تحقيقات وتقارير سياسية

في الذكرى السادسة للثورة: تدخل أميركي بري غير معني بالأسد!

انقضت ست سنوات من الثورة، قدم خلالها السوريون تضحيات جسامًا، في سبيل إنجاز مشروع وطني، مازالوا بعيدين عنه، ويسددون كل يوم فاتورته، في ظل تعقيدات وتدخلات إقليمية ودولية، تتصارع لغاياتها ومصالحها، بعيدًا عن أماني السوريين، وآمالهم، وعن الأهداف التي ثاروا لأجلها.

يترقب السوريون في هذه الذكرى معركة تحرير الرقة، أو استردادها، من تنظيم الدولة الإسلامية، التي تأجلت عدة مرات، في ظل تحضيرات وحشود لأطراف عدة، أبرزها القوات الأميركية التي نشرت 400 جندي من مشاتها، دفعةً أولى، قرب منبج، شرق حلب، وقد رفعت العلم الأميركي على بعض الأبنية والآليات الحربية إعلانًا عن وجودها صراحةً.

ليست المرة الأولى التي يرفع فيها العلم الأميركي على الأرض السورية، وليست المرة الأولى التي يكشف فيها عن وجود قوات أميركية مقاتلة، فقد ظهر وجود عسكري أميركي في المنطقة نفسها، في 24 أيار/ مايو من العام الماضي 2016، في إطار التحضيرات للمعركة ذاتها، ولكنه بقي دون إعلان رسمي عن التدخل البري، وهي التي اكتفت في السابق بالدعم الاستخباراتي واللوجستي لجهات حليفة تثق بها، بعد أن اختبرت التعاون معها.

إضافة إلى الهدف المعلن، والمباشر، لهذه القوات، المتمثل بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، والقضاء عليه، هناك هدف آخر يتمثل بتوفير الحماية لميليشيا “قوات سورية الديمقراطية”، التي تعدّها حليفًا قويًا لها، دون الإفصاح عما بعد ذلك، فاسحة المجال للبحث عنه من خلال قراءة تصريحات ترامب ومواقف إدارته التي تضع في قائمة أولوياتها محاربة الإرهاب والتطرف “الإسلاميين”.

معظم السوريين يعدون تنظيم الدولة الإسلامية عدوًا لهم، وخطرًا يهدد حياتهم وبلادهم، مثلها مثل نظام الأسد الذي ذاقوا الويلات على يديه، وقلة يرفضون محاربتها، ولكن عدم ثقتهم التاريخية بالسياسة الأميركية التي خذلتهم طوال سنوات الثورة، في الأقل، يدفعهم إلى الارتياب في نيتها، خصوصًا أن تدخلها يأتي داعمًا لطرف يتبنى مشروعًا خطِرًا يهدد وحدة سورية، وتتغافل عن المتسبب الرئيس في الأزمة كلها.

يكشف هذا التدخل مستوى التنسيق والتفاهم الأميركي – الروسي في الأزمة السورية الذي وصفه بعض المحللين بـ(موسم الصفقات) بين الجانبين. تفاهم لا يأتي في أجندته على ذكر رحيل الأسد، وتحقيق انتقال سياسي يعالج جوهر الأزمة، ويلبي طموحات السوريين، ويعزز الثقة باستراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة التي أعلنها ترامب في حملته الانتخابية، وبدأت تتضح شيئًا فشيئًا، دون غموض أو مواربة، على عكس الحال مع الإدارة السابقة في تعاطيها مع الموضوع السوري برمته.

يلاحظ أن التدخل المباشر والقوي للولايات المتحدة الأميركية مرّ دون إدانة وشجب كبيرين، وهو مؤشر إلى تدويل “القضية السورية”، وخروجها من أيدي أهلها، ويكشف وهم المراهنين على تدخل أميركي حاسم، طال انتظاره، ولم يتحقق، إنما جاء معاكسًا لرغبات السوريين وتطلعاتهم. ولعله من المفارقات المريرة أن تحل الذكرى السادسة لانطلاقة الثورة بينما يتزايد التورط الأجنبي في سورية، كاشفًا حجم الصراع الدولي على أراضيها، ليجد السوريون أنفسهم أمام مجموعة قوى كبرى تتصارع على أراضيهم وتتقاسم النفوذ والمصالح دون حساب لمصالحهم.

جاء الإعلان الرسمي عن الوجود الفعلي للقوات الأميركية في شرقي سورية متأخرًا، إذ بدأت العمل في إقامة قواعد دائمة في هذه المنطقة الحيوية والغنية بالثروات، وتعدّ شريانها الحيوي، وهي المنطقة نفسها التي حولتها الميليشيات الكردية إلى كانتون خاص بها، تحقيقًا لمشروعها “القومي” الذي ترى أن لحظته التاريخية قد حانت، ما فاقم هواجس السوريين وشكوكهم بالنيات الأميركية.

قيل كثير منذ بداية الثورة عن حقيقة الموقف الأميركي، وجديته، في دعمها، وجرت مقارنات، ومقاربات، ثبت خطؤها جميعًا، وما كان يُعتقد أنه “لا موقف”، هو في حقيقته موقف محكم، وخطة استراتيجية، صاغها ساسة، ورجال استخبارات، وصانعو قرار، و “لوبيات” ضغط ومصالح، عملت منذ عقود طويلة، وتعمل، ولم تبن تصوراتها على معطيات اللحظة الراهنة، المتغيرة والمتبدلة.

نجح النظام السوري في صرف الأنظار عن جرائمه؛ بإدخال جميع قوى التطرف والإرهاب إلى المعركة، وفتح لها الأبواب مشرعة؛ لتغيب قضية الشعب السوري المحقة والعادلة، ولتحتشد جميع القوى لمحاربته، بعد أن رفضت أو تقاعست عن توفير الحماية له، إن كان من خلال مناطق آمنة غيرها؛ ما يوفر كثيرًا من دماء السوريين.

لا يبدو في الأفق نهاية لمأسوية القضية السورية إلا بالاعتماد على الإرادة الذاتية، وانخراط القوى الوطنية الثورية كافة، في مشروع وطني جامع بعيدًا عن المراهنات الخاسرة على الخارج.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق