها، وبدأت عملية اغتيال حقوق المرأة، واستطاعت العقلية الذكورية أن تمنح بعض الثقافات الإسرائيلية طابعًا إسلاميًا! فمرّر مَنْ تأثر بتلك الثقافة عادات اجتماعية إسرائيلية؛ ليمارسها بعضهم، كما لو أنها من الثقافة الإسلامية! مستغلين سذاجة بعض رواة الحديث؛ ليمرروا من خلالهم تلك الثقافات! فتلقفها المجتمع عن طريق الوعّاظ، دون دراية بأصلها ومصدرها، على الرغم من مخالفتها لصريح الكتاب والسنة النبوية، ومن تلك العادات والثقافات: كف الدم، وأبناء الجارية، وضرب المندل، وكشف الطالع، واسم الأم.
وبما أننا نتحدث في قضايا المرأة؛ سنتناول ثقافة “اسم الأم” التي تحمل إساءة كبيرة للمرأة؛ إذ تشكك في أخلاقها ووفائها لزوجها؛ تلكم الثقافة التي عمّقت الانحراف عن خط الإسلام الصحيح، خصوصًا في العهد العباسي الثاني؛ ليزداد تقهقر العقلانية بعد “المرسوم القادري”، ويتكئ المجتمع على مرويات، دون إعمال العقل فيها؛ فسيطرت ثقافة الخرافة والتقليد؛ إذ سيطر المماليك على الخليفة القادر بالله؛ حتى بات لعبة بين أيديهم؛ وأصدر أمرًا سلطانيًا سُمي تاريخيًا بالاعتقاد القادري، حرَّم المقولات العقلانية وعلم الكلام وإعمال العقل.
نستطيع أن نشبه العقل المقلد غير المفكر بالجسد الضعيف الذي تنهشه الجراثيم دون مقاومة منه تُذكر، ومع مرور الوقت، وسُبات العقل، باتت تلك العادات والشعائر الوافدة من المُسلمات! وأسهم بعض الوعّاظ في انتشارها؛ حتى باتت سلوكيات اجتماعية، ودعموها بأحاديث موضوعة نسبوها إلى النبي ﷺ، ومنها عادة “اسم الأم”.
يتردد في مجتمعاتنا أن الأصل في تسمية الإنسان أن يُنسب إلى أمه، وليس إلى أبيه؛ حتى إذا مات بدؤوا “التلقين”، إذ يقف شيخ على قبره بعد دفنه لينادي على المتوفى: يا فلان يا ابن فلانة. ولو سألت هذا المُلقن عن أصل هذه الثقافة، سيرد عليك بحديث منسوب إلى رسولنا، قال فيه:
يُدعى الناسُ يوم القيامة بأمهاتهم سترًا من الله عز وجل عليهم.
وتسمع من بعضهم على المنابر، وفي مجالس العزاء من يدعم هذه الثقافة بحديث منسوب إلى رسولنا، يقول فيه: إِذَا مَاتَ أَحَد مِنْ إِخْوَانكُمْ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَاب عَلَى قَبْره، فَلْيَقُمْ أَحَدكُمْ عَلَى رَأْس قَبْره ثُمَّ لِيَقُلْ يَا فُلَان بْن فُلَانَة فَإِنَّهُ يَسْمَعهُ وَلَا يُجِيبهُ ثُمَّ يَقُول يَا فُلَان بْن فُلَانَة (فَذَكَرَ الْحَدِيث) فَقَالَ رَجُل: يَا رَسُول اللَّه فَإِنْ لَمْ يَعْرِف أُمّه؟ قَالَ: فَلْيَنْسُبْهُ إِلَى أُمّه حَوَّاء فُلَان بْن حَوَّاء.
تفنيد هذه الثقافة
هذه الثقافة تسللت من الإسرائيليات، فقبيل زمن عيسى -عليه السلام- فشا الزنا بشكل خطِر! وأسهم المستعمر الروماني في ذلك كثيرًا، واستبيح كثير من النساء آنذاك؛ حتى بات لا يُعرف من هو والد المولود الحقيقي، فأخذوا ينسبونه إلى أمه. ولقد ذكرت بعض الكتب عن انتشار تلك الفاحشة أنهم جعلوا لعضو الرجل صنمًا يُزار! لذلك؛ حينما مدح الله مريم -عليها السلام- جاء بمدح يميزها عن قريناتها من بنات عصرها، إذ مدحها بالعفة والشرف:
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ. التحريم:12.
