عندما أمره مسؤولوه بفتح النار على المتظاهرين المدنيين، عام 2011، رفض أديب الشلاف، القائد في الشرطة المحلية، الامتثال لتلك الأوامر، وبعدئذ خشي أن يقتله النظام السوري لعصيانه الأوامر؛ فهرب عائلته من محافظة الرقة الواقعة في الشمال الشرقي، وعبرَ بها الحدود باتجاه تركيا.
كان من المحتم ارتفاع معدل الجرائم في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار، بسبب رحيل مؤسسات الدولة؛ ما دفع بزملائه المنشقين إلى الطلب من العميد الشلاف العودة، والمساعدة في تكوين قوة شرطة جديدة، تسد فراغ غياب قوة النظام. وعن هذا يقول الجنرال الشلاف الذي أمضى 30 عامًا في الشرطة السورية: “كانت البداية صعبة لنا؛ فكيف تستطيع وضع قوة شرطة في مكان تغيب عنه الدولة، وفيه حرب ومتطرفون ينشطون؟”
إن الجهاز الذي بدأ قوة صغيرة مبعثرة، يوظف الآن 3.300 ضابطًا على امتداد ثلاث محافظات، وقد دفعت الحكومات الغربية الأموال بغرض ذلك التوسع؛ ما جعل من جهاز الشرطة السورية الحرة (FSP) واحدًا من أكثر المتلقين للمساعدات غير القاتلة للمعارضة السورية.
وتردد الغرب في إرسال الأسلحة إلى أجزاء سورية الخاضعة لسيطرة الثوار يعني على الشرطة السورية الحرة أن تعمل من دون أسلحة في بلد مليءٍ بالأسلحة والجماعات المسلحة، وأن تحكم تركيا اللصيق بمعابرها الحدودية الرسمية يصعّب من تزويد الشرطة بالمعدات الأساسية حتّى، كالهراوات والأصفاد.
كان العميد الشلاف، في بادئ الأمر، يتحسر على رفض الغرب إرسال الأسلحة، ويتذكر كيف فشل ضباطه مرةً في إيقاف عملية نهب في مصنع بسبب مجيء اللصوص مسلحين بأسلحة مضادة للطيران، ولكنه تحوّل بعدئذ إلى فكرة انشاء قوة شرطة غير مسلحة، وعن هذا يقول: “الجميع يمتلك السلاح، لذلك في حال حملنا الاسلحة لن يتم النظر إلينا إلّا فصيلًا آخر مسلح.”
بدلًا من ذلك، ركز رجاله على مهمات الشرطة المجتمعية؛ فضبطوا المرور وسيّروا بدوريات ليلية، وبنوا ملاجئ للناس تحميهم من القنابل، وعملوا في إبقاء الأطفال بعيدين عن القناصين، وأصلحوا أعمدة إنارة الشوارع، وتطويق أماكن القنابل غير المنفجرة. كانت الفكرة تتمثل في تحسين العلاقة مع سكان نشؤوا في بلد يمارس فيه رجال الشرطة الابتزاز أكثر من الحماية، وبهذا الخصوص، يقول العميد الذي يقود الآن شرطة سورية الحرة في محافظة حلب: “نريد تغيير الصورة النمطية عن الشرطة، بصفتها قوة فاسدة وعنيفة تمارس تعذيب الناس.”
مع ذلك، يبقى هناك كثير من التحديات؛ إذ يعاني النظام القضائي في كثير من المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في سورية من قلة التنظيم، فتُدير معظم الجماعات المسلحة محاكمها الخاصة، ويحكم فيها رجال دين ذوو مؤهلات مشكوك فيها، ويصدرون أحكامًا مبنية على شروح متناقضة للشريعة، وعن هذا تقول ساندرا بيطار، الناشطة السورية: “تشكل الشريعة مصدر قلق للمانحين، لذلك يبقون بعيدين عن القطاع القضائي. هم يدفعون لقوات الشرطة، ولكن كيف للشرطة أن تزاول عملها مزاولة صحيحة إن لم توجد محاكم احترافية؟”
يرى بعضهم في شرطة سورية الحرة الأساس لقوة شرطة سورية مستقبلية، قد يكون ذلك تفكيرًا رغبويًا في ظل استعادة النظام السيطرة على الأراضي من الثوار، وفي ظل نقاش حكومات الغرب حول تقليص دعمها للمعارضة؛ إذ أدى التحالف الجديد بين جبهة فتح الشام (الجماعة الجهادية المرتبطة بالقاعدة) ومجموعة من أكثر الفصائل الثورية اعتدالًا إلى ميلان ذلك النقاش لصالح أولئك الراغبين في تقليل المساعدات.
لقد علقت الحكومات الغربية تمويل شرطة سورية الحرة في أجزاء من الشمال، يسيطر عليها حلفاء الجهاديين الجدد، ولكن ذلك يهدد بفراغ مستديم في السلطة، وفي ظل فوضى كتلك، باستطاعة القوى الجهادية أن تنمو وتزدهر.
اسم المقالة الأصلي | The travails of Syria’s unarmed police |
الكاتب | مجلة الإيكونومست – The Economist |
مكان وتاريخ النشر | مجلة الإيكونومست – The Economist 04/03/2017 |
رابط المقال | http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21717994-rebel-held-areas-experiment-police-who-dont-rob-and-torture-travails |
ترجمة | أنس عيسى |