يُعدّ ضعف الدخل المادي، في ظل غياب الرجل عن عدد كبير من العائلات السورية في الأردن، أبرز العقبات التي تواجه هذه الأسر، ويشكّل هذا الضعف دافعًا كبيرًا للنساء ليتوجهن إلى مهن وأعمال مختلفة، بعضها منظم ضمن مؤسسات نسائية سورية، وبعضها فردي أو منزلي.
تحاول النساء السوريات في الأردن التغلب على صعوبة الحياة، من خلال القيام بأعمال منزلية تعتمد في الدرجة الأولى على ما بات يُعرف بالطبخ السوري المنزلي، ويقدم مختلف أنواع الأطعمة السورية والحلويات التي أشتهر بها السوريون.
أم عمران، سيدة سورية، تقيم في مدينة إربد، اختفى زوجها بداية الثورة السورية، ولجأت إلى الأردن مع أولادها، وباتت هي ربة الأسرة ومعيلتها، في ظل عدم كفاية ما تقدمه مفوضية اللاجئين لها ولأسرتها، قالت لـ(جيرون): “لم أتمكن من العمل خارج المنزل، فلا أستطيع ترك أولادي وحدهم فترات طويلة، ولكن بدأت أعمل في مجال الطهو في منزلي، وأبيع على الطلب، وبعد فترة أصبحت مشهورة في الحي الذي أسكنه؛ اليوم هناك طلبات تأتيني يوميًا، من عائلات لديها مناسبات مختلفة، وحتى من طلاب عرب، حيث إن المنطقة التي أسكنها يحيط بها أبنية يسكنها طلاب جامعة اليرموك”.
لا تقتصر الطلبيات التي تقوم بها أم عمران، على طهو الطعام فحسب، إنما تقوم بصناعة الحلويات في منزلها بحسب الطريقة السورية، تساعدها في ذلك ابنتها الشابة. لقد نجحت في إيجاد بديل للعمل خارج المنزل، وتؤكد أنها نجحت نجاحًا كبيرًا في عملها، وصار بإمكانها تلبية حاجات أولادها، وخاصة استمرارهم في متابعة دراستهم، على حد تعبيرها.
عمل النساء السوريات في المملكة تعدى إعداد المأكولات إلى أعمال الخياطة والتطريز، ولطالما كانت الصناعات اليدوية، كتطريز الأثواب، مهنة منزلية قديمة في سورية، ولها جماليتها وميزاتها الفريدة.
عائشة، سيدة سورية تعيش في مدينة إربد، تعمل في مجال الخياطة والتطريز منذ أن كانت في سورية، تمكنت من خلال خبرتها أن تجلب العمل إلى منزلها، من خلال التعاقد مع بعض المشاغل الصغيرة، وذكرت لـ(جيرون) أنها استطاعت “من خلال بعض أقاربي أن أتفق مع صاحب محل بيع الأثواب والعباءات المطرزة، وجلبت قسمًا منها إلى منزلي لأقوم بتطريزها يدويًا، ويوفر لي هذا العمل دخلًا مقبولًا مع ما تقدمه لنا مفوضية اللاجئين من قسيمة غذائية شهرية”.
عدد من أصحاب المحال التجارية، في مدن إربد والرمثا، خاصة، تتعامل مع سيدات سوريات من أجل تصنيع المواد الغذائية الموسمية ( المؤونة)، مثل “المكدوس”، و”الشنكليش”، و”المخللات”، كما قال خالد، صاحب محل لبيع المواد التموينية في مدينة الرمثا الحدودية لـ(جيرون): “تقوم بعض السيدات السوريات بتصنيع أنواع مختلفة من مواد المؤونة، لأبيعها في محلي، فمثلًا مادة (الشنكليش) لم تكن معروفة إلا قليلًا في الأردن، ولكنها تحقق انتشارًا كبيرًا الآن، كما هو الحال بالنسبة إلى (المكدوس)، والمخللات، التي تبرع هؤلاء النساء في صناعتها”.
لا يقتصر عمل السيدات السوريات على اللواتي يعشن في المدن الأردنية فحسب، فهناك في مخيمات اللجوء، استطاع كثير من النساء القيام بجهدهن الخاص في أعمال تجارية كذلك، ونجحن في ذلك، كما حصل مع أم خالد، التي تعيش في مخيم الزعتري، مع أولادها، حيث تمتلك الآن في المخيم محلًا تجاريًا خاصًا بها، بنته من ألواح “الكرفانات” أمام منزلها في المخيم، بعد أن بدأت العمل في التجارة عملًا بسيطًا منذ نحو أربع سنوات، وقالت لـ(جيرون)” قدمت إلى مخيم الزعتري منذ أربع سنوات، كان بعض الناس يبيعون ما كانت توزعه مفوضية اللاجئين من مواد غذائية، كالأرز والبرغل والعدس لبعض التجار في المخيم، ومن هنا جاءتني فكرة العمل، فبدأت أشتري كميات قليلة، ثم أبيعها للتجار بربح بسيط، وبعد ذلك توسعت في عملي، وفتحت محلًا صغيرًا من ألواح التوتياء أمام” كرفانتي” التي أسكنها، أبيع فيه مواد غذائية مختلفة ومنظفات وغير ذلك، هو بمنزلة (ميني ماركت) صغير”.
نجاحات فردية، لسيدات سوريات، بعيدًا عن العمل المنظم أو المؤسساتي، كان سببه أوضاع اللجوء القاسية التي تعاني منها هؤلاء السيدات، إذ تشكل النساء نسبة كبيرة في الأردن، وتقدر نسبة النساء السوريات بالنسبة لمجمل عدد اللاجئين السوريين بنحو51 بالمئة، وهناك نحو 28 بالمئة من العائلات السورية في الأردن تعيلها امرأة، غالبًا ما تكون ربة الأسرة، بحسب دراسات أجرتها منظمات إنسانية.