تشير الأخبار الواردة من داخل مدينة الرقة إلى أن اشتباكات جرت بين عناصر من تنظيم “تنظيم الدولة الإسلامية” المحليين، الأنصار، ومفارز التنظيم الأمنية عند أول طريق الريف الشرقي، الأمر الذي يؤشر إلى احتمال حدوث تصدعات داخل بنية التنظيم بصورة غير مسبوقة.
تأتي هذه الحادثة في إثر الضغط العسكري الهائل الذي يتعرض له التنظيم على جبهات قتاله في سورية والعراق كافة، وخاصة بعد انهيار جبهة التنظيم في الريف الشرقي لمحافظة الرقة أمام الميليشيات الكردية المسنودة بقوات التحالف الدولي، وفي ريف حلب الغربي، أمام قوات النظام وحلفائه من الميليشيات اللبنانية والأفغانية والإيرانية المدعومة بالطيران الروسي.
حادثة الاشتباك الفريدة في نوعها هذه، جرت بعد أن حاول عدد من عناصر التنظيم المحليين والمنتمين إلى عشائر تسكن قرى في الريف الشرقي، الخروج مع أُسرهم من مدينة الرقة والعودة إلى قراهم باستخدام إجازات مرور بتواريخ سابقة. وتأتي محاولة خروج هؤلاء في إثر ما أشيع عن اتفاق بين قيادة ميليشيا “قسد”، ووجهاء من بلدة الكرامة في ريف الرقة الشرقي، أكبر تجمع بشري في الريف الشرقي ومسقط رأس عدد من قادة التنظيم المحليين والمئات من مقاتليه، يقضي بتسليم البلدة دون قتال؛ ما يخالف توجهات قيادة التنظيم الذي أصدر أخيرًا أوامر مشددة بمنع خروج العناصر المحليين وعائلاتهم خارج مدينة الرقة، الأوامر التي طالت أيضًا بعضًا من قيادات الصف الثاني في التنظيم وأمنييه وبعض مهاجريه.
انتهت الحادثة باعتقال نحو عشرة عناصر محليين وإعادة أسرهم إلى داخل مدينة الرقة، فيما ضاعف التنظيم عدد الحواجز “الطيارة” داخل المدينة، ونفذ حملة اعتقالات واسعة في صفوف عناصره.
تُعد بلدة الكرامة، وهي الناحية الأكبر في الريف الشرقي – جزيرة، من أهم موارد التنظيم البشرية في المحافظة، وخاصة في مرحلتي الإعداد والتمكين. إلّا أن وجهاءها اختاروا في ما يبدو سلوك طريق السياسة بصورة مفاجئة وانقلابية؛ للحد من دمار بلدتهم، بعد أن اقترب خط المواجهة منها، وخاصة بعد أن اتضح التكتيك العسكري الأميركي بتدمير كل ما يعترض سير العمليات على الأرض عبر الطيران، ومن ثم؛ إجراء عمليات تطهير تقوم بها الميليشيات الكردية بعنوان “عزل الرقة”، الذي تكشف -أخيرًا- عن كونه إجراء أمنيًا قاسيًا، لا يستهدف عناصر التنظيم فحسب، وإنما أسرهم وأقرباءهم. ولهذا فقد خرج مقاتلو التنظيم من داخل البلدة، ودخلها مقاتلو الميليشيا الكردية، ثم عادوا وخرجوا منها، وانتشروا في محيطها.
حركة انشقاق الأنصار الفاشلة هذه، تستدعي معركة دحر تنظيم الدولة من منطقة تل أبيض، في ريف الرقة الشمالي في صيف العام 2015، وما نتج عنها من درس سياسي. وقتئذ أسهم الحضور المؤثر لـ “لواء ثوار الرقة” في حسم المعركة، دون قتال تقريبًا، بعد أن تفتتت قوة التنظيم البشرية في المنطقة؛ بفعل اختراقات أمنية واجتماعية، على أسس عشائرية، ساهمت في خفض حدّة القتال، وسرعة انسحاب التنظيم من المعركة. هذه المسألة تشير أيضًا إلى احتمال أن تلعب السياسات المحلية والعلاقات العشائرية، دورًا في الحدّ من تأثير العناصر المهاجرة والقيادتين: السياسية والأمنية للتنظيم اللتين يُمسك بمقاليدهما ضباط أمن وجيش عراقيين سابقين.
في هذه الأثناء، وفي اتجاه آخر، أعلن تنظيم الدولة مدينة الرقة منطقة عسكرية، إلّا أنه أعلن للمرة الأولى السماح للمدنيين بالخروج، إن أرادوا من مدينة الرقة إلى مناطق أخرى تحت سيطرته، بحسب ما أفاد ناشطون محليون؛ ما يؤكد أن التنظيم يُحضّر لمعركته الكبرى داخل الرقة. وفي هذا السياق؛ يفيد مواطنون من المدينة أن أحيائها الشرقية والشمالية، تحولت إلى متاهة معقدة من الخنادق والسواتر الترابية والأنفاق والألغام المزروعة في الطرقات وقساطل الصرف الصحي؛ ما فُسِّر بوصفه تكتيكًا عسكريًا، سيُجبر المهاجمين على الدخول في حرب شوارع، وتاليًا إخراج الطيران والأسلحة الثقيلة من المعركة.
واستعدادًا لمعركة من هذا النوع، فقد زرع التنظيم ألغامًا في جميع الطرقات والأماكن العامة والأبنية الحكومية. وتشرف على هذه العملية المعقدة مجموعة أمنية خاصة، تتلخص مهماتها في التلغيم وإدارة معركته في وقتها. إلّا أن كثرة الألغام داخل المدينة بدأت تنعكس على المدنيين في ما يبدو، إذا انفجر لغم بطفلة لعائلة نازحة من ريف حلب الشرقي، لجأت إلى إحدى المدارس، ما أودى بحياتها على الفور قبل يومين، بحسب ما أفاد أحد سكان الحي الذي تقع فيه المدرسة.
وعلى صعيد العمليات العسكرية نفّذ طيران التحالف الدولي غارات طالت إحداها مدرسة في قرية “كسرة شيخ الجمعة”، على الضفة اليمنى لنهر الفرات، لجأ إليها مدنيون فروا من القتال الدائر في ريف حلب الشرقي، إضافة إلى ما كانت تضمه من لاجئين، وفدوا من ريف الرقة الشمالي، كانوا سكنوها منذ أسابيع.
تعليق واحد