مع تعقد خريطة الصراع السوري وتشابكها الإقليمي والدولي، وفي ظل ممارسات النظام السوري وحلفائه اللاأخلاقية بحق السوريين في الداخل والخارج، وبسبب ضبابية الحل وغياب رؤية للتسوية على المدى القريب، لم يعد أمام المواطن السوري سوى الهروب من سوء الأوضاع الأمنية، وما رافقها من تردي في الأوضاع الاقتصادية التي تتفاقم تفاقمًا حادًا منذ ثلاثة أعوام.
وبفضل سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها تركيا في السنوات الخمس الأولى من الأزمة السورية، وما رافقها من تسهيلات في إجراءات الإقامة والعمل، وتسهيلات ممارسة الأنشطة الاقتصادية والصناعية، تحوّل هذا البلد إلى مركز يستقطب كثيرًا من العائلات السورية الفارة من ويلات الحرب، الباحثة عن الأمن والاستقرار، وبحسب إحصاءات المفوضية العليا للاجئين، فقد بلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا نحو 2.8 مليون لاجئ.
مع هذا التزايد في أعداد اللاجئين السوريين، بدأت المخاوف تتسرّب في أوساط شرائح من المجتمع التركي، ترى أن الروابط الدينية التي تجمعه مع الشعب السوري تفوق أي اعتبار آخر، لكن المخاوف ما لبثت تتنامى بسبب عوامل عدة أهمها:
المنافسة الاقتصادية، وتخوّف رجال الأعمال الأتراك من المستثمرين السوريين الذين يستثمرون رؤوس أموالهم في قطاعات منافسة، إضافة إلى توجّه كثير من اللاجئين السوريين إلى العمل في قطاعات الإنتاج غير الرسمي، وبأجور أقل، مُقارنة بالعمالة التركية، مع ملاحظة أن الغالبية لا تدفع ضرائب على نقيض العمالة التركية.
وارتفاع أسعار العقارات والسلع ارتفاعًا ملموسًا في تركيا، نتيجة وجود عدد كبير من اللاجئين فيها.
إضافة إلى ما تقدم؛ تورّط بعض اللاجئين بحوادث جنائية أو مالية؛ ما أدى إلى نفور قطاع من الشعب التركي ومعارضته من وجود اللاجئين السوريين في بلادهم.
في ظل ما سبق، شكّل فرض الحكومة التركية سمة دخول على السوريين هاجسًا لأولئك اللاجئين الذين وجدوا في تركية ملجًا وملاذًا آمنًا يجمع شملهم، وكان لهذا القرار تداعيات سلبية طالت جميع الصعد الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، إذ إن غالبية السوريين الموجودين في تركيا من المعيلين لأسرهم، فضلًا عن أن بعضهم ينتظر مواعيد مقابلات لمّ الشمل الخاصة باللجوء إلى دول أوروبا، إضافة إلى أن تركيا الحاضنة التي تجمع بعض المقيمين في دول الخليج الممنوعين من دخول الأراضي السورية، بسبب خوفهم من فتك النظام بهم، وهي المكان شبه الوحيد للقاء أقاربهم وأحبابهم، فضلًا عن آلاف العائلات الهاربة من ويلات الحرب والموجودة على الحدود السورية – التركية، وتعيش أوضاعًا سيئة؛ بسبب عدم سماح الحكومة التركية إدخالها إلى أراضيها دون سمة دخول.
لا يمكن إنكار فضل الحكومة التركية على السوريين المقيمين على أراضيها، وفتحها ذراعيها لاحتضان ملايين اللاجئين السوريين، في وقت أقفلت فيه كثير من الدول الشقيقة أبوابها في وجههم. صحيح أن للحكومة التركية مسوغاتها الخاصة؛ لفرض إجراءات متشددة أحيانًا ضد السوريين (وإن لم تكن مقنعة)، لكن هذا لا ينفي أن اللاجئ السوري بات في وضع صعب بين مطرقة الحرب وسندان قوانين السفر واللجوء. ويبقى السؤال: كيف سيخرج اللاجئ السوري من هذه المتاهة التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة؟