شعرت بصدمة عنيفة في حين غرة، كما لو أن ريحًا عاتية قذفتني إلى الشارع؛ حيث خطر اندفاع السيارات. حدث ذلك عندما أخبرتني صديقتي، وهي تبكي بحرقة، أن ذراعها المكسورة والملفوفة في الجبيرة، لم تكن بسبب وقوعها من فوق الكرسي، وهي تنظف النافذة، كما روت لي سابقًا، وإنما زوجها ضربها بالكرسي، وهي لم تبح لأحد -من قبل- بسرها؛ حفاظًا على أطفالها من أن يعانوا من تمزق عائلتها، إن هي طلبت الطلاق، وهي أيضًا تخشى على سمعتها وسمعة أهلها أن تلوكها ألسن الجهلة. تكلمت عن العنف النفسي والجسدي الذي يمارسه زوجها عليها طوال الوقت، وأن مظهرها أمام الناس لوحة مزيفة عن الحقيقة فحسب.
العنف الجسدي أمر مريع، لكن العنف النفسي الذي يسبقه ويرافقه ويترك آثره المدمر هو الأقسى والأمر، قالت: إنه يضربها ضربًا متكررًا، ويختلق أسبابًا واهيةً لذلك، مثل تقصير أحد الأولاد في الدراسة، إذ يعزوه إلى إهمالها، وهو -إلى جانب ذلك- يراقبها باستمرار؛ بحيث لا تستطيع ممارسة أي نشاط اجتماعي أو ثقافي مع جاراتها وصديقاتها؛ حتى وإن أخذت الإذن منه، ويحلو له أن يذكرها ببدانتها، ومقارنتها بأي فتاة نحيلة. زوجها لا يرى فيها أكثر من خادمة جاهلة، لا تفهم ولا تُدرك أمور الحياة، وهو وحده من يفهم ومن يتصرف في كل صغيرة وكبيرة.
ما أثار دهشتي -أيضًا- أن زوجها يقدم نفسه إلى العالم الخارجي مثقفًا وعلمانيًا، ويؤمن بحرية الآخرين، وينبذ العنف والظلم.
أتساءل: كيف يستطيع أن يعيش إنسان واعٍ بشخصيتين متناقضتين تمامًا، فهو -في العلن- شخصية مثقفة، رائعة، متحضرة، إنسانية، تؤمن بحقوق الآخرين، وفي الخفاء شخصية متسلطة، عنيفة، متخلفة تمنع الحرية عن أقرب الناس إليها.
هذا التناقض يتمثل في كثير من سلوكيات مجتمعنا العربي؛ فهناك من يخرج متظاهرًا في الشارع، مطالبًا بالحرية، في الوقت الذي يقفل الباب على زوجته وبناته.
نحن أجيال مجتمع لم يعِ -بعدُ- مفهوم الحرية بمعناه الشامل، وأنها ذات أبعاد ومضامين تتجاوز الكلام عنها والتنظير لها. أؤمن بشخص متوازن عندما ينادي بالحرية، وأراه يمارسها مع عائلته وأقرب الناس إليه.
تعود معظم أسباب العنف في مجتمعاتنا الشرقية إلى التربية المنزلية، حيث نرى تفضيل الذكر على الأنثى منذ الصغر، وهذا التفضيل ينتج عنه عنف وضغط على الفتاة منذ الصغر، وغالبًا ما تكون الأنثى هي التي تبذل الجهد في المنزل. فضلًا عن التعرض دائمًا لعنف جسدي ونفسي، الضرب والتلفظ بألفاظ مؤلمة.
وتُعدّ العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية من أهم الأطر الثقافية التي تقدم سندًا وتسويغًا للعنف ضد المرأة، فضلًا عن القيم العشائرية والثقافة الذكورية التي تعلي من شأن الرجل، وتعامل المرأة بدونية واحتقار، وتضعها في الدرجة الثانية من السلم الإنساني، ويدعم هذا بعض النصوص الدينية التي تُفسَّر في أحيان كثيرة لصالح الرجل؛ فتتمخض عنها أحكام فقهية، تنال من المكانة الإنسانية للمرأة، أو تسلبها حقوقها ودورها في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ما يدعم سلطة الرجل ويعطيه الذرائع لممارسة العنف.
أجد نفسي في كثير من مقالاتي أحاول المقارنة بين الشرق والغرب؛ كوني قد عشت نصف سنوات عمري في دول غربية، خالطت شعوبها، وتعرفت إلى طريقة حياتهم، ومستوى وعيهم وفهمهم للحرية. نعم هناك في الغرب أيضًا عنف أسري، ولكن الفرق انه محدود، ويتصدى له المجتمع، ويحاربه القانون بقوة، والشخص المعنف قد يكون رجلًا أحيانًا، وفي ما ندر، لكن؛ تظل المرأة العربية أكثر معاناة من العنف الجسدي والنفسي.
وفي الخلاصة، المجتمع الذي يرفض أو يُحِجمُ حرية الأنثى، ويطلقُ العنان للذكر، هو مجتمع منغلق لا يزال محكومًا بمفهومات وتقاليد ثبت بطلانها، وهو -بذلك- يتجاهل -عن عمد- أن الأنثى كالذكرن لهما الحق نفسه في ممارسة حريتهما.