هذا عن مصدر تلك الثقافة. أما ما يُستدل به لتمرير تلك الثقافة من خلال الحديثين المذكورين آنفًا، فهما حديثان موضوعان، وقد فندهما أهل العلم، وبينوا زيفهما وبطلانهما، فحديث التلقين أخرجه سعيد بن منصور، وحققه ابن القيم في “تهذيب السنن”، قائلًا: لا تقوم به حجة، فضلًا عن أن يعارض به ما هو أصح منه. وقال الصنعاني في “سبل السلام”: إنه حديث موضوع. واتفق أهل العلم على أنّ الأحاديث الواردة عن النبي في اسم الأم لا يعول عليها، ولا يُعمل بها.
الأمر الآخر في تلك الثقافة أنها مخالفة للقرآن الكريم والسنة الصحيحة؟ ففي القرآن الكريم جاءت آية قطعية الدلالة، تمنع مناداة الإنسان باسم امه؛ حتى لو لم يُعرف والده:
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ. الأحزاب:5.
وورد في السنة النبوية الصحيحة؛ أنّ الناس يدعون يوم القيامة بأسماء آبائهم لا أمهاتهم، ما يؤكد بطلان ثقافة اسم الأم، وحديث التلقين، فقد روى ابو داود أن رسول الله، قال:
إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم؛ فأحسنوا اسمائكم.
وحسمت هذه المسألة في ما اتفق عليه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر عن النبي أنه قال:
إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَان.
وذكر أحمد -في مسنده- حديث البراء بن عازب الطويل في صفة خروج الروح: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. دون ذكر اسم الأم.
لكنّ تأثر بعض المفسرين والوعّاظ بالثقافة الإسرائيلية التي لعبت دورًا خطِرًا في بعض كتب التفسير، جعلتهم يجنحون إلى تلك الآثار الموضوعة عن النبي، دون بيان بطلانها؛ على الرغم مما تحمله من إساءة للأم من الناحية الأخلاقية، تشكيكًا في عفتها؛ حتى أننا نسمع في بعض المجتمعات مَنْ يقول متفاخرًا بنسبه: أنا ابن فلان إنْ صدقت الوالدة، وهذه إساءة كبيرة للمرأة وغير مقبولة. ولقد دفع تأثر هؤلاء المفسرين بالثقافات الدخيلة؛ ليثبتوا صحة هذه الأحاديث أنهم قالوا في تفسير آية:
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ. الإسراء:71.
فقالوا: إن إمام جمع أُم؛ لذلك ندعوهم بأسماء أمهاتهم، وهذا تأويل لغوي باطل، فمعنى (إمامهم) في الآية واضح، أي: من يقتدون به في الدنيا ويتبعون أفكاره ويعملون بها، فالإمام هو الذي يقتدى به.
لقد أثرت تلكم الثقافات الدخيلة والمسيئة للمرأة في المجتمع، وكم سمعنا قصصًا عن أناس تعرضوا لمثل هذه الإساءات، وأثرت سلبًا في حياتهم، وتسببت بأحقاد ومشكلات.
إنّ المرأة كانت ذات دور مميز في رسالة الإسلام، فهي أنيسة رسولنا في سيرته، ولها دور عظيم معه؛ فأول من آمن به امرأة (خديجة)، وأول شهيد في الإسلام امرأة (سمية أم عمار) وحينما هاجر، وضع سرّه عند امرأة (اسماء ذات النطاقين)، ولما جاع في طريق هجرته أطعمته امرأة (أم معبد)، وحينما قال ولم يفعل، صوبته امرأة (أم سلمة) في صلح الحديبية؛ ووُضِعَت نسخةُ القرآن الوحيدة المكتوبة بعد وفاته عند امرأة (حفصة)، ولم توضع عند رجل.
وإذا كان الغرب يقول: وراء كل رجل عظيم امرأة. ففي الشرق خلف كل امرأة مقهورة ومظلومة رجل. وإذا أساء أعداء الإسلام إليه مرة، فإن أدعياءه أساؤوا إليه ألف مرة، ولا يزالون.
وسوم: ثقافة إسرائيلية, اسماء ذات النطاقين
تعريف: بعد اغتيال آخر الخلفاء الراشدين؛ فقدت الأمة رشدها وبدأت عملية اغتيال حقوق المرأة؟! واستطاعت العقلية الذكورية أن تمنح بعض الثقافات الإسرائيلية طابعًا إسلاميًا! فمرر مَنْ تأثر بتلك الثقافة عادات اجتماعية اسرائيلية ليمارسها بعضهم كما لو أنها من الثقافة الإسلامية؟!