أعلنت ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية”، الإثنين الماضية، أنها قطعت طريق الرقة- دير الزور، بالقرب من قرية أبو خشب. وأعلنت الأربعاء 8 آذار/ مارس 2017، أنها سيطرت على تلة “منخر غربي” الاستراتيجية في ريف الرقة الشرقي، بعد اشتباكات قوية مع تنظيم الدولة الإسلامية، ما يعني أنها أشرفت على قرى السهل النهري القريب من مدينة الرقة، وعلى القسم الغربي المتبقي من طريق الرقة- دير الزور. وفي هذه الأثناء نفّذ طيران التحالف الحربي والمروحي ست غارات، (الثلاثاء). وقد أدى قصف التحالف لسيارات يستقلها نازحون من الريف الشرقي إلى مقتل 18 مدنيًا، جلهم من النساء والأطفال.
في المقابل، تقدمت قوات النظام السوري وحققت خرقًا عسكريًا مهمًا في قتالها لتنظيم الدولة الإسلامية، في ريف حلب الشرقي. فقد أعلنت قوات النظام سيطرتها على قرية الخفسة (الأربعاء)، ما يعني أنها على بعد خطوة واحدة من محور دير حافر- مسكنة على الطريق بين حلب والرقة. وربما معركة النظام المقبلة في دير حافر أو مسكنة، تؤهله لتحرك سريع وسهل، نسبيًا، شرقًا باتجاه الرقة. وبعد ظهر (الخميس) 9 آذار 2017، أعلنت قوات النظام سيطرتها أيضًا على مطار الجراح في تلك المنطقة بعد معارك سهلة مع عناصر تنظيم الدولة الذين فروا أمامها بصورة فوضوية. هذه التطورات في ريف حلب الشرقي دفعت عشرات آلاف المدنيين إلى مغادرة بيوتهم في اتجاهات شتى. ففيما توجه أكثر من 80 ألفًا نحو قرى منبج، في ريف حلب الشرقي-الشمالي، اندفعت آلاف أخرى شرقًا نحو الرقة وأريافها.
تأتي هذه التطورات الميدانية، في ظل تراجع حظوظ مشاركة القوى العربية المستظلة بميليشيا “قسد” في معارك تحرير الرقة التي يبدو أن الأميركيين حسموا أمرها لصالح الميليشيات الكردية، وحدات حماية الشعب والمرأة الكرديتين؛ ما بدا جليًا من تصريحات مسؤولين أتراك بعد انتهاء اجتماع بين قادة أركان جيوش تركيا وروسيا والولايات المتحدة عُقد في تركيا قبل أيام. وكان الأتراك قد اقترحوا أن يفتح الأميركيون والميليشيا الكردية منافذ آمنة لمرور قوات من الجيش الحر مدعومة بإسناد مدفعي وجوي تركي إلى خطوط القتال مع تنظيم الدولة حول الرقة؛ ووُضع خياران لطريق المرور هذا، فإما عبر منبج باتجاه الطبقة؛ ثم الرقة، أو عبر تل أبيض نحو الرقة مباشرة، إلا أن التفاهم الذي جرى في منبج بين الأكراد والأميركيين من جهة، والروس والنظام السوري من جهة أخرى، حتّم إغلاق احتمال منبج نهائيًا، فيما فهم منه سياسيًا إخراج كل من تركيا وحلفائها السوريين من معركة الرقة.
تتدهور الأحوال المعيشية لسكان المدينة تدهورًا مضطردًا، مع تراجع التنظيم على الأرض، نتيجة الهزائم العسكرية التي تلحق به على جبهات متعددة. وفاقم المعاناة قطع طرق المواصلات، ونقل البضائع، وتدمير جميع جسور المدينة نحو الشامية، وأدى انحسار رقعة المناطق المنتجة للخضار والمنتجات الحيوانية حول المدينة، إلى ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية، مثل المحروقات والزيوت والخبز، ثلاثة مرات خلال الأيام الماضية، فيما قلّصت مقاهي الانترنت ساعات عملها، بعد تراجع ساعات التزود بالكهرباء، وذلك بأمر من التنظيم.
لم يبق في المدينة سوى نحو 35 في المئة من عدد سكان المدينة الأصليين، فيما فرّ الباقي إلى مناطق ما وراء خطوط القتال في الريف الشمالي، حيث يمكن أن تتاح لهم فرص الانتقال إلى مناطق أكثر أمنًا أو العبور إلى تركيا. زادت موجات النزوح من داخل المدينة الطلب على المهربين العارفين بطرق التسلل بين مفارز الأطراف المتقاتلة ونقاط تفتيشها، ورُفع المقابل المالي لقاء تهريب الشخص الواحد إلى 600 دولار أميركي؛ وكل ما يفعله المهرب هو إيصالك إلى أبعد نقطة في مناطق سيطرة تنظيم الدولة، ثم تزويدك بخريطة تسير وفقها، وسط حقول الألغام لتجنب المرور فوق أحدها، وصولاً إلى مناطق سيطرة الميليشيا الكردية أو ما يسمى “جبهة ثوار الرقة”، بحسب ما أفادت به إحدى السيدات النازحات من داخل مدينة الرقة.